منذ انعقاد قمة الرياض في 20 و 21 أيار/مايو، بدأ ميزان القوى يتغيّر بسرعة وبشكل كبير في منطقة الخليج، الأمر الذي يخلق وقائع سياسية جديدة. ويحدث ذلك داخل دول الخليج مثل البحرين، وبين دول الخليج مثل السعودية ودولة الإمارات من جهة وقطر من جهة أخرى. ويتضح ذلك في السياسات الإقليمية الخليجية، مثل إدارة الحرب في اليمن.
وليس من قبيل المصادفة أن تعلو كفة الموقف الذي تدعمه السعودية في جميع المجالات الإقليمية المذكورة أعلاه. كما أن مشاركة ترامب في قمم الرياض، فضلاً عن تصريحاته الرسمية، وضعت الإدارة الأمريكية الجديدة بشكل ثابت في المعسكر السعودي عندما يتعلق الأمر بالعديد من خطوط الصدع الإقليمية.
وقد أوضح ترامب أنه يؤيد تحويل المزيد من المسؤولية عن أمن المنطقة إلى الجهات الفاعلة المحلية. ففي كلمة ألقاها أمام عشرات من زعماء الدول ذات الغالبية المسلمة التي اجتمعت في العاصمة السعودية للقمة "العربية الإسلامية الأمريكية" أعلن بأنه "لا يمكن تحقيق مستقبل أفضل إلا إذا قامت دولكم بطرد الإرهابيين والمتطرفين. إطردوهم".
ورغم أن إدارة ترامب ربما لم تكن تتوقع أن يكون لرحلة الرئيس الأمريكي في الرياض تأثير فوري على ديناميات القوى الإقليمية، فمن الإنصاف القول بأن بعض جوانب التطورات الجديدة قد لا تكون موضع ترحيب، من وجهة نظر الإدارة الأمريكية.
وكان الخلاف المتزايد بين الرياض وأبو ظبي مع الدوحة حول تعليقات مثيرة للجدل للغاية نُسبت إلى الأمير القطري الشيخ تميم بن حمد آل ثاني [من بين] أحد التطورات التدريجية بشأن المصالح الأمنية الأمريكية. وقد أكدت الدوحة أن التقارير المتعلقة بالتعليقات المزعومة كانت ملفقة. ومع ذلك، لا يزال التصدع يتسع على كلا الجانبين. ويبدو أن السعودية والإمارات حريصتان على إقناع الدوحة بتغيير سياساتها الإقليمية فيما يتعلق بطهران والجماعات الإسلامية وقوى إقليمية أكثر عنفاً وزعزعة للاستقرار، لكي تكون سياسات قطر أكثر انسجاماً مع سياسات دول «مجلس التعاون الخليجي». وكانت التوترات حول سياسات الدوحة قائمة منذ بعض الوقت، وبلغت ذروتها في آذار/مارس 2014، عندما قامت السعودية والإمارات والبحرين بسحب سفرائها من الدوحة لفترة دامت ثمانية أشهر.
إن النهج الأخير للرياض وأبوظبي تجاه الدوحة قد يخلق التصور بوجود تباين مع السياسة الأمريكية. فقد أعرب كبار المسؤولين في الإدارة الجديدة عن تقديرهم للعلاقة الاستراتيجية مع قطر، بما في ذلك دعمها للتحالف المناهض لتنظيم «الدولة الإسلامية» من خلال "مركز العمليات الجوية المشتركة" في "قاعدة العُديد". ومن بين هؤلاء وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس الذي اجتمع مع الشيخ تميم ووزير الدفاع القطري في الدوحة في نيسان/أبريل، ووزير الخارجية ريكس تيلرسون، الذي اجتمع مع وزير خارجية قطر في واشنطن في أيار/مايو. وفي مقابلة مع الشيخ تميم خلال قمة الرياض، قال ترامب "إن علاقتنا جيدة للغاية".
ومع ذلك، فلدى البعض في واشنطن مخاوف تعكس تلك التي تساور السعودية والإمارات. ومما يبعث على القلق بشكل خاص في العاصمة الأمريكية هو الدعم السياسي وغيره من أشكال التأييد لمختلف قطاعات الإسلاميين السياسيين في جميع أنحاء المنطقة. وقد أدى هذا الدعم إلى زيادة التأثير الإقليمي لقطر، من خلال منحها نفوذ على جاراتها الأكبر حجماً، وسمح لها أن تلعب دوراً بارزاً في التوسط في النزاعات الدولية مع الجهات الفاعلة من جميع الفئات. كما أنه كان السبب الرئيسي وراء تعرض الإدارة الأمريكية الجديدة لضغوط متزايدة من مختلف الجهات للنظر في تخفيض الوجود العسكري الأمريكي في قطر أو سحبه، وهو الذي عمل حتى الآن كحماية أمنية هامة للقطريين.
وفي الأشهر الأخيرة، جرى الكثير من النقاش، وعلى وجه التحديد حول مدى التقدم الذي أحرزته الدوحة في مكافحة النشاط المتعلق بالتمويل الخاص للإرهابيين داخل حدودها. ويُنظر إلى ذلك على أنه مقياس لأي تغيير في المقاربة إزاء تحدي تمويل الإرهاب. وفي إطار إدارة ترامب، كانت مسألة مكافحة تمويل الإرهاب موضوعاً متكرراً في المناقشات الرفيعة المستوى التي جرت مع القطريين. كما كانت معالجة تمويل الإرهاب أولوية قصوى على جدول أعمال ترامب في الرياض، مما أدى إلى إعلان الولايات المتحدة ودول «مجلس التعاون الخليجي» على إقامة "مركز استهداف تمويل الإرهابيين".
ومن الجوانب الصعبة في تقييم التقدم المحرز هو أن القطريين يرغبون في مواصلة أعمالهم في الخفاء. ويبدو أن النتيجة هي أن الدوحة قد عالجت بالفعل نشاط مموّلين إرهابيين محدّدين بجهد أكبر مما رأينا سابقاً. فقد نفذت الدوحة عقوبات وأكملت ملاحقات جنائية ضد بعض المموّلين الإرهابيين المصنّفين [على لوائح خاصة بهم]. وفي الوقت نفسه، يُفهم التقدم المحرز في جعل قطر بيئة معادية لتمويل الإرهاب على أنه بطيئ جداً. ومما يُحسب للقطريين، أن كبار المسؤولين المكلفين بمحفظة تمويل مكافحة الإرهاب يدركون بأنه يتعيّن على الدوحة العمل على إضفاء المزيد من التحسين في هذا المجال.
لقد طال أمد تحديات تمويل الإرهاب الذي يواجه الدوحة. وعلى الرغم من بذل واشنطن جهود حثيثة للتأثير على شريكها من أجل أن يتّبع نهجاً أكثر شمولية لهذه الجزء الهام من مشكلة الإرهاب، إلّا أنّ النجاح اقتصر على حالات محددة وقوانين جديدة مدوّنة في السجلات. ويبدو أن التقدم المحرز حتى الآن - المحدود في الممارسة والهامد كما يبدو - يعكس في المقام الأول الاهتمام بمواصلة العمل عن كثب مع الولايات المتحدة والشركاء الدوليين الآخرين. ولحسن الحظ، لم تكن قطر ضحية لهذا النوع من الهجمات الإرهابية المتكررة مثل تلك التي وقعت في السعودية والتي أجبرت تلك البلاد على أن تكون فاعلة نشطة إلى حد كبير في مكافحة تمويل الإرهاب.
وإذا كانت المشاركة الأمريكية قد حققت نجاحاً محدوداً في أنشطة تمويل مكافحة الإرهاب والسياسات ذات الصلة، فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل سيثبت الضغط الشديد من قبل دول الجيران في الخليج بأنه أكثر فعالية؟ بإمكان واشنطن أن تعمل مع الرياض وأبو ظبي، جنباً إلى جنب مع الدوحة، لتحديد الخطوات المعينة التي يمكن أن تتخذها قطر لمعالجة الفروق الحاسمة، بما يتماشى مع مبادرات مكافحة الإرهاب وغيرها من المبادرات الأمنية الإقليمية التي أُعلن عنها خلال قمم الرياض. وينبغي أن يكون الهدف النهائي هو دفع العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الخليج وكذلك العلاقات الإقليمية نحو تعاون أوثق. وسوف ترحب الولايات المتحدة بدخول الدوحة إلى أسرة الشركاء الخليجيين الذين يوافقون الرأي حول تمويل أعمال مكافحة الإرهاب والمصالح الإقليمية الإضافية، وهي مواضيع يفترق الطرفان حولها [حالياً].
لوري بلوتكين بوغارت- معهد واشنطن-