إذا كان صانع القرار في السعودية والإمارات يتصوّر أن فرض حصار اقتصادي بري وبحري وجوي شامل على قطر سيثير مخاوف القطريين وسيهزّ اقتصادهم ويدخل البلاد في أزمة اقتصادية خانقة فهو واهم.
وإذا تصوّر أصحاب القرار في البلدين أن القطريين سيتضورون جوعاً وعطشاً في حال استمرار هذا الحصار الاقتصادي فهو مخطئ، ذلك لأن قطر تمتلك بدائل كثيرة لكسر هذا الحصار الظالم والتعامل معه.
وإذا تصوّر أصحاب قرار الحظر الاقتصادي أنه يمكنهم بهذا الحظر المفروض على قطر أن يجوعوا شعباً بأكمله ويعاقبوه اقتصادياً وتجارياً في ظل تجارة عالمية حرة وسماوات مفتوحة واقتصاديات متداخلة فهذا هو الوهم بعينه.
وإذا كانت وسائل إعلام وصحف الدولتين السعودية والإماراتية وغيرها تتصوّر أن نشر شائعات وافتراءات متواصلة حول الاقتصاد القطري، بهدف دفع المستثمرين القطرين والأجانب إلى سحب استثماراتهم وأموالهم، وبالتالي دفع هذا الاقتصاد نحو الانهيار، فعليها أن تراجع نفسها وحساباتها ودقة معلوماتها.
كما أن على وسائل الاعلام تلك أن تقرأ جيداً بيانات وأرقام ومؤشرات الاقتصاد القطري حتى تعرف أنها أمام اقتصاد قوي يتجاوز حجمه 170 مليار دولار، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي، وأن هذا الاقتصاد تمكّن من تخطي دورة تهاوي أسعار النفط خلال السنوات الأخيرة، بفضل أسس الاقتصاد الكلي القوية، وأن هذا الاقتصاد لديه استثمارات مالية كبيرة تقدّر بمئات المليارات من الدولارات، مستثمرة في الخارج وفي أسواق ومجالات متنوعة، كما أن الموازنة العامة تُعاني من عجز مالي محدود على الرغم من إنفاق مليارات الدولارات على مشروعات كأس العالم 2022.
لا أظن أن صاحب قرار فرض الحصار الاقتصادي الشامل على قطر يتوهّم أن الدوحة ستقف مكتوفة الأيدي تجاه هذا الحصار الاقتصادي الظالم، وأنها لن تتعامل مع الحصار بشكل عملي واحترافي يلبّي احتياجات شعبها.
ولا أظن كذلك أن أسواق العالم ستُغلق أبوابها أمام قطر، تأثراً بمواقف بضع دول صاحبة قرار الحظر ولا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، فالدوحة لديها بدائل كثيرة لتزويد أسواقها ومحالها التجارية بالسلع والمنتجات المختلفة، والقيام بعملية إحلال سريع للسلع السعودية والإماراتية.
وعلى سبيل المثال فإن سلع تركيا التي تربطها علاقات قوية مع الدوحة يمكن أن تحلّ، وبشكل سريع، بدلاً من السلع الخليجية الأخرى، بل وهناك مزايا عدة للسلع التركية منها رخص أسعارها وجودتها المرتفعة، إضافة إلى ميزة الشحن الجوي، إذ لدى تركيا أسطول قوي من طيران الشحن الجوي، وهناك أيضاً الشحن البحري عبر السفن العملاقة، إذ تمتلك كل من تركيا والدوحة موانئ على المياه الدولية.
وهناك أيضاً السودان الذي يمتلك معظم بدائل السلع السعودية والاماراتية، وهناك سلع ومنتجات يمكن جلبها من العراق وإثيوبيا ولبنان والأردن والمغرب وتونس والجزائر ومن عشرات الدول الأفريقية والآسيوية والأوروبية والأميركية، وهناك إيران التي أبدت استعدادها اليوم لتلبية احتياجات أسواق قطر خلال فترة لا تتجاوز 12 ساعة.
والأهم من تلك الأسواق امتلاك قطر سيولة مالية تقترب من 400 مليار دولار، موزّعة ما بين صندوق الثروة السيادي الذي يُدير أصولاً تزيد عن 335 مليار دولار، والباقي في شكل احتياطي من النقد الأجنبي، كما أن لدى قطر واحداً من أكبر بنوك المنطقة بل والأقوى عالمياً، وهذه البنوك قادرة على فتح اعتمادات مستندية لمستوردي كل السلع والخدمات من الخارج، خاصة مع امتلاكها شبكة مراسلين حول العالم.
ولدى قطر فائض تجاري بلغ 2.7 مليار دولار في شهر إبريل/ نيسان الماضي وحده، بالإضافة إلى موانئ ضخمة يمكن أن تكون بديلاً عن الحدود البرية مع السعودية، وهناك ميناء حمد الدولي، والذي يمكن من خلاله إتمام عمليات التبادل التجاري مع مختلف دول العالم، كما أن لدى قطر العديد من الاتفاقات مع خطوط ملاحية كبرى، ما يؤمّن احتياجاتها من السلع الغذائية والاستهلاكية.
وإذا كانت السعودية والإمارات تملكان أوراق ضغط اقتصادية، فقطر لديها أيضاً أوراق ضغط كثيرة، فقطر ذات اقتصاد متنوّع ليس قائماً على مصدر واحد هو النفط، كما هو الحال في دول الخليج الأخرى، وقطر ثالث أكبر مصدر للغاز الطبيعي في العالم، وتبلغ احتياطاتها منه نحو 14%، بما يعادل 900 تريليون قدم مكعب، بإيرادات سنوية تقدر بنحو 100 مليار دولار سنوياً، وغاز قطر يلبّي 30% من احتياجات الإمارات من الطاقة، كذلك تزوّد دولاً خليجية أخرى بالغاز.
لقد توهّم أصحاب الحظر الاقتصادي على قطر أن القطريين سيزحفون نحو المتاجر والمحال التجارية خوفاً من تداعيات الحظر الاقتصادي السعودي الإماراتي، وأنهم سيضغطون على قادتهم للاستجابة إلى الضغوط السعودية الإماراتية، لكن هؤلاء لا يدركون طبيعة الأسواق العالمية وقوة الاقتصاد القطري واحتلال قطر المرتبة العربية الأولى في مؤشر التنمية البشرية الذي أصدره برنامج التنمية البشرية في الأمم المتحدة.
مصطفى عبد- العربي الجديد-