علاقات » خليجي

هل يشعل العزل الدبلوماسي لقطر شرارة حرب عظمى جديدة؟

في 2017/06/08

ما وجه الشبه بين سراييفو 1914 والدوحة 2017؟ قد نكون أمام لحظة تاريخية يمكن مقارنتها باغتيال الوريث المفترض للإمبراطورية النمساوية المجرية الذي أدّى إلى اندلاع ما يُعرف بـ"الحرب العظمى". إلا أنّ هذه المرة سيقع الاشتباك المحتمل بين القوة السعودية-الإماراتية من جهة وإيران من جهة أخرى. سيتعيّن على واشنطن أن تتحرك بسرعة لوقف الطريق إلى الحرب، بدلاً من الانتظار حتى تبدأ المجزرة.

إنّ الهدف الأهم للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة هو قطر التي خالفت منذ فترة طويلة إجماع الخليج العربي حول إيران. وقطعت الرياض وقائمة متزايدة من الدول العربية علاقاتها يوم الإثنين مع الإمارة الغنية بالغاز، كما أعلنت السعودية أنها أوقفت السماح بالرحلات الجوية القطرية، وأغلقت الحدود البرية، ومنعت السفن المتجهة نحو قطر من العبور في مياهها. ويُعتبر هذا ذريعةً للحرب بكل معنى الكلمة. فعلى سبيل المثال والتوضيح، اندلعت حرب الأيام الستة، التي وقعت منذ 50 عاماً في هذا الأسبوع، إثر إغلاق مصر لمضيق تيران، مما أدّى إلى منع وصول إسرائيل إلى البحر الأحمر. ورداً على التطورات الأخيرة، أفادت التقارير أن إيران أعلنت أنها ستسمح لقطر باستخدام ثلاثة من موانئها للحصول على الواردات الغذائية التي تعتمد عليها البلاد، وهي خطوة قد تعتبرها الرياض وأبوظبي تأكيداً على علاقات الدوحة الغادرة مع طهران.

وهناك روايتين على الأقلّ حول كيفية وصولنا إلى هنا. فإذا كنت تصدّق حكومة قطر، تمّ اختراق الموقع الالكتروني لوكالة الأنباء القطرية الرسمية في 24 أيار/ مايو ونُقل خبر مزيف عن الأمير تميم بن حمد آل ثاني قوله: "لا يوجد سبب وراء عداء العرب لإيران". وأكّد مجدداً التقرير الذي يُزعم أنه كاذب دعم قطر لـ جماعة «الإخوان المسلمين» وفرعها الفلسطيني حركة «حماس»، فضلاً عن الادّعاء بأن علاقات الدوحة مع إسرائيل كانت جيدة.

وفي الوقت نفسه، تبنّت وسائل الإعلام الخاضعة للحكومتين السعودية والإماراتية روايةً أخرى، واعتبرت أنّ الخبر صحيح وردّت بسرعة وبغضبِ كبير. وكُرِّر تعليق الأمير مراراً، ولغضب الدوحة، تم حظر إمكانية الوصول عبر الإنترنت إلى وسائل الإعلام القطرية لمنع قراءة النفي الرسمي للخبر.

وهناك احتمال أن تكون القرصنة الأولى مدبرة من قبل طهران التي أزعجها الموقف المناهض لإيران في القمة التي عُقدت في الرياض في 20 و21 أيار/مايو، عندما التقى الرئيس دونالد ترامب الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وممثلين عن العشرات من الدول الإسلامية. وفي 3 حزيران/ يونيو، تعرّض حساب وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة على موقع "تويتر" للقرصنة لعدة ساعات في حادث حمّلت الحكومة مسؤوليته على ناشطي المعارضة الشيعية، بدلاً من توجيه أصابع الاتهام إلى إيران. إنّ دافع إيران هو إظهار الانقسام الخليجي، فضلاً عن انزعاجها من تأييد ترامب لموقف «مجلس التعاون الخليجي» المناهض لطهران.

أمّا قطر فترى نفسها ضحيةً لمؤامرة تدبرها الرياض وأبو ظبي، وهما تقليدياً على علاقة عدائية مع الدوحة على الرغم من العضوية المشتركة في «مجلس التعاون الخليجي». وترى الرياض قطر، التي تعطي الإسلام الوهابي دوراً محورياً على غرار المملكة، كجهة مشاغبة في المنطقة. والدوحة، التي تسمح للنساء بقيادة السيارات وللأجانب بشرب الكحول، تلقي بدورها اللوم على السعوديين لتشويه سمعة المذهب الوهابي. وفي الوقت نفسه، تمقت أبوظبي دعم الدوحة لـ جماعة «الإخوان المسلمين» المحظورة في الإمارات العربية المتحدة.

وعلى الرغم من الأزمة الدبلوماسية التي دامت ثمانية أشهر في عام 2014، فإن جذور الأزمة الراهنة تعود إلى عام 1995، عندما قام حمد والد الأمير تميم بإقالة أباه المستهتر والغائب على نحو متزايد من السلطة في الدوحة. واعتبرت السعودية والإمارات العربية المتحدة انقلاب الأسرة سابقة خطيرة للأسر الحاكمة في الخليج وتآمرت ضدّ حمد. ووفقاً لأحد الدبلوماسيين المقيمين في الدوحة في ذلك الوقت، نظّمت السعودية والإمارات عدة مئات من رجال العشائر للقيام بمهمة قتل حمد واثنين من إخوته بالاضافة إلى وزيرَي الخارجية والطاقة لإعادة الأمير المخلوع إلى السلطة. حتى أن الإمارات وضعت طائرات مروحية هجومية وطائرات مقاتلة في حالة تأهب لدعم محاولة الاغتيال التي لم تحدث فعلاً لأن أحد رجال العشائر خان المؤامرة قبل ساعات من تنفيذها.

ومع خلفية تتضمن مثل هذه الأحداث، يمكن تبرير أي ارتياب من جانب الأمير تميم. وخلال عطلة نهاية الأسبوع، ذكرت صحيفة إمارتية أنّ الشيخ سعود بن ناصر، وهو أحد أعضاء المعارضة من عائلة آل ثاني الحاكمة في قطر، كان يعتزم زيارة الدوحة "ليضطلع بدور الوسيط".

وكونها تضمّ 200 ألف مواطن أو نحو ذلك، قد يكون من الصعب شرح أهمية قطر. أما الأجانب الذين يعيشون هناك، فهم ينظرون إليها بذهول في بعض الأحيان. وتسيطر على أفق الدوحة ليلاً ناطحات سحاب غالباً ما تكون فارغة لكن مضاءة. واُطلق على إحدى ناطحات السحاب اسم  "الواقي الذكري الوردي - the pink condom"  بسبب شكله. ومع ذلك، لدى قطر أعلى دخل في العالم للفرد الواحد. وتفتخر الإمارة بأنها تملك ثاني أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم بعد إيران، وبأنها مصدّر ضخم للأسواق الممتدّة من بريطانيا إلى اليابان. كما تستضيف قاعدة العديد الجوية العملاقة التي طارت منها الطائرات الأمريكية في العمليات القتالية خلال الحروب في أفغانستان والعراق، وتشكل هذه القاعدة مركز قيادة الحملة الأمريكية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية».

وبالنسبة للأمير تميم البالغ من العمر 37 عاماً، الذي يحكم في ظل والده الذي تنازل لصالحه في عام 2013، إنّ الأولويات الأساسية هي على الأرجح  بقاء قطر حليفاً جيداً للولايات المتحدة، وعدم القيام بأي شيء يزعج إيران لأن معظم ثروة بلاده الغازية تقع بمعظمها في حقل بحري ضخم تتشاركه مع الجمهورية الإسلامية. وحتى الآن، تستفيد قطر من هذا الحقل الهيدروكربوني أكثر من إيران.

بإمكان واشنطن الإضطلاع بدورٍ مهمٍ في نزع فتيل هذا الوضع الذي قد ينفجر. وقد يرى المسؤولون الأمريكيون أنّ قطر لم تكن منصفة في موازنتها بين الولايات المتحدة وإيران، بيد أنّ صراعاً طويلاً بين الرياض والدوحة، أو صراعاً يدفع قطر إلى حضن طهران لن يفيد أحداً. وفي هذا الصدد، يمكن القول إن وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون في وضعِ جيد. إذ تُعدّ شركة "إكسون موبايل" ExxonMobil التي كان يشغل فيها تيلرسون منصب الرئيس التنفيذي قبل انضمامه إلى الحكومة الأمريكية، الطرف الأجنبي الفاعل الأكبر في قطاع الطاقة في قطر، لذلك فمن المفترض أنّه يعرف صانعي القرار الأساسيين بشكل جيد.

ويبدو أنّ الرياض والإمارات العربية المتحدة تثبتان حسن نواياهما كمواقع بديلة للقوات الأمريكية الموجودة الآن في قاعدة العديد. بيد أن مؤهلاتهما ليست جيدة كما قد تدّعيان. ففي عام 2003، دفعت السعودية القوات الأمريكية إلى الخروج من "قاعدة الأمير سلطان الجوية"، حيث حاولت الرياض التعامل مع التطرف الإسلامي فيها في أعقاب هجمات 11 أيلول/سبتمبر. وتستضيف أبوظبي أساساً طائرة ناقلة وطائرة استطلاع أمريكية، لكن الأمر سيستغرق بعض الوقت لإنشاء مركز قيادة مجهز تجهيزاً كاملاً ليحل محل المنشأة في العديد.

وتُمثل هذه المواجهة اختباراً لإدارة ترامب الجديدة. وقبل بضعة أسابيع فقط، قام ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان بمزاحمة الأمير تميم جانباً لكي يكون هو على يمين الرئيس الأمريكي، عند التقاط الصور التذكارية في الرياض. والآن، تحاول السعودية والإمارات القيام بالأمر نفسه على الساحة الدولية. ومن بين جميع الأزمات المحتملة في الشرق الأوسط، ربما لم يتوقع مستشارو ترامب هذه الأزمة أبداً.

سايمون هندرسون- معهد واشنطن-