تظاهر، للحظة، أنّك لست على جهاز الكمبيوتر الخاص بك أو لا تقرأ هذه النشرة الإخبارية من خلال هاتفك. بدلًا من ذلك، تخيل أنّك كنت في دولة الخليج العربي الصغيرة قطر. وهذا العام هو عام 1995. اسمك «حمد بن خليفة آل ثاني»، ولقد استوليت على العرش للتو وأصبحت أميرًا للبلاد.
تواجه أنت وأمتك مشكلة تواجهها البلدان الصغيرة في كثيرٍ من الأحيان. لديك جارة، وهي المملكة العربية السعودية، والتي هي أكبر بكثير وأقوى مما أنت عليه. ويعاملك هذا الجار بالكاد كمستقل، بل يعامل بلدك كمقاطعة تابعة له بحكم الأمر الواقع أكثر من كونها دولة ذات سيادة.
ماذا تفعل؟ كانت استراتيجية والدك هي السماح للسعوديين بالسيطرة. لكنّك تعتقد أنّ بلدك يجب أن تكون حرة لأجل أن تكون آمنة. ولديك طموحات أكبر من كونها مقاطعة سعودية. كما أنّك تقوم بتطوير صادرات الغاز الطبيعي المسال، والتي ستشكل قريبا 30% من الإنتاج العالمي.
إذا كنت مثل السيد «حمد،» فإنّك ستقوم بالعمل على حل المشكلة السعودية الخاصة بك عن طريق تأكيد استقلالك بأي وسيلة ممكنة. وهذا هو بداية التنافس السعودي القطري، الذي سيأتي بالتوازي معه انزلاق الشرق الأوسط إلى حالة من الفوضى، بلغت ذروتها بأزمة هذا الأسبوع.
عملت قطر في مسارين مختلفين من هذه الاستراتيجية.
كان جهدها الأول، في التسعينات والعقد الأول من الألفية الجديدة، محاولة إقامة علاقات ودية مع أي طرف تقريبًا قد يخدم أهدافها. استضافت قطر قاعدة جوية أمريكية، وعملت على تعزيز العلاقات مع إيران، وهي المنافس الإقليمي للسعودية، ووصلت إلى الجماعات الإسلامية التي لم تكن موضع ترحيب في معظم البلدان العربية الأخرى.
كما قامت قطر بتأسيس قناة الجزيرة، وهي شبكة تلفزيونية تستخدمها كقوة ناعمة في البلدان التي تميل إلى تقييد وسائل الإعلام بشدة. وأصبحت شيئًا فشيئًا وسيطًا إقليميًا مستقلا عن المملكة، التي تقيدت بطابعها الجغرافي ومشاكلها السياسية الداخلية.
وأدى ذلك إلى التوتر مع السعوديين، الذين رأوا صعود قطر تهديدًا لقيادتهم الإقليمية. كما أنّها لم تغض الطرف عن استضافة قطر للإسلاميين ودعمهم في قناة الجزيرة. وتعتبر السعودية الإسلاميين المستقلين أكبر تهديدٍ داخلي. (وهو نفس الرأي في الإمارات وباقي دول الخليج العربي).
وتبنت قطر استراتيجيتها الثانية الأكثر عدوانية عام 2011 مع انتفاضات الربيع العربي التي دعمتها بشدة. وبالنسبة لقطر، كانت هذه فرصة تاريخية لكسر الهيمنة الإقليمية للسعودية.
وفي كل مرة يحدث فيها فراغ في السلطة في مكانٍ ما، تتسابق كل من قطر والسعودية لشغله أولًا. وفي بعض الأحيان، كان هذا يعني دعم الفصائل السياسية المتنافسة، كما هو الحال في تونس. ولكن في أماكن أخرى، أصبح التنافس عنيفًا، كما هو الحال في ليبيا، حيث دعمت قطر والسعودية الجانبين المتقابلين في ما أصبح حربًا أهلية.
وفي مصر، دعمت قطر جماعة الإخوان المسلمين التي انتصرت في انتخاباتٍ رئاسية عام 2012. وحين قام الجيش المصري بإسقاط الرئيس في انقلابٍ عام 2013، دعمت السعودية وحلفاؤها الحكومة العسكرية بحزمة مساعدات بقيمة 12 مليار دولار.
وبحلول عام 2013، تضاعف التنافس في صورة صراعٍ كامل بالوكالة. لكنّ حملة قطر انهارت تمامًا في تلك السنة. فقدْ فقدَ حلفاؤها السلطة في مصر وتونس. وقد عززت دول الخليج الأخرى السعودية وعزلت قطر. وتنازل خليفة، وسلم السلطة إلى ابنه البالغ من العمر 33 عامًا، والذي كان لديه خبرة أقل.
ومع ذلك، فقد استطاع «خليفة» أن ينشئ ما يكفي من الاستقلالية لكسر الهيمنة السعودية. ولكنّه أرسل بذلك رسالة خطيرة إلى قادة الخليج، وهي أنّ دولة قطر المستقلة تشكل تهديدًا لا يمكن تحمله لمصالحها الإقليمية، وحتى للاستقرار الداخلي في تلك البلاد.
ولهذا السبب كان من المحتم أن تسعى السعودية وحلفاؤها إلى إنهاء استقلال قطر كما يبدو الآن.
نيويورك تايمز- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-