علاقات » خليجي

الشعوب سئمت سياسة عفا الله عما سلف

في 2017/06/05

كثرت التساؤلات الملتزمة باللياقة الأدبية عن الأهداف والمقاصد السياسية من تنويع دولة خليجية لعلاقاتها مع أعداء صرحاء للخليج وأهله، ومحاولة التعامل معهم على قدم المساواة ومع أشقائها العرب الخليجيين خاصة والعرب عامة.

وسط هذه التساؤلات التي تريد الوصول إلى أجوبة مقنعة تناثرت تغريدات واعتذاريات من سعوديين حسب الظاهر، تتهم من يطالب بالأجوبة الواضحة عما يجري إما بأنه مطبل أو مثير للنعرات بين الأشقاء، أو حتى بالإسفاف والفجور في الخصومة والاختلاف.

من ضمن الكثير من الاعتذاريات والتغريدات في هذا السياق استوقفتني التغريدة التالية: ما دور المثقف في الأزمات، هل هو الطيران في العجة (بهذا التعبير) وتقطيع كل الروابط والأواصر بين الشعوب، أم وصل الجسور واجتراح الحلول وتهدئة النفوس.

ثم يكمل المغرد نفسه في تغريدة أخرى: عطفاً على ما حدث مؤخراً أقول: للأسف فإنَّ كثيراً ممن يعتبرهم مجتمعنا مثقفين رسبوا في الامتحان وأظهروا خفة وفجوراً في الخصومة وإسفافاً في الاختلاف (انتهت التغريدة).

وبما أن هذا المغرد يحسب نفسه على المثقفين وأنا أفعل نفس الشيء، فلي حق التعليق: أولاً أغبطه على قدرته التنفس من إبطيه لشدة ثقته بمقامه الثقافي وبحصافة رأيه المستعلية على المثقفين الآخرين، بحيث يضعهم في قفص الاتهام بالفجور والإسفاف.

ثانياً، هل هي خفة وفجور وإسفاف عندما يطالب مواطن بمعرفة الحقائق عن أسرار السياسة القطرية وجمعها الأشقاء والأعداء في سلة واحدة ولمصلحة من تعمل هذه السياسة؟

ثانياً، إن كان كل مثقف مخالف في الرأي لبلبلنا المغرد الصداح يُعدُّ راسباً في الامتحان، فعليه أن يوضح لنا الدرجات التي يحصل هو شخصياً عليها في مواد الولاء الوطني والقومي والديني، وهل ينجح أم يرسب بالصفر المكعب في كل المواد؟

السياسة القطرية تهادن أعداءً صرحاء للخليج وللعرب وللإسلام باستثناء المذهب الجعفري المؤمن بولاية الفقيه، لكن بلبلنا المغرد السعودي يطلب منا التفهُّم ووصْل الجسور وإلا رسبنا في الامتحان. أقول يا هذا أصلحك الله وفتح عقلك ليتك تؤجل مصالحك المحتملة في قطر، وعليك أن تفهم وقد حسبت نفسك على المثقفين، أن أكثر ما يزعج المثقف من سياسات مجلس التعاون الخليجي عدم الوضوح في العلاقات، وتخزين الخلافات المتكررة في القبو وعدم الوصول إلى سياسة منضبطة وواضحة للأمن الإقليمي المتكامل مع الأمن العربي والإسلامي. لا يصح أن يمتلئ القبو الخليجي بمخلفات الخلافات الحكومية بمعزل عن الشعوب فتتعفن وتفوح روائحها في كل مرة يفتح أحدهم الباب لتخزين خلاف جديد. بهذه الطريقة سوف يستمر المواطن الخليجي في حالة شك وتساؤل، هل السياسات في مجلس التعاون مسخَّرة لاعتبارات حكام وحكومات تتنازع ثم تتراضى بالطبطبة على الأكتاف وتقبيل الأنوف، أم أنها تعمل وفق سياسات مدروسة لحفظ أمن الأوطان والمواطنين والمقدسات.

إن كنت يا صاحِ تحبِّذ الدمدمة والطبطبة وترميم الجسور، فإنَّ المثقف الحقيقي يصر على بناء جسور سليمة لا مجال فيها للمجاملات الحكومية على حساب ثوابت الشعوب التي هي الأمن والحصانة الشاملة.

د. جاسر الحربش- الجزيرة السعودية-