الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر له منا حق الاحترام والنصح والحوار الهادئ، وله منا المصارحة والمكاشفة، بما يبدد خوفنا على قطر، ويزيل ما نشعر به من توجس على ما يخططه الأعداء من مؤامرات تستهدف دول مجلس التعاون وبينها الشقيقة الصغرى قطر.
ومن حق أمير دولة قطر أن يغضبه كلامنا، ومن حقنا عليه أن يتحملنا، فنحن لا نريد لقطر ولأسرتها الحاكمة وشعبها إلا الخير، لأن ما يمس قطر يمسنا، وليس هناك من دولة أو من أشخاص يحملون لقطر من الود والحرص على سلامتها ما تحمله دول الخليج لها، وهذا ما يجعلنا أيضاً، ومن موقع المسؤولية نتحمل غضب أمير قطر، بحثاً عن حل لإيجاد مخرج يصحح سياساتها الخاطئة.
وقطر إذا كانت تتحزم بقناة الجزيرة، وبعلاقاتها المتميزة بإيران، وبتواجد الإخوان المسلمين في الدوحة، باعتبار أن كل هؤلاء قوى يسندونها أمام ما قاله الشيخ تميم من تهديد (مزعوم!) على قطر مصدره جيرانها، فهذا خطأ جسيم في تقدير الأمور، فالتهديد الذي على أمير قطر أن يتوجس منه لن يكون إلا من إيران، ومن ذراعها الفاعلة الإخوان المسلمين المستقرون في قطر.
وما لم تعِ قطر، وتصحُ مبكراً، على ما يدبر ضدها في ليل، فسوف تجد نفسها تغرق في وحل من المؤامرات، ولن تجد حينئذٍ من منقذ لها إلا أشقاءها المملكة والإمارات وبقية دول مجلس التعاون، وهذا الذي ننبه ونذكر به ونخوف سمو الأمير منه، إذ إن المجاملات التي اعتادها منا، وتطييب الخواطر بالكلمات التي لا تقدم ولا تؤخر لا يفيد ذلك قطر ولا أميرها وشعبها بشيء بل أنه يلحق أبلغ الضرر بالحبيبة قطر وأهلنا هناك.
ونحن على اطمئنان ويقين بأن الشعب القطري الشقيق لا ترضيه هذه الممارسات والمماحكات التي تقوم بها إمارة الدولة، وأنه بوعيه وشعوره بالمسؤولية، ومعرفته بأن أمنه لا يأتي ولا يتحقق إلا من خلال تضامنه وتعاونه وتنسيقه مع الدول الخليجية الشقيقة، وأنّ هذا الشعب العزيز لن يقبل بإخلاء ساحة التعاون مع أشقائه دول المجلس، كما لن يقبل بأن يكون البديل لهم العدو الإيراني الذي تمادى في استهدف مصالحنا وأمننا واستقرارنا.
إن المسؤولية التي يتحملها أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لا تدع له فرصة للتفكير بغير إرضاء إخوانه ملوك وأمراء دول المجلس على ما سبّبه لهم تصريحه من إثارة مفزعة صبت في مصلحة إسرائيل وإيران والقوى المعادية لأمتنا من المنظمات والأفراد، وإن تراجعه عن أقواله، والتخلي عن سياساته المزعجة، والعمل يداً بيد مع شركائه بالمصير الواحد هو ما نطالبه به في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها المنطقة.
وحين نطالب أمير دولة قطر بذلك، فنحن لا نتوسل إلى سموه، ولا نتنازل عن ثوابتنا، ولا نخاطبه من ضعف، ولا نغير من سياسة الحزم والعزم التي رسمها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، لكننا نتحاور بهدوء لكي نعطيه فرصة للتراجع عن المواقف السلبية التي اعتدناها في السياسة القطرية، ونحاوره بأفضل أسلوب، ومن خلال الدبلوماسية الهادفة، لأننا نريد قطر ضمن الجسم الخليجي متعاونة ومنسجمة حتى لا تكون عرضة لما هو أخطر مما يقدره أمير دولة قطر.
فلا تلُمْنا يا سمو الأمير حين تجدنا في هذا الجو من الصراحة والحماس، واعذرنا إن شكّل تصريحكم هذه (الفزعة!) منا من أجل مصلحة قطر ودول مجلس التعاون، فنحن لم نفقد الأمل فيكم، وبانتظار تصريح واضح منكم تعتذرون فيه عما سبّبه موقفكم من إثارة لمشاعر شعوب دول الخليج، نسبة لما تضمنه من محاور خطيرة، تكرس قوة الأعداء في النيل من مقدرات دولنا، وتسيء إليها، وتعرضها للخطر.
هناك - بالمناسبة - من رأى في الاتصالات بين الشيخ تميم والرئيس روحاني، وما أُعلن عن استعدادهما للتفاهم على مزيد من التعاون والتنسيق على أنه تصعيد للموقف القطري مع دول الخليج، وهذا الاستنتاج -بنظري- غير دقيق، ولا يستقيم مع من يتابع خطوات التقارب وتسارعها بين الدوحة وطهران، إذ إن سقف العلاقات الثنائية المستمرة بين الدوحة وطهران أقوى بكثير مما قيل عن هذا الاتصال الذي تم بين أمير قطر ورئيس إيران.
ولعل الاهتمام غير العادي بما جرى في الاتصال الأخير، ونشر وسائل الإعلام القطرية ما دار فيه على نطاق واسع، يظهر رغبة قطر وإيران في استفزاز دول الخليج، والتهديد المبطن وغير المباشر من جانب قطر على أنها مستعدة للارتماء في أحضان إيران، إذا ما أصرت المملكة ودول مجلس التعاون في التمسك بمواقفها مع الدوحة بحسب ما تمليه المصلحة العامة لدول المجلس، حتى ولو جاء ذلك على حساب إغضاب أمير قطر، وهو الذي لن تقبل به قطر، وفقاً للمعطيات التي نقرأها عن الموقف السياسي الثابت لقطر.
وكنا نعتقد - ولا نزال - أن قطر قد استفادت من الدروس السابقة، وأنها تعلمت من التجارب السابقة التي أوقعتها في مثل هذا المأزق، ومن الصَّفح الذي تم عن كل تجاوزاتها من قبل إثر وعود منها بأن ذلك لن يتكرر، لكن ما حدث مؤخراً ينسف كل التوقعات وكل الالتزامات، ويضعنا أمام غموض يلف الموقف القطري المستمر رغم كل التحديات التي تواجهها دول المنطقة، ما اضطر إعلام المملكة والإمارات إلى أخذ هذا الموقف غير المهادن من شقيقتنا دولة قطر.
وإنه لمن العبث أن تتصرف أي دولة من دول مجلس التعاون منفردة بما يزعج أشقاءها، أو يمس مصالح دولهم، أو يقيم تحالفات مع أعداء لهم، فهذه خطوط حمراء لن يكون مقبولاً تجاوزها، أو السماح لأي مغامر مسؤول بأن يتصرف كما لو أنها ضمن حقه السيادي دون النظر إلى ما تتركه من آثار سلبية عميقة على مصالح جيرانه وأشقائه، وهذا ما نتحدث به، وننقله إلى أمير قطر، ونحاوره فيه، للتأكيد على أن دول المجلس لن تكون من الآن في موقع المتسامح مع من لا يعبأ بمصالح أشقائه، أو حين يضع نفسه في خدمة العدو دون اكتراث بما يشكله ذلك من خطورة على مصالح دولنا.
وقطر لا تكفيها قناة الجزيرة المسيسة للإخوان المسلمين، ولا قنواتها المحلية البائسة، في خدمة كل ما يسيء إلى دول منطقتنا، وإلى رموزنا من القيادات، وإنما توظف مال الشعب في شراء وسائل إعلامية ودعم أخرى واستكتاب أقلام رخيصة للدفاع عن مواقفها المشبوهة، بما لا حاجة لأي منا لشيء من الجهد يبذله للتعرف على أهداف قطر في كل هذه الأعمال الرخيصة التي لا فائدة منها لقطر، أو لأي من جيرانها من الدول العربية الشقيقة.
فمتى تكف الدوحة عن هكذا عبث إعلامي ستكون نتائجه وبالاً على قطر، وانعكاساته خطيرة إلى الحد الذي يبدو أن سمو الأمير ليس من بين مستشاريه من هو مخلص وصادق ليضعه في صورة المستقبل البائس لقطر إذا ما استمرت متمسكة بهذه السياسة الرعناء، ومنقادة إلى ما تطلبه منها إيران، وما يخططه لها الإخوان المسلمين.
خالد بن حمد المالك- الجزيرة السعودية-