بين غزو العراق للكويت ثم تحريرها وبقاء صدام على مواقفه، انفتحت دول الخليج على المعارضات العراقية، أقول معارضات لكثرة أحزابها ومجموعاتها وأشخاصها إلى درجة الدوخة، ما بين فكرية علمانية ودينية وقومية.
خلال تلك الفترة مطلع التسعينيات ميلادية، أجريت عدة حوارات صحفية لمجلة «اليمامة» مع رموز المعارضات العراقية من بعثيين سابقين وحاليين، «ذلك الوقت» أي ضد صدام ولا يزالون على ولاء لحزب البعث، إلى إسلاميين وشيوعيين واشتراكيين، وسياسيين من وزراء وسفراء منشقين وهاربين وغيرهم.
كما زرت مخيم رفحا للاجئين العراقيين في شمال السعودية وكان يحتضن إلى جانب آلاف العراقيين البسطاء والكفاءات العلمية كثيراً من المسيسين تحت أحزاب وجماعات.
كلهم يعلنون عند الحديث معهم محبة العراق والشكوى من أوضاعه. واكتشفت حينها كيف يحدث التحزب «بكل ألوانه وشعاراته» انقسامات، إنه يقسم المقسم ويجزئ المجزّأ، حتى العائلة الصغيرة تتشظى، وهم يجتمعون على هدف واحد لكنهم حتماً سيختلفون بعد تحقيقه أو الاقتراب من ذلك.
اكتشفت مأساة العراق العميقة، وهو نموذج للعالم العربي فالحزبية هي التي أوصلت وعظمت الديكتاتور حتى أصبح يستأثر بكل شيء، هي نفسها التي أوصلت حافظ الأسد الى حكم سورية ليتسلم ابنه الحكم من بعده، وهي التي أوصلت القذافي وعلي صالح في ليبيا واليمن.
والبسطاء والحالمون ينظمون أو يتعاطفون مع أحزاب وجماعات لأسباب مختلفة، إلا أن العاطفة التي تستميلها الشعارات والخطابات والبيانات و «الكاريزما» لأشخاص، هي الأساس، ثم يتحول هؤلاء البسطاء والحالمون إلى سلالم ومصاعد يستغلها عدد محدود من الانتهازيين المتسلقين وبعد تصفيات دموية يتسلم أكبرهم انتهازية دفة السلطة.
حدث هذا في العراق وسورية واليمن بشقيه الشمالي والجنوبي قبل الوحدة وبعدها، وفي ليبيا ومصر. حدث وأعيد استنساخه أكثر من مرة، والثمن تدفعه الشعوب، والتحزب بكل ألوانه إذا استوطن في وطن عربي فقل عليه السلام، فما بين الأحزاب في العالم العربي وأحزاب الغرب مسافات ضوئية.
لم تسقط مجتمعات دول الخليج العربية في فخ التحزب، قاومت وصمدت لفترة طويلة لكنها فترة كانت أضعف إعلامياً وأساليب. اختلف الوضع الآن جذرياً، فالقوى الناعمة مدعومة من دول أصبح لها تأثير كبير، مع وصول أسرع وهي تستغل الإحباطات والاحتقانات وليدة الحاجات.
والحل هو في تحقيق طموحات المواطنين وعدم الركون إلى شراء الوقت والتسويف والإلهاء حتى لا يُختطفوا كما اختطف إخوان لهم على مدى عقود فتحولوا لاجئين أو هاربين من عالمنا العربي البائس.
عبد العزيز السويد- الحياة السعودية-