إذا كان هناك شيءٌ واحدٌ تعلمناه عن «دونالد ترامب»، فهو أنّه لا يوجد لديه مخاوف حول مناقضة نفسه للحصول على ما يريد. وفي المملكة العربية السعودية، فإنّ ما أراده هو إتمام صفقة أسلحة بقيمة 110 مليارات دولار، وليس تعزيز السلام والتسامح، كما أعلن لاحقًا في خطابه يوم الأحد.
ومن ثمّ، فإنّ خطابه لن يتم تذكره على أنّه بداية السلام في الشرق الأوسط، كما أشار إلى ذلك على نحوٍ مفرط، بل هو دفعة جديدة للحرب التي تدمره. كما أنّ خطاب «ترامب» لن يضع حدًا للكراهية والتعصب التي أظهرها تجاه الإسلام خلال العامين الماضيين. وعلى كل حال، فهو يحتاج إلى كبش فداء لإلقاء اللوم عليه حين يصل إرهاب الشرق الأوسط حتمًا إلى الولايات المتحدة.
وبالنظر إلى أسلوب «ترامب» الانتهازي القيادي، وهو ما يسميه بـ «الواقعية المبدئية»، يمكننا أن نتوقع المزيد من التناقضات بين خطابه وأفعاله. وتوجد أربعة تناقضات محددة تستدعي استكشاف ما يجري في السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، وكذلك في التعامل مع المسلمين في الولايات المتحدة.
أولًا: يدعو «ترامب» إلى السلام والازدهار في خطابه، ولكن بعد ذلك يبيع الأسلحة للسعوديين، الأمر الذي سيؤدي حتمًا إلى إشعال الحرب. ويتعامل «ترامب» مع الإرهاب في الشرق الأوسط كفرصة لخلق فرص العمل في الداخل وإثراء أقطاب صناعة الأسلحة.
وفي الوقت الذي يخاطب فيه «ترامب» أخطر الدكتاتوريين في العالم حول الإرهاب، لم يذكر كيف أنّ العنف والقمع الذي تمارسه الدولة يغذي تنظيم الدولة وحملات الدعاية التي يقوم بها تنظيم القاعدة. وبدلًا من ذلك، يصف القادة العرب بالمدافعين عن حرية الشعوب. وبينما نصح حلفاءه بالسماح لـ «الفتيان والفتيات من المسلمين بأن يكونوا قادرين على النشوء بعيدًا عن الخوف والعنف والكراهية»، تظاهر بشكلٍ مخادع وكأنّ الربيع العربي لم يحدث أبدًا. وقد ثارت الشعوب ضد حكوماتها الاستبدادية التي تسعى فقط لتلك الأشياء، لكنّها لم تجد دعمًا من قبل الولايات المتحدة، وتم قمعها بعنف من قبل الأنظمة العربية، التي يذهب مرة أخرى لتسليحها.
وبالتالي، ينبغي ألا نتوقع أي محاولاتٍ ذات مغزى من جانب إدارة «ترامب» لتقليل الإرهاب في المنطقة. وبدلًا من ذلك، ستركز استراتيجية الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب على احتواء العنف في الشرق الأوسط جغرافيًا، ومنعه من عبور المحيط الأطلسي.
وهذا يقودنا إلى التناقض الثاني من قبل «ترامب»، وهو الفصل المتعمد للإسلام عن الإرهاب في خطابه أمام المشترين السعوديين للأسلحة، بينما يعمل على تغذية الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة. وعلى مدى العامين الماضيين، قال «ترامب» مرارًا وتكرارًا أنّ «الإسلام يكرهنا» والإسلام هو «أيديولوجية أجنبية بغيضة»، وهو نوعٌ من الخطابات التي شجعت مؤيديه القوميين البيض للتمييز العنصري ضد المسلمين ومهاجمتهم. ويمكن لتزايد التعصب المناهض للمسلمين أن يعطي إدارته الحرية في استهداف المسلمين بشكلٍ غير متناسبٍ في تحقيقات مكافحة الإرهاب والمراقبة والملاحقات القضائية.
ثالثًا: هناك القليل من الأدلة على أنّ «ترامب» على استعداد للمشاركة في الجهد العالمي «لمكافحة الأيديولوجية المتطرفة»، وهو مصطلحٌ جديدٌ صاغه استراتيجيًا بدلًا من «الإرهاب الإسلامي المتطرف» حين كان يبيعه إلى قاعدته اليمينية. وفي الوقت الذي أعلن فيه «ترامب» أنّ «مركزًا جديدًا رائدًا (يمثل) إعلانًا واضحًا بأنّ البلدان ذات الأغلبية المسلمة يجب أن تأخذ زمام المبادرة في مكافحة التطرف»، لم يتحمل أي مسؤولية عن خطابه الانقسامي الخاص الذي يدفع فيه اليمين السياسي في الولايات المتحدة إلى التطرف. وفي الواقع، على مدى الأعوام الخمسة الماضية، ارتفعت الأيديولوجية المتطرفة من قبل اليمين إلى مستوياتٍ مثيرة للقلق.
وبناءً على ذلك، ينبغي أن نتوقع استمرار استخدام مصطلح «الإرهاب الإسلامي المتطرف» في خطبه إلى الجماهير الأمريكية، والتعامي المتعمد عن تصاعد أعمال العنف التي تشنها جماعات الميليشيات اليمينية، ومنظمات كو كلوكس كلان.
وأخيرًا، ذكر «ترامب» أنّه في «مشاهد الدمار، في أعقاب الإرهاب، لا نرى أي علاماتٍ على أنّ المقتولين كانوا من اليهود أو المسيحيين أو الشيعة أو السنة». وهنا يظهر التعاطف مع المسلمين، حتى وإن كانت سياساته الداخلية تدفع للتمييز ضد المسلمين. وقد منع أول أمرٍ تنفيذيٍ له الملايين من الناس من البلدان ذات الأغلبية المسلمة من دخول الولايات المتحدة بشكلٍ قانوني. ولم يطبق شرط اللاجئين على اللاجئين السوريين المسلمين، مع إعفاء اللاجئين السوريين المسيحيين، كما لو أنّ حياة مئات الآلاف من السوريين المسلمين الذين قتلوا لم تكن ذات قيمة. وفي جميع خطاباته التي تحذر من الإرهاب الذي يرتكبه المسلمون، لم يعترف أبدًا بارتفاع جرائم الكراهية والتخريب ضد المساجد والبلطجة التي يعاني منها المسلمون في الولايات المتحدة. وبالنسبة لـ«ترامب»، فهناك فارقٌ كبير بين المسلمين والجميع.
وفي حين أنّ مواطني الشرق الأوسط وأمريكا قد لا يستسيغون تناقضاته البغيضة، فإنّ جمهوره في السعودية لن يفعل ذلك. وعلى العكس من ذلك، يرى أصحاب السلطة في الشرق الأوسط «ترامب» حليفا. وما يريده لا علاقة له بالسلام والاستقرار والازدهار لشعوب الشرق الأوسط.
سي إن إن- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-