عكس «إعلان الرياض» الصادر عن القمة العربية الإسلامية - الأميركية، الرؤية المشتركة إلى القضايا الأكثر خطورةً على الصعيدين الإقليمي والدولي، وفي المقدم منها، الإرهاب المدمّر، ومحاولات ربطه بالدين والثقافة والعرق.
لذلك، أعرب القادة عن رفضهم أي محاولة لهذا الربط، مع تأكيد حماية ثقافة التسامح والتعايش والتعاون البناء بين مختلف الأديان والثقافات ونشرها، وترسيخ هذه المفاهيم والحفاظ عليها وتعزيزها لدى الأفراد والمجتمعات. وهو ما يندرج تحت مبدأ تعزيز التعايش والتسامح البناء بين مختلف الدول والأديان والثقافات، من خلال توسيع مجالات الحوار الثقافي الهادف والجاد، الذي يوضح سماحة الدين الإسلامي.
وقد جَمَع الإعلان بين النظرية والتطبيق باقتراحه وسيلة لتجديد الخطابات الفكرية وترشيدها لتكون متوافقةً مع منهج الإسلام الوسطي المعتدل، الذي يدعو إلى التسامح والمحبة والرحمة والسلام، مع تأكيد أن المفاهيم المغلوطة عن الإسلام يجب التصدّي لها وتوضيحها والعمل على نشر مفاهيم الإسلام السليمة الخالية من أي شائبة. وهذا أحد المداخل إلى بناء منظومة فكرية متوازنة ومنضبطة ومنسجمة مع مبادئ الإسلام.
ويلاحظ في هذا السياق، أن «إعلان الرياض» لم يستعمل العبارة التقليدية التي صارت اليوم حمّالة أوجه لما تحمله من معانٍ غير واضحة المعالم، وهي «تجديد الخطاب الديني».
وربما كان ذلك سعياً من القمة وراء الدقة في التعبير عن طبيعة هذه الوسيلة من وسائل محاربة التطرف والتشدد والغلو والانحراف في المعتقد وفي السلوك، الذي هو إحدى منافذ الإرهاب. فجاءت عبارة «تجديد الخطابات الفكرية وترشيدها» أقوى تعبيراً وأعمق دلالة وأوفى بالقصد، مع الربط بين هذا التجديد الذي يصاحبه الترشيد، وبين تعزيز برامج التنمية المستدامة لتحسين المستوى المعيشي للشعوب، وتوفير بيئة آمنة ومستقرة ومزدهرة تحصّن الشباب من الأفكار الضالة والمتطرفة.
وليس جديداً أن يحتوي «إعلان الرياض» على هذه المفاهيم والأهداف والوسائل التنفيذية، وذلك أن الإعلانات الصادرة عن مؤتمرات منظمة التعاون الإسلامي، سواء على مستوى القمة أو مستوى مجلس الوزراء، غالباً ما تتضمن هذه الأفكار التنويرية والمفاهيم التجديدية البناءة، وإنما الجديد أن يتضمن إعلان يصدر عن قمة عربية إسلامية أميركية، تصحيحاً للمفاهيم المغلوطة، وتوضيحاً لحقائق الإسلام ولأباطيل من يناصبونه العداء ويروجون عنه الشبهات الباطلة وهم كثر، كما تضمّن تأكيد أن الأخطار التي تهدد أمن الدول والمجتمعات، إنما تأتي من المشروعات الطائفية والمذهبية، لما لها من تداعيات خطيرة على أمن المنطقة العربية والعالم، فقد شدد القادة على نبذ هذه المشروعات الطائفية والمذهبية ورفضهم الكامل الممارسات الطائفية التحريضية.
لذلك، جاءت الفقرة التي يدين فيها القادة المواقف العدائية لدولة إقليمية معيّنة، واستمرار تدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول، كاشفةً عن التوجّه الجديد في السياسة الدولية، ومعبرةً بأقوى ما يكون، عن الإدانة الصريحة لهذه المواقف والممارسات التي تفتح المجالات الواسعة أمام الإرهاب في كل أشكاله. فلم يعد هناك شك في أن صناعة الإرهاب في المنطقة وفي العالم، عمل منظّم تقف وراءه قوى لها قدرات كبيرة ومخططات توسعية. لذلك، كان من الضروري أن يُفرد إعلانٌ بهذا القدر من الأهمية، توجيه الاتهام إلى مصدر الإرهاب، بأكثر من فقرة.
وقد استجاب «إعلان الرياض» لتطلعات الدول والشعوب إلى وقف مصدر الإرهاب عند حده، وذلك من خلال التزام القادة بتكثيف جهودهم للحفاظ على أمن المنطقة والعالم، ومواجهة نشاطاته التخريبية والهدامة، بكل حزم وصرامة، داخل دولهم وعبر التنسيق المشترك، اضطلاعاً بالمسؤولية المشتركة في محاربة الإرهاب الذي يهدد أمن العالم واستقراره. وهذا التزام شديد الوضوح، يتطلب ممارسات تنفيذية على أرض الواقع تترجمه إلى سياسات عملية ملموسة.
لذلك، جاء في الفقرة ما قبل الأخيرة من الإعلان، أن القادة كلفوا الجهات المعنية في دولهم، بالعمل على متابعة مقررات إعلان الرياض وتنفيذها، وتشكيل ما تحتاجه من لجان وزارية وفرق عمل فرعية وما تستلزمه من اجتماعات ومناقشات.
ولعل القرارات التي اتخذها القادة في هذه القمة الفريدة من نوعها، سيكون لها ما بعدها على جميع المستويات.
فقد تقرر تأسيس «تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي في مدينة الرياض»، و«مركز عالمي لمواجهة الفكر المتطرف»، و«التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب»، و«مركز استهداف تمويل الإرهاب»، وسيكون «المركز العالمي لمواجهة الفكر المتطرف» ومقره الرياض، مسؤولاً عن تحقيق الأهداف الاستراتيجية المتمثلة في محاربة التطرف فكرياًَ وإعلامياً ورقمياً، وتعزيز التعايش والتسامح بين الشعوب، مع تقدير القادة لمبادرة المملكة العربية السعودية في تأسيس مركز للحوار بين أتباع الأديان، وتأكيدهم أهمية استمرار هذا النهج وتعزيزه.
وليس من شك في أن «إعلان الرياض» نقلة نوعية، إذا شئنا الدقة، في العمل الديبلوماسي الدولي الهادف إلى نشر السلام ومحاربة الإرهاب والتصدي له ودحره. وهو إلى ذلك كله، مكسب كبير للديبلوماسية السعودية.
د. عبد العزيز التويجري- الحياة السعودية-