تحليل أي خطاب يعتمد في جوهره على أدوات موضوعية للقياس والحكم، وتُعرف علمياً بمسارات البرهنة، والقوى الفاعلة، والأطر المرجعية، وهذه الأدوات الثلاث تفرز الرسالة الضمنية المحورية في النص، وتقديمها على أنها هدف أو غاية في توقيتها، ومضمونها، وأبعادها، والأهم فيمن تتوجه إليه.
تصريحات أمير قطر الشيخ تميم بن حمد من حيث المبدأ مرفوضة، وغير مبررة، وتكشف عن حالة تخبط، وتناقض، وأزمة في التعبير عن الموقف، ورغم النفي الذي لم يكن منطقياً، إلاّ أن الواقع منذ سنوات يؤكد أن مضمون تلك التصريحات لا يختلف عن سياسة قطر الخارجية، وتوجهاتها في المنطقة، وبالتالي لسنا بحاجة إلى الحديث عن حالة اختراق، وإنما إلى صراع فجّره الشيخ تميم، ولم يكن أهلاً له، ولا مؤثراً فيه، ولا مضطراً لإعلانه.
الخطاب من حيث مسارات البرهنة عاجز عن تقديم الدليل والحجة؛ إنْ في صيغ أفكار ذات مغزى، وإنْ في براهين تكشف مصداقية ودقة وموضوعية التهمة محل النزع، فالحديث مثلاً عن استعداء قطر واتهامها بالإرهاب، أو التدخل في مواقفها، أو الخوف من اعتداء الدول المجاورة لها، وتسمية دول مثل مصر والإمارات والبحرين، كل ذلك كلام بلا دليل، واتهام لا يرقى للإثبات، والشواهد كثيرة.
والخطاب من حيث القوى الفاعلة في مضمونه تلميحاً وتصريحاً لم تواجه قطر، أو تضعها نداً، أو منافساً، بل على العكس فضّلت تلك القوى بما فيها المملكة تغليب الحكمة، والصف الواحد، والمصير المشترك، ولكن قطر أرادت أن تمثّل نفسها قوة فاعلة في المنطقة، ولديها القدرة على مجاراة قوى إقليمية مؤثرة، وهو أمر لا يستقيم مع حجم قطر الجغرافي، والسكاني، والتاريخي، وبالتالي الدور الذي تلعبه قطر أكبر بكثير من الإمكانات التي تتحدث عنها.
والخطاب من حيث الأطر المرجعية يبدو واضحاً ومنحازاً لإيديولوجيا فكرية لم تعد خافية، ويمثّل تحديداً جماعة الإخوان المسلمين التي ترعاها، وتدافع عنها، وتحتضن رموزها، فالحديث عن حماس ممثلاً للشعب الفلسطيني كافٍ لإثبات ذلك، والأخطر حين تتجاوز قطر هذه التهمة لتلعب على مصطلحات أخرى خارج تنظيم الإخوان، وتسمي مثلاً حزب الله مقاومة، وداعش تنظيم الدولة الإسلامية، وطالبان إمارة، وينتهي الفكر المأزوم عند إيران بأنها دولة لا يمكن الاستغناء عنها، ولا تستحق العداء، وإسرائيل بأنها حليف والعلاقات معها جيدة.
الخلاصة من تحليل خطاب الشيخ تميم يثير تساؤلاً في غاية الأهمية: هل ما قاله مطلوب منه، وتحديداً في هذا التوقيت الذي نجحت فيه الرياض باستضافة القمم الثلاث؟، والجواب حتماً: نعم.
د. أحمد الجميعـة- الرياض السعودية-