قطعت مصر والمملكة العربية السعودية وثلاث دول عربية أخرى علاقاتها مع قطر في وقتٍ مبكر من اليوم الاثنين في خطوة جديدة من جهدٍ دام أربعة أعوام لعزلها، في دلالة على الجرأة الجديدة التي حصلت عليها السعودية والإمارات ومصر بعد زيارة الرئيس «ترامب» للمنطقة.
ولم تقم الدول العربية الخمس بتعليق العلاقات الدبلوماسية كما فعلت في الماضي، بل قطعت أيضًا رحلاتها البرية والجوية والبحرية من وإلى قطر، وأمرت مواطنيها بمغادرة البلاد.
وتعد قطر، شأنها في ذلك شأن ممالك الخليج العربي الأخرى، حليفٌ وثيقٌ لواشنطن، وتستضيف قاعدة عسكرية أمريكية كبرى تتولى قيادة الحملة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
وعلى هذا النحو، يهدد الخلاف بين الحلفاء الإقليميين التركيز على عمليات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، ويعقد الجهود المبذولة في المنطقة لمواجهة إيران.
وأدى قطع جميع الاتصالات من قبل البحرين ومصر والسعودية والإمارات واليمن إلى أزمة فورية في قطر. وقد مُنح الدبلوماسيون القطريون 48 ساعة لمغادرة البحرين، بينما تم ترك مهلة للمواطنين القطريين لمدة أسبوعين للرحيل من البحرين والسعودية والإمارات.
ولدى قطر، وهي بلدٌ صغيرٌ نسبيًا في الخليج، حدودٌ مع السعودية، وهي معرضة للتهديد من قبل جيرانها الأكبر. وهي تستورد تقريبًا جميع طعامها، وحوالي 40% منه، مباشرةً من المملكة. وكانت هناك تقارير عن تداعيات على أسواق المواد الغذائية بعد الإعلان عن المقاطعة.
وتعطلت حركة الملاحة الجوية، حيث قامت الإمارات بتعليق الخدمة إلى قطر من قبل شركات الطيران الثلاث، وهي طيران الاتحاد وطيران الإمارات وفلاي دبي، ابتداءً من صباح الثلاثاء. وتم حظر الخطوط الجوية القطرية من المجال الجوي السعودي.
وقالت السعودية أنّها تتخذ إجراءات «لحماية أمنها القومي من مخاطر الإرهاب والتطرف». وقد أصدرت وزارة الخارجية القطرية بيانًا قالت فيه أنّ هذا العمل «ليس له أساس من الواقع وأنّه غير مبرر».
وكانت قطر قد أعلنت الشهر الماضي أنّ وسائل الإعلام التابعة لها قد تعرضت للاختراق بعد نشر تعليقاتٍ نسبت إلى أمير قطر، الشيخ «تميم بن حمد آل ثاني»، أشار فيها إلى التوتر مع واشنطن حول السياسة تجاه إيران، وقال أنّ« ترامب» قد لا يبقى في السلطة لفترة طويلة. ونفت قطر هذه التصريحات قائلةً أنّها كانت ضحية «عملية اختراق سيبراني».
أما الدول العربية الأخرى التي اتخذت إجراءات، وكلها ذات أغلبية سنية عدا البحرين، فقد انتقدت قطر لدعمها جماعة الإخوان المسلمين في مصر وحول المنطقة، بما في ذلك من خلال بث شبكة الجزيرة الإخبارية، التي تمولها قطر. كما اتُهمت قطر بالتغاضي عن جمع الأموال للجماعات الإسلامية المسلحة التي تقاتل في سوريا، على الرغم من أنّ العديد من الدول السنية الأخرى في المنطقة قد لعبت أدوارًا مماثلة.
وأضاف خصوم قطر ادعاءً ثالثًا لهذه المظالم، وهو أنّها تتآمر مع منافستها الإقليمية، إيران. وتعد هذه التهمة الأخيرة لافتة للنظر بشكلٍ خاص، لأنّ قطر تشارك بنشاط في حربين ضد إيران، في الحرب التي قادتها السعودية ضد جماعة الحوثيين المدعومة من إيران في اليمن، وفي معركة المتمردين ضد الرئيس «بشار الأسد» في سوريا، والمدعوم من طهران.
ولم يكن هناك حدثٌ واضحٌ في المنطقة قد يكون قد عجل بتجديد الحملة ضد قطر. لكنّ الأمر جاء بعد زيارة قام بها «ترامب» للسعودية مؤخرًا، أوضح فيها أنّه يؤيد السعودية بقوة في مساعيها ضد إيران وضد الجماعات الإسلامية على غرار الإخوان المسلمين. وربما ساعد دعم «ترامب» في تشجيع الدول السنية الأخرى على تجديد حملتها ضد قطر أيضًا.
وفي مؤشرٍ آخر على تأثير زيارة «ترامب» بتشجيع الأنظمة الملكية الخليجية، قامت البحرين خلال الأسبوعين الماضيين بقمع المعارضة من الأغلبية الشيعية.
وقد لقي ما لا يقل عن 5 أشخاص مصرعهم واعتُقل 286 آخرين فى الحملة التي جاءت بعد أن أمرت الحكومة بحل آخر مجموعة معارضة فى البلاد وإغلاق صحيفة مستقلة. ووصفت منظمة العفو الدولية تلك الإجراءات بأنّها «حملة سافرة للقضاء على كل الانتقادات الموجهة للحكومة».
دور إقليمي
وقد استخدمت قطر، وهي أغنى دولة في العالم من حيث دخل الفرد الواحد، تلك الثروة في السنوات الأخيرة، للقيام بدورٍ كبير في السياسة الإقليمية.
وقد أدت دورًا هامًا في القنوات الخلفية مع إيران لنزع فتيل نقاط الخلاف في الحرب السورية. وقد توسطت مراًرا وتكرارا في تبادل الرهائن وتبادل الأسرى، ودفعت ملايين الدولارات إلى الجماعات المتمردة في تلك الصفقات.
كما أنّ قطر هي الراعية لاتفاق «المدن الأربعة» في سوريا، والذي تم التفاوض عليه مع إيران وحزب الله، حيث تم نقل المدنيين المحاصرين من قبل القوات الحكومية أو قوات المتمردين إلى مناطق أخرى. وقد أشاد البعض بتلك الاتفاقات باعتبارها الطريقة الوحيدة لإنقاذ المدنيين.
وقد أدت ثروات قطر وطموحاتها في إبراز نفسها كدولةٍ عربيةٍ حديثة على الساحة العالمية إلى إثارة التوترات، وخاصةً بعد أن أصبحت لاعبًا رئيسيًا في الإعلام والثقافة.
وقال «يزيد صايغ»، وهو زميلٌ بارزٌ في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت بلبنان، أنّ أحدث الإجراءات الدبلوماسية كانت نسخة أكثر عدوانية من المواجهة التي كانت عام 2014، عندما سحبت البحرين والسعودية والإمارات سفراءها من قطر، واتهمتها بالتدخل في شؤونها الداخلية.
وكان ذلك جزءًا من الخلاف حول دعم قطر لـ«محمد مرسي»، الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر. ولكن تلك المواجهة لم تشمل الحصار الجوي والبحري، كما هو الحال الآن.
وقال «صايغ» أنّ التحركات الجديدة جاءت في الوقت الذي شهدت فيه البحرين ومصر والسعودية فرصةً لإنهاء مشاكلها الداخلية، وتعكس «الصعود» الذي دفعته مواقف إدارة «ترامب» من دعم المواجهة مع إيران، وإعلانه غض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان، «والتي يرون أنّها تدعم رؤيتهم بشأن التهديدات الإقليمية وأفضل السبل للرد عليها».
وأضاف «صايغ» أنّ السعودية قد تلقت دفعةً سياسية ومادية من خلال الصفقات العسكرية التي وقعتها مع الولايات المتحدة في الزيارة الأخيرة لـ«ترامب».
وقال أنّ السعودية والإمارات لا تشعران بالقلق من «أي رد فعل أمريكي» حول حقوق الإنسان أو التدخل في اليمن، في حين تشعر مصر أيضًا بدعم «ترامب» لمواقفها، وهي تستغل الفرصة لإصلاح العلاقات مع السعوديين والإماراتيين، وللتعامل بشكلٍ أكثر حزمًا في ليبيا..
إلا أنّ صايغ قد حذر من أنّ «قطع العلاقات مع قطر يحجب المشاكل والتحديات العميقة التي تواجهها الدول وقد يجعلها تتفاقم».
وساطة أمريكية؟
وعرض وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون اليوم الاثنين التوسط في المأزق على أمل الحفاظ على جهود إدارة «ترامب» لخلق تحالفات واسعة ضد إيران والجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط.
وأكد «تيلرسون» ووزير الدفاع «جيمس ماتيس»، الذي ظهر في أول مؤتمر صحفي مشترك بينهما، في سيدني، أستراليا، بعد محادثاتٍ مع نظيريهما الأستراليين، أنّ تمزق العلاقات بين الدول العربية لن يقوض الكفاح ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
لكنّ المواجهة المتصاعدة بين قطر والدول العربية الأخرى تمثل تعقيدًا جديدًا وغير مرغوبٍ فيه أمام الجهود الأمريكية المضنية لإقامة تحالفٍ واسع ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
فكيف يمكن للحملة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة، على سبيل المثال، أن تشمل طائراتٍ حربية من البحرين والسعودية والإمارات، إذا لم تعد هذه الحكومات تسمح لممثليها العسكريين بزيارة قاعدة القيادة الرئيسية للولايات المتحدة في المنطقة؟
وبعيدًا عن الصعوبات العسكرية، تعتمد مجموعة من الشركات متعددة الجنسيات على عمليات في دول مختلفة. وقد تعني دعوة السعودية للشركات للانسحاب من قطر عاصفةً من الخيارات الصعبة للمدراء التنفيذيين لهذه الشركات حول مكان القيام بالأعمال التجارية.
وتستضيف قطر كأس العالم 2022، على سبيل المثال، وتقوم ببناء مرافق للبطولة تشكل جزءًا من طفرة بناء طموحة، بما في ذلك إنشاء فروع للمتاحف والجامعات الدولية الكبرى.
نيويورك تايمز- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-