تصعيد مفاجئ ولافت من السعودية والإمارات ومصر ضد قطر، خلال اليومين الماضيين، وبطريقة تبدو مفتعله، في وقت كانت تواصل فيه الأخيرة مساعيها لتجاوز توترات الماضي مع الرياض وأبوظبي.
تطورات دراماتيكية بدأت في وقت متأخر من مساء أول أمس الثلاثاء ببيان مختلق تم نسبه إلى أمير قطر، وتداولته سريعاً قناتا «العربية» المملوكة لسعوديين، و«سكاي نيوز عربية» المملوكة لإماراتيين، وفضائيات مصرية خاصة، إضافة إلى صحف ومواقع إلكترونية من البلدان الثلاثة.
وتضمن البيان المختلق ادعاءات عن «توتر العلاقات» القطرية مع إدارة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، ودعوة الدوحة كل من «مصر والإمارات والبحرين إلى مراجعة موقفهم المناهض لقطر»، وتأكيد الدوحة «على أن إيران تمثل ثقلا إقليميا وإسلاميا لا يمكن تجاهله، وليس من الحكمة التصعيد معها».
ورغم مسارعة وكالة الأنباء القطرية الرسمية (قنا)، ومسؤولين قطرين إلى نفي صحة ذلك البيان، والتأكيد على أن موقع الوكالة تم اختراقه، إلا أن القنوات والمواقع الإلكترونية السعودية والإماراتية والمصرية تجاهلت نشر النفي القطري، وواصلت تحليلاتها لما جاء في البيان المختلق والتعامل معه على أنه حقيقة، بل ودعمته من الدقائق الأولى بمواد إعلامية مثل «الفيديو غرافيك»، والتي يتطلب إعدادها وقتا طويلا، وكأن الأمر كان معد سلفا أو «دُبر بليل» كما عبر أحد المسؤولين القطريين.
وحتى صباح اليوم التالي، ظل البيان المكذوب على أمير قطر يتصدر صفحات وتعليقات وسائل الإعلام المذكورة، كما يتواصل، حتى اللحظة، الهجوم على قطر وأميرها، على نحو يشير إلى أن ذلك التصعيد هو قرار من مستوى سياسي كبير في الإمارات والسعودية، وأصابع الاتهام تتجه هنا تحديداً إلى ولي عهد أبوظبي «محمد بن زايد»، وولي عهد السعودية «محمد بن سلمان»؛ خاصة أن وسائل الإعلام المشاركة في التصعيد ضد الدوحة ترتبط بالرجلين بشكل أو بأخر.
التصعيد الإماراتي السعودي المصري على قطر يبدو إذن مقصوداً – إن لم يكن مدبراً -، لكن السؤال لماذا في هذا التوقيت بالتحديد؟
المتابع للتطورات السياسية في المنطقة يلاحظ أن ذلك التصعيد يأتي بعد يومين فقط من تواجد قادة السعودية والإمارات ومصر وقطر في «القمة العربية الإسلامية الأمريكية» التي انعقدت، الأحد، في العاصمة السعودية الرياض بحضور «ترامب» والعشرات من قادة الدول العربية والإسلامية.
فهل لتلك القمة و«ترامب» علاقة بالتصعيد التصعيد الإماراتي السعودي المصري ضد قطر؟
الإجابة على السؤال ربما تأتي في سياق تقرير نشرته صحيفة «الغارديان» البريطانية، اليوم الخميس؛ إذ أشارت الصحيفة إلى الضغوط الحالية التي تواجهها إدارة «ترامب» في الداخل الأمريكي (والتي يقودها اللوبي الصهيوني على الأرجح) لمراجعة تحالفها مع قطر في ظل وقوف الأخيرة إلى جانب «حركة المقاومة الإسلامية» (حماس) في مواجهة الاحتلال «الإسرائيلي»، وكذلك مساندتها لـ«جماعة الإخوان المسلمين».
وفي سياق تلك الضغوط، لفتت الصحيفة إلى تصريح صدر مؤخرا عن وزير الدفاع الأمريكي السابق «روبرت غيتس»، والذي انتقد فيه الدعم الذي تقدمه قطر لـ«حماس» و«جماعة الإخوان».
وفي الصدد ذاته، أعلن رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي «أد رويس» أنه سيطرح مشروع قانون لمعاقبة الدول التي تدعم «حماس» و«جماعة الإخوان»، وخصّ قطر بالذكر.
الضغوط التي يواجهها الرئيس الأمريكي في الداخل ربما انعكست على خطابه أمام القادة العرب والمسلمين في الرياض عندما وضع «حماس» (الحركة المقاومة للاحتلال) في بوتقة واحدة مع تنظيمات متشددة مثل تنظيمي «الدولة الإسلامية» و«القاعدة».
وتأتي تلك الضغوط على «ترامب» متناغمة مع موقفي السعودية والإمارات، واللتين وجدتا فيها الفرصة لشن هجوم على قطر في تلك النقطة، وربما كنوع من الضغط عليها لدفعها إلى مراجعة موقفها.
وربما يكون ذلك بضوء أخضر من «ترامب» لتخفيف الضغوط التي تواجه إدارته، دون أن يتدخل بشكل مباشر في ضوء طبيعة التحالف مع قطر وأهميته، خاصة أن الدوحة تستضيف أكبر قاعدة جوية أمريكية في الشرق الأوسط.
تصاعد القلق من فضح المخططات
الحملة الإماراتية السعودية على قطر ربما يكون لها بعد ثان؛ فالرياض وأبوظبي بدأتا تشعران بالقلق من مواقع إلكترونية عدة سلطت الضوء على مخططات الأولى في اليمن والقرن الأفريقي، والبذخ المالي للثانية مع إدارة «ترامب» أملاً في الحوز على رضاها ومباركتها لخطوة اعتلاء ولي ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» عرش المملكة خلفاً لوالده.
وكعادتهما خلال الفترة الأخيرة إذا أرادت قمع أي صوت حر يغرد خارج سربها، كان الاتهام السعودي الإماراتي الجاهز لتلك المواقع هو أنها تابعة لــ«جماعة الإخوان» أو قطر.
لذلك، جاءت – على ما يبدو - الحملة الإلكترونية التي شنتها مواقع إمارتية أو مصرية – مدعومة إماراتيا - والتي انطلقت قبل أيام على تلك المواقع التي تغرد خارج السرب الإماراتي السعودي.
كما جاء كذلك قرارات السلطات في الرياض وأبوظبي بحجب العشرات من تلك المواقع التي تغرد خارج سربها، وشمل ذلك «الجزيرة نت».
والملاحظ هنا أن الهجوم على تلك المواقع جاء من أعلى المستويات في الإمارات، ومنه وزير الدولة للشؤون الخارجية «أنور قرقاش»، ونائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي «ضاحي خلفان».
وهذا إذا كان يعكس شيئاً؛ فهو يعكس مصداقية وتأثير تلك المواقع، كما يعكس أيضا خوف الأمارات من الإعلام الجديد.
«انقلاب عدن»
وإضافة إلى السببين المذكورين بالأعلى، يستطيع المتابع أن يلمس بسهولة الانزعاج الإماراتي الشديد، خلال الأسابيع الأخيرة، من تصدي قطر لمخطط «انقلاب عدن»، عبر فصل الجنوب اليمني عن شماله، والذي قابلته وسائل الإعلام، التي يسيطر عليها «بن زايد»، بهجوم ضاري على شبكة «الجزيرة» القطرية.
ورغم أن الموقف القطري تقاطع مع رفض السعودية لمخطط «انقلاب عدن»، إلا أنه ثمة تساؤل عن حسابات ولي ولب العهد السعودي الخاصة، والتي تجعله حريصا على تعزيز شراكته الشخصية مع أبوظبي.
عوامل عدة ربما اجتمعت معاً لتضع تفسيرات محتملة لسر التصعيد السعودي الإماراتي على قطر، وربما تكشف الساعات القادمة أسباب أخرى تجعل الرؤية أكثر وضوحاً.
خالد المطيري- الخليج الجديد-