في خطاب ألقاه أمام قادة العرب والمسلمين حول التهديدات من المتطرفين وإيران، طالب الرئيس «ترامب» جمهوره في السعودية، بالتوحد. وقال لقادة المجموعة في العاصمة السعودية في خطاب تحول بين الواقعية الصارخة والتفاؤل المذهل: «الهدف يتجاوز كل اعتبار آخر». وقال: «إننا نصلي لهذا التجمع الخاص الذي قد يتذكر يوما ما باعتباره بداية السلام في الشرق الأوسط».
ولكن بدلا من السلام، تعرضت منطقة الشرق الأوسط للاضطراب بسبب موجة من الصراعات في الأيام التي تلت، وتم التغاضي عن الاتهامات والقمع، الذي أشار إلى أن كلمات «ترامب» لم تؤد إلا إلى تفاقم الانقسامات، بعيدا عن توحيد المنطقة.
وقد أطلقت قطر والسعودية حربا غريبة وغير متوقعة من الكلمات أبرزت تنافسهما طويل الأمد على النفوذ الإقليمي ورؤيتيهما المتناقضتين في كثير من الأحيان.
ومع اندلاع النزاع في الأسبوع الماضي، شرع زعماء البحرين ومصر في عمليات قمع شرسة على نحو غير عادي ضد المعارضين السياسيين في الداخل، مما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص واعتقال المئات.
وفي إيران المنافس الرئيسي للسعودية قام الناخبون في وقت سابق من هذا الشهر بإعادة انتخاب رئيس إصلاحي، وقد شنوا الهجوم على السعودية، وأدانوا إعلان «ترامب» عن مليارات الدولارات من مبيعات الأسلحة إلى السعوديين، بينما كشفوا عن وجود صواريخ باليستية تحت الأرض.
وقال محللون إن التوترات كانت بالتأكيد نتيجة لزيارة «ترامب» إلى الرياض: تأييد أمريكي قوي للقيادة السعودية في العالم العربي، تخلله مبيعات أسلحة، مما أثار الذعر والقلق بين منافسي المملكة وأعدائها.
لن يحل الأزمة
وقال محللون إن نداء «ترامب» من أجل موقف مشترك ضد الإرهاب من غير المرجح أن يحل الأزمة. وقال «فواز جرجس»، أستاذ دراسات الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد: «دونالد ترامب يقبل الآن وجهة نظر السعودية كمعقل استراتيجي في العالم العربي والإسلامي». وقال إن زيارته ذات صلة بالاضطرابات التي تلت ذلك.
«ما نراه الآن هو أن التحالف الذي تقوده السعودية يشعر بالسلطة والقوة. إنها حقبة جديدة. يجب على الجميع أن يجلسوا على ذات الخط وأن ينضموا إلى هذا التحالف».
وقال «جرجس» إن عواقب هذا التحول قد تتسبب في اضطرابات في المنطقة لسنوات، من خلال تكثيف الحروب بالوكالة في اليمن أو سوريا، حيث دعمت السعودية وإيران الجانبين المعارضين.
يمكن إشعال جبهات جديدة أيضا، بين (إسرائيل) وحزب الله، حليف إيران، في أماكن مثل جنوب لبنان. وأضاف إن: «جميع الأطراف تستعد للجولة القادمة».
في البداية تجاهل المسؤولون الإيرانيون تعليقات «ترامب» ضد إيران في الرياض، وسخر وزير الخارجية الإيراني، «جواد ظريف»، من صفقة الأسلحة بين الولايات المتحدة والسعودية على حسابه على تويتر.
ولكن في الأيام التي تلت ذلك، تبنت الحكومة الإيرانية لهجة أكثر تحديا، وشجبت التصعيد في البحرين ضد نشطاء المعارضة الشيعة كنتيجة مباشرة لزيارة «ترامب».
كما كشفت إيران عن المرحلة الثالثة في البلاد لمنشأة صواريخ بالستية تحت الأرض. وقد كان إنتاج الصواريخ المستمر مصدرا للخلاف بين إيران والولايات المتحدة.
«وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني في مؤتمر صحفي في طهران يوم الثلاثاء إن مسؤولي الولايات المتحدة يعرفون أنه كلما نحتاج إلى اختبار صاروخ لأسباب فنية، نقوم بذلك ونحن لن ننتظر إذنا منهم».
وبابتعاده عن اللهجة التصالحية التي تبناها في الحملة الانتخابية، فقد انسجم مع المرشد الأعلى الذي أدان أيضا صفقة الأسلحة على أنها محاولة لزعزعة استقرار المنطقة.
وبينما يتأهب العالم العربي لتصعيد المواجهة بين السعودية وإيران، اندلعت معركة أخرى الأسبوع الماضي بين المملكة العربية السعودية وقطر، والتي قد اندلعت مرارا منذ الانتفاضات العربية في عام 2011 كمنافسة طويلة الأمد.
صراع الخليج يتجدد
كانت نشأة الخلاف بسبب تغريدات على موقع وكالة الأنباء القطرية يوم الأربعاء. ونقلت الوكالة أن أمير قطر انتقد الرسائل التي انبثقت عن مؤتمر الرياض، بما في ذلك هجمات «ترامب» على إيران والإدانات لكل من حماس وحزب الله، والجماعات الفلسطينية واللبنانية المسلحة.
وقالت قطر في وقت لاحق أن وكالة الأنباء قد تعرضت للقرصنة ورغم ذلك تم شن هجمات لاذعة على قطر من خلال وسائل الإعلام السعودية. وكذلك أفردت قناة العربية تغطية للملف وكتب أحد كتابها مقالا بعنوان «من يدير قطر» مشيرا إلى عدم توافق قطر مع الجهود الموحدة أمام الأخطار التي تواجه منطقة الخليج.
إن زيارة «ترامب»، والتي اعتبرت على نطاق واسع على أنها تعهد بعدم محاسبة المنطقة على انتهاكات حقوق الإنسان، أثارت أيضا مخاوف بشأن تصعيد القمع الداخلي في المملكة العربية السعودية والبلدان التي في مدارها، بما في ذلك البحرين والإمارات العربية المتحدة ومصر . وقد أكد العنف في البحرين الأسبوع الماضي تلك المخاوف. حيث تواجه البحرين الحليف السعودي والشريك الوثيق للولايات المتحدة انتقادات لقمع الحكومة للمعارضة واتهامات بالتمييز المنهجي ضد الأغلبية الشيعية في البحرين.
وقد التقى «ترامب» مع ملك البحرين في الرياض الأسبوع الماضي، وتعهد بأن العلاقة بينهما ستكون خالية من مشاكل السنوات السابقة، في إشارة توبيخية لإدارة «أوباما» بسبب سياستها تجاه البحرين و انتهاكات حقوق الإنسان فيها.
يوم الثلاثاء، وبعد يومين من الاجتماع، داهمت قوات في البحرين اعتصاما للمعارضة أمام منزل رجل الدين الشيعي الأكثر احتراما في البحرين، مما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص في مواجهات دموية مع معارضيه منذ بدء الانتفاضة المؤيدة للديمقراطية في الجزيرة في عام 2011.
وفي اليوم نفسه، في مصر، اعتقلت حكومة الرئيس «عبد الفتاح السيسي» واحدا من أبرز المحامين المعارضين في البلاد والمنافس المحتمل للسيسي في الانتخابات التي ستجرى العام المقبل.
وكان «السيسي» قد ظهر في صورة المنتصر إلى جانب «ترامب» والملك السعودي خلال الاجتماع الذي عقد في الرياض، كما تلقى الدعم السياسي، فضلا عن مليارات الدولارات من المساعدات من السعوديين فى السنوات القليلة الماضية.
وكان «خالد علي»، المحامي الذي ألقي القبض عليه، قد لعب دورا بارزا عبر جهد قانوني لمنع خطة من قبل الحكومة لنقل السيادة من جزيرتين في البحر الأحمر من مصر إلى السعودية.
ولم يتضح إذا ما كان هذا التحرك مرتبطا باعتقاله، وبعد المؤتمر السعودي اعتقل عشرات الأشخاص في مصر خلال الأسابيع الأخيرة، بما في ذلك معارضين يساريين وليبراليين وكذلك عاملين في الحكومة والنقابيين، وذلك وفقا لـ«جمال عيد» وهو محامي حقوق إنسان مصري.
كما منعت السلطات أيضا ما لا يقل عن 21 من المواقع الإخبارية هذا الأسبوع، بما في ذلك وسائل إعلام مقرها قطر، وأيضا موقع مدى مصر الذي ينظر إليها على نطاق واسع كآخر المواقع المستقلة في مصر. وقال «عيد» أنه بعد الاجتماع الذي عقد في الرياض، بدا أن «ترامب» أعطى الضوء الأخضر للاعتقالات.
واشنطن بوست- ترجمة وتحرير أسامة محمد - الخليج الجديد-