أما وقد انتظرت لبضعة أيام قبل أن أدلي برأيي في أزمة صواريخ الكلام القطرية، وبعد القراءة المتأنية فقد قررت أن أبقى مفتوحا منفتحا على كل الاحتمالات في تبرير ما حدث. تبقى الخلاصة أن كل تأويل وصلت إليه ليس إلا جدولا يصب في ذات النهر.
سأقبل على مضض أن ما حصل كان اختراقا إلكترونيا ولكن: كيف حدث هذا الاختراق لخمس منصات إعلامية مختلفة في نفس اللحظة. هذا الاحتمال تنفيه المعادلة الأبسط في عوالم الإلكترون. سأقبل أن أمير قطر، قال جمله الموقوتة في جلسة خاصة ولم يكن يتوقع لها هذا التسريب. هذه جريمة، فأبشع صفات السياسي أن يبطن للأشقاء ما لا يظهر. توصلت إلى احتمال ثالث: أمير قطر، ربما، يعيش حالة انقسام وتململ داخل البيت القطري فأراد أن يستبق حدث المجهول المستقبلي القادم بتسريب هذه التصريحات حتى تكون سببا في تحميل الخارج ما قد يحدث أو في أحسن الظروف «تفرمل» تسارع البيت القطري نحو الخطوة القادمة.
الخلاصة أن العالم بأسره، والبيت الخليجي معه، لم يكن بحاجة إلى مثل هذه التصريحات كي يكتشف ما نتوهم أنه جديد حصري في السياسة القطرية. ما قاله أمير قطر عن إيران سبق وأن قاله قبل بضعة أشهر على المنصة الرخامية للأمم المتحدة. ما قاله عن حزب الله وحماس وحركة الإخوان المسلمين هو قول «الفعل» الثابت المعلن منذ سنين في السياسة القطرية، هو، أو قطر لا يخفيان العلاقة مع الحشد الشعبي أو جبهة النصرة أو متطرفي ليبيا، بل إن قطر نفسها هي من تتفاوض بالوكالة عن كل الشعوب مع هذه التنظيمات لإطلاق الرهائن في صفقات معلنة، ويتم استقبال «المحررين» في الدوحة، رسميا، وتحت فلاشات الكاميرا المباشرة.
بقي أن نقول: لماذا إذاً كل ردة الفعل تجاه تصريحات لم تأت بجديد لا نعرفه عن السياسة القطرية المعلنة؟
والجواب البسيط أن البيت الخليجي ملّ وسئم من الفترة الطويلة جدا التي امتدت وطالت لمراهق يعيش معه في ذات المنزل. أعطى البيت الخليجي لابنه كل الفترة الطبيعية المعتادة التي يحتاجها مراهق كي يعبر هذه الفترة الحرجة، ثم يكبر لتكون تلك الفترة جزءا من الذكريات التي يتندّر بها الإخوة الكبار مع ذكريات مراهق.
كان البيت الخليجي صابرا محتسبا على مراهق يريد إثبات الوجود، بالإثارة والنشاز، كما هي طبيعة العمر، ولكن هذا البيت الواحد، وبعد كل الفرص التي أعطيت لشقيق، اكتشف أنه تجمد عقليا عند مرحلة المراهقة، وفي الغالب الأعم لا يدخل المراهق مرحلة الانفصام إلا في هذه المرحلة.
تحليلي الأخير: أن قطر كانت شابا مراهقا دخل مرحلة الانفصام، وهو مرض ثابت أزلي يمكن تهدئته بالأدوية، ولكن يستحيل علاجه.
علي سعد الموسى- الوطن السعودية-