كيف يمكن لقادة دول مجلس التعاون إنقاذ قطر من سجانها، وحمايتها من أعدائها، وأخذها إلى حيث تكون هناك مصلحة لها، كيف يمكن أن يساعدوها من التورط الذي يلف عنقها، ويمنعها من أن تكون دولة تتمتع بإرادتها في كل قرار يصدر باسمها، ومع كل موقف يتحدث عنها، وحيثما كانت هناك ملاحظة مضرة في أي سلوك تستدعي المصلحة تجنيبها منه، في ظل غرقها حالياً بوحل من المؤامرات التي تقودها إيران ومنظمات إرهابية أخرى، بما منع الدوحة لأن تكون الدولة الموثوقة التي يعتمد عليها في رسم خريطة المستقبل بالمشاركة مع شقيقاتها.
من هي القوى القادرة على رسم خريطة لإنقاذ قطر من ويلاتها، وكيف وأين هو الطريق والخيار الأفضل لتحقيق حلم أهلنا شعب قطر، بعد أن تمادى أميرهم في رفض كل عون ونصيحة، وقبِل بأن يرتمي في أحضان إيران وحزب الله والنصرة، وقبِل بأن يكون مطيعاً بما يملونه على قطر، مسلِّماً أمر الدولة لهم، معطياً ظهره لإخوانه ملوك وأمراء دول مجلس التعاون، غير مكترث بما يشكله هذا التوجه من خطورة على أمن قطر وبقية دول المجلس، بما لا مناص عن التفكير في البحث عن مخرج لهذا المأزق الذي يحيط بقطر من كل جانب، وينذر بما هو أسوأ وأصعب في ظل استغلال القوى الشريرة للضعف الذي تعاني منه إمارة قطر في إدارة الدولة.
كثيرون يتحدثون عن إمكانية حل الأزمة القطرية، بالحوار والتفاهم وعقد جلسات لتحقيق ذلك، ويرون أنّ الوساطات يمكن أن تلعب دوراً في تفكيك أسباب الأزمات المتكررة مع قطر، ونزع فتيل خلافاتها المستمرة مع أشقائها، واستحضار كل ما يقربها للعودة إلى الصف الخليجي، ومنظومة دول المجلس، وبما يغريها بفك علاقاتها مع القوى الإرهابية من دول ومنظمات وأفراد ووسائل إعلام.
غير أنّ آخرين يرون أنّ قطر لا تملك إرادتها، ولا تتحكم بالقرار في أن تكون مع أشقائها لا مع إيران والإخوان المسلمين، وليس أمامها من خيارات كثيرة تساعدها في تغليب مصلحة قطر على مصلحة الإرهابيين، ولهذا فخارطة الطريق التي نقترحها (دون أي تفاصيل) ربما لا تكون متاحة في هذا الوقت الذي يزداد التناغم والتنسيق في المواقف بين إيران وقطر، ما يجعل من تصعيد الموقف الخليجي ضرورة ضد سياسات قطر.
وسوف تبقى دولة قطر وشعبها خاصية خليجية، تراقب دول المجلس التطورات التي تجري حولها وفي عمقها، وإبقاء كل الخيارات جاهزة لمنع أي مساس إرهابي يوجه لها، واعتبار وضعها الحالي وما يشكله من خطر عليها وعلى جيرانها ضمن اهتمام ومراقبة أشقائها، لمنع أي تسلل إرهابي إلى الدوحة، وعدم التأثير على القرارات المصيرية فيها، أو محاولة أعداء قطر وخاصة إيران والإخوان المسلمين مصادرة المزيد من المسؤوليات التي يجب أن تبقى بأيدي القطريين، ذلك أنّ الدوحة تمر الآن بأسوأ مرحلة، وصورتها لا تبدو مريحة لكل المحبين لها، مما يزيد من حالة الخوف عليها.
وعلى مجتمعنا الخليجي الطيب أن ينظر باهتمام إلى الموقف من قطر على أنه موقف اقتضاه الحرص على مصالح شعوبنا، والحد من الأخطار التي تمس أمننا واستقرارنا، وأنّ مواجهة الدوحة إعلامياً وسياسياً هي بفعل التأثير السلبي الذي تركته الممارسات غير المسؤولة التي يتتابع صدورها من الدوحة بعلم أو بدون علم من مسؤوليها، ما شكّل هذا الموقف الخليجي الجماعي الضروري الذي اقتضاه اندفاع قطر نحو ما تمليه إيران والإخوان المسلمين من آراء وأخطار وقرارات لا تصب في مصلحة دولنا وشعوبنا.
ولابد من القول، إنّ أمام قطر فرصة لا ينبغي أن تضيعها، أو تتعامل معها دون إعطائها حقها من الاهتمام، فالوضع أخطر بكثير مما اعتادت الدوحة أن يكون مجال تسامح من أشقائها، إذ إنّ الإرهاب الذي يُخطط له في الدوحة، ويوجه نحو مصالح دولنا وشعوبنا دول الخليج الأخرى، ممولاً من الدوحة، ومخططاً له من طهران، لا يمكن التسامح أو التريث في مواجهة هذا التصعيد العدواني، بانتظار ما هو آتٍ من تطورات إرهابية أخرى.
وكم أتمنى، ونحن في بداية أزمة غير عادية مع قطر، أن يكون أميرها في مستوى تحمل المسؤولية في هذه اللحظات التاريخية التي تتطلب الشجاعة في أخذ الموقف المسؤول المقدِّر لخطورة السياسات القطرية وتداعياتها، إذ لا مصلحة لقطر أن تبقى وحيدة خارج سرب الإجماع الخليجي، ولا مصلحة لها في أن تضع يدها بيد إيران لإيذاء جيرانها الأشقاء، وليس من مستقبل آمن لها في ظل وجود تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي في أراضيها.
نكتب هذا للتاريخ، وللشيخ تميم، الذي يتحمل مسؤولية تاريخية في كل الشطحات والمغامرات التي تصدر من الدوحة، غير عابئ بكل أصوات الاحتجاجات الشعبية والرسمية، ومصغياً للأصوات النشاز، والقوى المعادية، وكأنه لا يدرك خطورة هذه النار المشتعلة حول قطر وفي عمق قطر، والتطورات السلبية في علاقاتها مع الدول الشقيقة، بما لا معنى لعلاقة أخوية يطعن فيها الأخ القطري أخاه، ولا يتساعد مع الجهود الخيِّرة التي تحاول لملمة الجراح، وقطع الطريق أمام قوى الشر، ومصادر الإرهاب.
إنّ أكثر ما يحيرنا هو التوقيت الذي اختاره أمير قطر لافتعال هذا الموقف غير الودي من المملكة، فلم يكد تنتهي مؤتمرات القمم الثلاث بالرياض، ويعلن عن نجاحها، ويبدأ قادة الدول بمغادرة أرض المملكة إلى بلدانهم، حتى كان هذا التصريح المسيء الذي صدر عن الشيخ تميم، وكأنه أراد أن يعتم على نجاح هذه القمم، وكأنه أراد أن يصرف الانتباه عنه إلى التركيز على تصريحه الذي كان من مضامينه استنكار سموه عدم التعامل مع إيران الذي قال عنها إنها دولة إسلامية كبرى وليس من الحكمة عدم التعامل معها، وكأنه بذلك يرسل رسالة احتجاج لعدم دعوة الرياض لها للمشاركة في القمة العربية الإسلامية الأمريكية.
وليس هذا التصريح فقط هو ما يؤخذ على أمير دولة قطر، وإنما هناك تراكمات من المواقف السلبية التي دأبت الشقيقة الصغرى قطر أن تذكر الآخرين بها، وتعرف العالم بمكانتها، ضمن ما تعانيه من شعور بعدم الرضا لمن لا يرى في قطر على أنها دولة كبرى، بل والإصرار على افتعال بعض المواقف للتدليل على مكانتها المهمة بين دول العالم، ولا بأس في ذلك لو أنّ هذه المواقف تتحدث عن إنجازات تنموية، ورؤية سياسية حاذقة، وتطور في قطاعات التعليم والصحة والبنية التحتية، بما يماثل ما تفعله الدول الكبرى المتطورة، لا أن يكون التحرش بالأشقاء بأساليب غير مناسبة كما تفعل الدوحة وأميرها ووالده الآن.
إن حشد قطر للإعلام المعادي للدفاع عنها، والإكثار من الادعاء عن مواقف إيجابية لها، واعتبارها معقلاً إسلامياً وعربياً للدفاع عن حقوق الأمة لا يغيِّر شيئاً من الحقائق، ولا تضيف هذه الأكاذيب التي تتبارى أبواق عربية في المزايدة على دفع قطر إلى أتون هذه الخلافات، بل إنه من المعيب لقطر أن يكون تلفزيون المنار التابع لحزب الله، أو قناة الميادين إحدى قنوات إيران، أو أقلام وأصوات عربية رخيصة تقبع في لندن، أو غير هؤلاء هم من يدافعون عن المواقف القطرية، وهم من يحاولون أن يحسِّنوا صورتها، فيما هم أحوج ما يكونون للخروج من السمعة السيئة التي تلاحقهم، بدلاً من توظيفهم للدفاع عن دولة قطر.
خالد بن حمد المالك- الجزيرة السعودية-