سنفترض أن وكالة الأنباء القطرية مخترقة كما تدعي الدوحة، وأن ما نُسب على لسان سمو الشيخ تميم غير صحيح، وأن الاستشهاد بمواقف سابقة لتأكيد صحة التصريح ونفي ما تدعيه وكالة الأنباء القطرية من أنها مخترقة استشهاد في غير مكانه الصحيح، وأن سمو أمير قطر لا يمكن أن يسمح لنفسه بأن يخلع على حماس صفة الممثل الشرعي لدولة فلسطين، ولا أن يزعم بأن التهديد الذي يُخاف منه على قطر سوف يكون من جيرانها، ومثل ذلك أن يكون قد تحدث عن علاقة جيدة مع إسرائيل بينما الأمر غير ذلك، أو أنه لا يستنكر على إيران مؤامراتها، بل أنه لم يطالب المملكة بقبولها واستيعابها، ومثل ذلك ما جاء في التصريح عن موقفه الودي من حزب الله والإخوان المسلمين، والصحيح أن رأيه غير ذلك.
إذا افترضنا وتفهمنا كل هذا وأكثر، أريد أن أسأل سموه: ماذا يضيره أن يخرج عن صمته ويعلن بنفسه ليس لنفي صدور هذا التصريح منسوباً إليه، وإنما للتأكيد على أن الثوابت القطرية لا تعترف بإسرائيل، ولا ترى ممثلاً شرعياً للفلسطينيين غير منظمة التحرير، وأن جيران قطر هم صمام أمان لاستقرار قطر لا الاعتداء عليها، وأن على إيران أن تعيد النظر في سياساتها، فلا تتدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج، مع التأكيد على الموقف من حزب الله والإخوان المسلمين بما يتفق مع موقف دول مجلس التعاون.
هذا أبلغ رد، وأفضل أسلوب للتهدئة، وأصدق في احتواء سموه للتطورات الجديدة في علاقات قطر مع دول مجلس التعاون، وخصوصاً المملكة التي نالها ما نالها من هذا التصريح الذي لا يُعَبِّر عن دوافع ودية، ولا عن يد ممدودة للتعاون، وإنما يصب الزيت في النار لإغراق المنطقة بما لا مصلحة لقطر ولدول مجلس التعاون في ذلك.
نعم وزير خارجية قطر نفى أن يكون التصريح المنسوب للشيخ تميم صحيحاً، وأكد أن وكالة الأنباء القطرية مخترقة، ولكن هذا النفي لا يكفي عن العمل على إصدار إيضاح للموقف القطري مما جاء فيه، لأن النفي مع الإبقاء على السياسة القطرية مما ورد في التصريح غير واضح لنا، بما يجعل من هذا النفي بلا قيمة، ومفرغاً من الهدف الذي ننتظره من أشقائنا في قطر، مؤكدين على أن ما سُمي اختراقاً ويتم تداوله من قبل هذا المسؤول القطري أو ذاك لا قيمة له، ولن يتم تصديقه.
أفهم أن يكون هناك تباين في وجهات النظر بين هذه الدولة وتلك، وأفهم أن العلاقات الدولية ليست ثابتة دائماً، وأنها أقرب إلى التغيير وفقاً للمستجدات، لكنها بين الأشقاء تحكمها مصالح مشتركة، فلا تبتعد المسافات، ولا تنعدم الفرص والدوافع لإعادة المياه إلى مجاريها، حتى وإن جاء العتب قوياً وشديداً، حتى وإن تأثرت هذه الدولة من موقف غير ودي، كما تأثرت المملكة ودول مجلس التعاون من تصريح أمير قطر.
ولكل هذا، فلا أحد يرضيه ما حدث، ولا أحد سرَّه صدور هذا التصريح، إلا أولئك الذين لا يحبون قطر والمملكة وبقية دول مجلس التعاون، ممن يعيش أكثرهم في الدوحة، ويُظهرون لأهلنا في قطر ما لا يُبطنون، فتأتي مواقف قطر الداعمة لهم، وكأنهم قنابل موقوتة ومسمومة بفعل تدخلاتهم بالسياسة القطرية، لإفساد العلاقة القطرية الخليجية.
نحن لا نملي على قطر وأميرها السياسة التي يجب أن يسلكوها، لكننا نذكِّرهم بأن المملكة لن تسمح بتمرير ما يسيء إلى أمن دول مجلس التعاون بما فيها قطر، وأنها معنية بسلامة واستقرار دولنا، كما هي بقية دول المجلس، وأن أي خروج على التقاليد والسياسات المتفق عليها بين دولنا، هو خروج غير مقبول، وسياسات مرفوضة.
وما يمكن أن نقوله في معمعة التصريحات الخطيرة لسمو أمير قطر، أننا أمام مشكلة حقيقية، تحتاج إلى حكمة الشيخ تميم في التعامل معها بما يطمئن أشقاءه قادة دول المجلس، على أنه متمسك بما يقربه منهم أكثر مما يبعده عنهم، وأن خياره الأول والأخير والدائم هو في التعاون مع دول المجلس، لا مع إسرائيل وإيران ولا غير هاتين الدولتين.
نختصر كل هذا بتكرار السؤال لسموه: من الذي يحمي قطر، القاعدة الأمريكية أم دول مجلس التعاون، ومن الذي يهدد مصالح قطر جيرانها دول المجلس، أم إيران التي تحتل الجزر الإماراتية، وترى في بغداد عاصمة إيرانية أخرى، وتحاول أن تتحكم في سوريا واليمن والبحرين كما فعلت في العراق، ومن تكون إيران حتى نرى أنها محقة في مواقفها، وهي التي تتدخل في شؤون دولنا الداخلية، بما فيها محاولاتها إفساد شعيرة الحج كل عام بتصرفات حمقاء، ولولا قوة الأمن السعودي الضاربة لما اقتصر الأمر على ما يحدث سنوياً، وهكذا يمكن أن نسأل سموه أيضاً عن الموقف القطري من حزب الله، والإخوان المسلمين، وعن منظمة التحرير، وعن العلاقة الجيدة مع إسرائيل، وعن غير ذلك مما يُعدُّ مشروعاً للسؤال، وما أكثر الأسئلة التي تحتاج إلى إجابة من الدوحة.
على أن ادعاء الاختراق لوكالة الأنباء القطرية لا يكفي في إزالة الغموض وراء تصريحات الشيخ تميم، خصوصاً أن هناك شكوكاً تصل إلى حد اليقين بأن الوكالة لم تُخترق، وأنه تم هذا الادعاء للخروج من المأزق، في ظل قناعة الجميع بأن ما قاله الأمير ينسجم مع القواعد الثابتة للسياسة القطرية، فلعل هذا التصريح، وتداعياته، تحرك الدوحة، لإعادة النظر في كثير من المسلمات في السياسة القطرية، بما يحفظ لها ولأشقائها الأمن والاستقرار، ويجنبها آثار مثل هذه النزوات التي لن يستفيد منها إلا العدو المشترك.
خالد بن حمد المالك- الجزيرة السعودية-