يبدو أنّ سكان المملكة العربية السعودية، وليس مجرد العائلة المالكة، يهتمون فقط بما يقوله «دونالد ترامب» الآن. وبينما أهان «ترامب» المرشح السعوديين، احتضنهم الرئيس «ترامب»، مما جعل المملكة أول وجهة أجنبيةٍ له. وفي العاصمة الرياض، في 20 و21 مايو/أيار، سعى «ترامب» إلى طمأنة القادة المسلمين وبدا في تناقضٍ حاد مع سياسة «باراك أوباما» الخارجية.
وكان محور الرحلة خطابًا للسيد «ترامب» أمام العشرات من القادة المسلمين السنة، الذي جاء كردٍ على خطاب السيد «أوباما» بالقاهرة عام 2009. وبطريقة كلٍ منهما الخاصة، سعى الرئيسان إلى إعادة العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي. ولكن في حين حاول السيد «أوباما» إصلاح الضرر الذي أحدثته الحرب في العراق، كان السيد «ترامب» مثقلًا بعباراته الكارهة للإسلام. وقال «ترامب» العام الماضي، بعد أن دعا إلى فرض حظرٍ شاملٍ على دخول المسلمين إلى أمريكا: «أعتقد أنّ الإسلام يكرهنا». واعتبر مستشاره الأول لشؤون الأمن القومي، مايكل فلين، الإسلام «سرطانًا خبيثًا».
ولابد أنّ هؤلاء القادة الاستبداديين يتمتعون بذاكرةٍ قصيرة، لأنّ نداء السيد «ترامب» لمحاربة التطرف، الذي يقول عنه الآن أنّه «ليس معركةً بين مختلف الديانات»، ولكن «بين الخير والشر»، كان مختلفًا في السابق. ولعل ما ساعد الرئيس أنّه لم يضغط على جمهوره بذكر سجلاتهم السيئة في مجال حقوق الإنسان، والتي يعتقد العديد من المحللين أنّها تسهم في تغذية الإرهاب. وكان هذا على عكس ما اتبعه السيد «أوباما» (الذي حاضر طلاب الجامعات عام 2009، وتحدث بحزم حول حقوق الإنسان). وقال «ترامب»: «نحن لسنا هنا لإلقاء المحاضرات». وأضاف: «ولسنا هنا لنقول للآخرين ما يتوجب عليهم القيام به».
ثم أخبر الرئيس جمهوره بما يجب عليهم القيام به. وقال «ترامب»: «لا يمكن لدول الشرق الأوسط أن تنتظر القوة الأمريكية لسحق عدوهم». وأضاف: «لا يمكن أن يتحقق مستقبل أفضل إلا إذا قامت دولكم بإخراج الإرهابيين والمتطرفين». ولهذه الغاية، أعلن السيد «ترامب» عن بيع أسلحة بقيمة 110 مليار دولار إلى السعودية، وافتتاح المركز العالمي لمكافحة الأيديولوجية المتطرفة في الرياض، وإنشاء مركزٍ لمكافحة تمويل الإرهاب.
ولكي يسعد مضيفيه، فقد ساعد على تأجيج الانقسام الطائفي داخل الإسلام، وألقى «ترامب» باللوم على إيران، ذات الأغلبية الشيعية، في معظم مشاكل المنطقة. وقال الرئيس: «من لبنان إلى العراق إلى اليمن، تقوم إيران بتمويل الأسلحة وتدريب الإرهابيين والميليشيات والجماعات المتطرفة الأخرى التي تنشر الدمار والفوضى فى المنطقة»، (مؤكدًا أنّ معظم الجهاديين في الشرق الأوسط من السنة وليس الشيعة). وقبل ذلك بيوم، أدان «ريكس تيلرسون»، وزير الخارجية، سجل إيران في مجال حقوق الإنسان، وهو ليس أسوأ بكثير من سجل السعودية. ولم تعقد هذه المحاضرة إلا بعد ساعات من إعادة انتخاب الرئيس الإيراني «حسن روحاني»، وهو رئيس معتدل نسبيًا.
ويسعى «ترامب» ومضيفوه بالانتقاد المتكرر لإيران للتأكيد على اختلاف الأمور في ظل الإدارة الجديدة. وقبل عامين فقط، تعامل السيد «أوباما» مع السيد «روحاني» لإتمام صفقة تقيد برنامج إيران النووي مقابل رفع العقوبات. وقد تسببت إعادة المواءمة هذه في إزعاج السعوديين، الذين قدموا للسيد «أوباما» ترحيبًا باردًا في زيارته الأخيرة للمملكة عام 2016. وعلى النقيض من ذلك، عندما خرج السيد «ترامب» من طائرته، كان الملك «سلمان» في استقباله في حفلٍ فخم.
لكنّ التغييرات كانت في الأسلوب أكثر من الجوهر. فلم يمزق «ترامب» الاتفاق النووي مع إيران، ومثلما قال «أوباما»، أكد أنّه سيتجنب «التدخلات المفاجئة» في المنطقة. وعلاوةً على ذلك، يقول «توماس ليبمان» من معهد الشرق الأوسط، وهو مركز أبحاث في واشنطن العاصمة: «كان أوباما جيد جدًا (للسعوديين). فقد زار المملكة مراتٍ أكثر ممن سبقوه، وباع السعوديين أسلحةً أكثر من أي رئيسٍ أمريكيٍ آخر. وفي الواقع، فإنّ العديد من صفقات الأسلحة التي احتفل بها ترامب كانت قد تم التفاوض عليها أثناء إدارة سلفه، الذي قدم أيضًا الدعم الاستخباراتي للحرب التي تقودها السعودية في اليمن».
وتوجه «ترامب» بعد ذلك إلى (إسرائيل)، حيث ستكون الديناميكيات في بعض الأحيان مماثلة لتلك التي قام بها في رحلته إلى السعودية. وزار السيد «ترامب» مؤسسة ياد فاشيم، مركز أبحاث الهولوكوست، ربما لمواجهة اتهامات معاداة السامية ضد البعض في إدارته، وخاصةً بعد عدم ذكر اليهود في بيان ذكرى المحرقة في وقتٍ سابقٍ من هذا العام. كما يخطط الرئيس لاقتراح خارطة طريق إلى اتفاق سلامٍ نهائي بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وقد يشكك البعض في قدرته على إنهاء الصراع المستمر منذ عقود، ولكن في الرياض، وصفه «عبد الفتاح السيسي»، رئيس مصر، السيد ترامب بأنّه «شخصية فريدة من نوعها قادرة على القيام بالمستحيل»، ورد عليه السيد «ترامب» بقوله: «أتفق معك».
إيكونوميست- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-