إلى أي مدى تعود لأنفسنا الثقة في أنفسنا ونحن نرى المصابيح مضاءة على ظهورنا فلا نرى إلا ظلالنا، بينما الحقيقة واضحة لكل المحيطين والمشاهدين والمؤتمرين والناصحين..
وطن بحجم الوطن العربي من المحيط إلى الخليج ومن الشام إلى اليمن ينزف جراحا كل يوم؛ فلم يعد بخاف على أحد حتى الأطفال الرضع في مهدهم يصرخون: كفاكم دماء وكفاكم شقاقا!
يجتمع العالم الإسلامي ليلة أمس في وفاق واتفاق فيما يقارب الخمسين دولة، ثم نصحو على ألغاز وأحاجي، وتصريحات وتكذيبات ولغط لم يعد قلب العالم العربي النابض يقوى على النبض!
فماذا يريد هؤلاء المغرضون أيا كان جنسهم أو كان صوتهم من وحدة الصف العربي ومن استباحة الدم العربي الذي لم نشهده عبر التاريخ؟
لم أكن أعلم أن فرضية روايتي الجديدة يصبح حقيقة تلوح في الأفق والتي تتلخص في صراع أحمد مع العالم الذي لا يسمعه. يصحو من النوم ليجد عالما ملونا بألوان الطيف تتشظى وتتكسر على أطراف كأسه فيصبح العالم كله بلورات تخطف البصر فلا يسمع ولا يرى، ثم يتنقل به الزمن في كل غمضة عين بين الماضي والحاضر والماضي القريب بالأمس في تبادلية مكانية تجعل نهر الفرات يسبح في نهر النيل، وجبال كردستان تعانق قلعة صلاح الدين، ومقاهي طنجة تضج بصخب أونيل وبوشكين، وكتاب القرن التاسع عشر يقتاتون على صراخ أحمد بعد أن أصبح مخلوقا غريبا كث الشعر طويل الأذرع معدوم الصوت.
هذه النبذة المرعبة التي هي نواة أحدث رواياتي لم أكن أعلم وأنتم معي أن العم سائم بائع الفاكهة مرة والعازف مرة وضارب الدف لرقصة الزار مرة ويتحول على كل لون حتى يتبين أنه كبير السحرة الذي ينفخ في الكير فتنتفخ أوداج الوطن ويزأر كل من فيه بكلام لا يفهمه ولا يعرف مساراته ومؤداه. لأنه واقع تحت تأثير كبير السحرة الذي ينتقل كالبرق كالجن الطيار الذي نسمع عنه في الحكايات الشعبية!
بكل تأكيد سيخالني القارئ الكريم بأنني قد جنحت قيلا -أو قل كثيرا- نحو عالم الخرافات والدجل والشعوذة والعياذ بالله. ولكنني في هذه الأناة لم أعد أرى إلا صورة منعكسة لما في مرآة سحرية تكور العالم لتعده للانفجار وعلى غير رغبة أيّ من سكان الوطن العربي وغير رغبة أيّ من حكام الوطن العربي وعلى غير رغبة من أيّ بشر يسير على الأرض يحمل كرة ملتهبة بين أذنيه وبأكتاف منحنية كأكتاف أحمد التوينبي بطل الرواية!
يجتمع العالم مثلما أسلفنا على دحض الإرهاب، وكلنا على يقين من هو صانعه الذي ينافح بأعلى صوت ضد الإرهاب، أمر عجيب يدعو للضحك وللبكاء في نفس اللحظة علم سحري يتلون بألوان الطيف بينما يتلون على نفسه ومع نفسه وبأيدي سحرته الكبار الذين يشبحون العم سائم صاحب الفاكهة العطنة واللسان الحبلى بالدود.
لم يعد ينطلي على أحد والشعوب أصبحت ترتقب للفرجة فقط فكل شيء (انكشف وبان) على رأي الفنان عبدالمنعم مدبولي في المسرحية الهزلية ريا وسكينة!
دولة قطر تصبحنا بتصريحات على لسان أميرها الذي هو ابن الجزيرة وابن الكبد العربية التي يشطرها إلى نصفين حينما نسمع ونرى شططا لم يقدم علية فارس عربي يعتز بسيفه وبوطنه فيشق بطن العروبة -إن جاز التعبير- حينما يدافع عن إيران، وما أدراك ما الفرس، وهو أعلم بهم منا، ثم ينتقل إلى وصف العلاقات الحميمية مع إسرائيل وبطن القدس بين أحذية اليهود، ثم نقرأ في جريدة عكاظ وغيرها من الصحف العربية: "قطر تطلب من سفراء السعودية ومصر والكويت والبحرين والإمارات المغادرة خلال 24ساعة..."، ثم تفاجئنا صحيفة عاجل بقولها: قطر لعبت دورا في إثارة عدد من قضايا المنطقة بالخفاء قبل قطع العلاقات الخليجية القطرية في عهد الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- إلا أن حكمة الملك وولي عهده آنذاك -خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز- حالت دون إيقاع الضرر على الشعب القطري الشقيق الذي يرتبط بشعوب المجلس بعلاقات أخوية وطيدة ووقعت الحكومة القطرية بالرياض اتفاقا يلزم بتحسين العمل وعدم مساس مصالح وأمن دول المجلس التعاون.
نعم الشعب القطري شعب شقيق وغال وشريك هم، ولا نقبل عليه أمرا يشق صفوفنا وأخوتنا ومساراتنا الواحدة ذات الدم وصلة الرحم والأرض والعرض. فإلى أي مدى تعود لأنفسنا الثقة في أنفسنا ونحن نرى المصابيح مضاءة على ظهورنا فلا نرى إلا ظلالنا بينما الحقيقة واضحة لكل المحيطين والمشاهدين والمؤتمرين والناصحين؛ وقل ما تشاء!
فهل نكتفي بهذا القدر من الزيغ البصري؟! فالتصريحات تتوالى في شكل غريب أقرب إلى روايات الخيال حينما يتقلب العقل كل دقيقة بلون لا تقوى على النظر إليه، ثم بعد لحظات نجد تكذيبات وتهويلات وترتيبات واتهامات لقراصنة الإنترنت. وكلام أقرب أيضا إلى روايات الواقعية السحرية! حينها شتمت في سريرتي عمنا ماركيز الذي أبدع هذا الخيال الحلو والمرير في نفس الوقت حتى صار لنا أسلوب حياة؛ وحينها قلت في قرارة نفسي: "إنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ".
د. ملحة عبدالله- الرياض السعودية-