«من الصعب ألا تصبح الأمور أكثر سوءا. سوف تسوء الأوضاع كثيرا قبل أن تكون هناك أي فرصة للتحسن».
هذا هو التحذير الصارخ الذي وجهه لي مسؤولٌ كبيرٌ من الشرق الأوسط أرسله زعيم بلاده لمحاولة التوسط بين قطر والسعودية الأسبوع الماضي.
وبعد زيارته للشيخ «تميم بن حمد آل ثاني» في الدوحة، وولي ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان»، عاد الرجل إلى بلده مليئًا بالقلق.
وفي غضون 72 ساعة من اجتماعنا، كانت توقعاته المتشائمة قد بدأت في الظهور، حيث تبعت البحرين ومصر السعودية والإمارات وقطعتا العلاقات الدبلوماسية مع قطر. لكن هذا ليس كل شيء.
وأعلنت نفس البلدان إغلاق مجالها الجوي وممراتها المائية أمام الطائرات والسفن القطرية. وعلاوةً على ذلك، أعلنت السعودية، التي تشترك في الحدود البرية الوحيدة مع قطر، إغلاق المعبر الذي يعد بوابة لنسبة كبيرة من المنتجات الغذائية التي تدخل قطر.
ولأول مرةٍ في تاريخها، تفرض دول الخليج حصارًا كاملًا على واحدة منها. والسبب الرسمي الذي قدمته الرياض وأبوظبي هو «دعم وتمويل المنظمات الإرهابية» من قبل الدوحة، وقد طالبوا بإغلاق أول قناةٍ إخباريةٍ مستقلةٍ في العالم العربي (الجزيرة)، وطرد المفكر المسيحي البارز «عزمي بشارة» و نفي الشخصيات المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين.
وبالنظر إلى أنّ طلبًا مثل إغلاق قناة الجزيرة أمر يفوق العقل ولن يُقبل قط من قبل القطريين، يجب أن يتساءل المرء عن الدوافع الحقيقية وراء هذا التصعيد.
والحقيقة أن هذا كله يأتي في إطار محاولة الإطاحة بأمير قطر، وهي فرصة للإمارات للانتقام من جارتها، ولعبة من قبل ولي ولي العهد السعودي للحصول على العرش.
محاولة الانقلاب
كان الوقت يقترب من منتصف ليل يوم الأربعاء الموافق 24 مايو/أيار عندما نشرت وكالة الأنباء القطرية تصريحات مزعومة لزعيم البلاد انتقد فيها الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، وأعرب عن دعمه لإيران، في الوقت الذي أعلن فيه حرصه على العمل مع (إسرائيل) وتقديم دعمٍ غير مشروطٍ لحماس.
وإذا لم تكن الغرابة واضحة في هذه التصريحات، فلم تمر دقائق قبل إعلان السلطات أنّ الموقع قد تعرض للاختراق وأنّ الأمير لم يصدر أي من تلك التصريحات في ذلك اليوم.
ولم يوقف ذلك القنوات الإخبارية التي تتخذ من الإمارات مقرًا لها، مثل قناة العربية وسكاي نيوز العربية من بث التغطية المتتالية لهذه التصريحات الكاذبة. وادعوا أنّ التصريحات كانت حقيقية، وجاءوا بالمحللين لانتقاد القيادة القطرية ودعوة الشعب للوقوف ضد قيادة بلادهم.
وفي الوقت نفسه، تمّ إنشاء حسابات على موقع تويتر تشير عناوين بروتوكول الإنترنت الخاص بها أنّها إماراتية ومصرية، مع مزاعم بانتمائها إلى شخصيات معارضة قطرية وحتى جنود منشقين. وحتى الآن، كان جرس الإنذار يرن بصوتٍ عالٍ وواضحٍ في الدوحة، حيث كان الصدام بين دول مجلس التعاون الخليجي يأخذ بعدًا جديدًا تمامًا.
بحثًا عن الانتقام
وعلى الرغم من المحاولة الفاشلة لحشد المعارضة ضد الشيخ «تميم»، استمرت حرب التضليل. وبعد يوم، تمّ نشر تقارير ومقالات إخبارية تتهم قطر برعاية الإرهاب وزعزعة استقرار المنطقة من قبل القاهرة والرياض وأبوظبي.
وكان الخيط المشترك بين تلك العواصم هو موقفها من ما يسمى بالربيع العربي. وبعد أن خرج الملايين من الناس إلى الشوارع في عام 2011، داعين إلى الحرية والديمقراطية، بدأت المنطقة ترى الانقسامات عبر خطوطٍ جديدة، بين أولئك الذين دعموا الانتفاضات في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن وأولئك الذين عارضوا ذلك.
وكانت السعودية ومصر والإمارات، بالطبع، من بين القوى التي عملت بلا كلل للانقلاب على الثورات. إلا أنّ قطر قد اتخذت قرارًا بإلقاء ثقلها ومواردها وراء جماعات مثل الإخوان المسلمين الذين كانوا من القوى الكبرى في الربيع العربي.
وبالتالي، اعتبرت أبو ظبي أنّ هذا خيانة، ليس فقط لأنّ الدوحة كانت تتبنى سياسة خارجية مختلفة عن تلك التي وافق عليها جميع الأعضاء الآخرين في مجلس التعاون الخليجي، ولكن أيضًا لأنّ الإمارات تنظر إلى الإخوان المسلمين، فضلًا عن الحركات السياسية الأخرى في المنطقة، كتهديداتٍ وجودية لنظامها السياسي غير الديمقراطي والسلطوي.
وعندما أُجبر الرئيس المصري آنذاك «حسني مبارك» على التنحي أمام المطالب الشعبية، بدا أنّ معظم الدول العربية الأكثر اكتظاظًا بالسكان كانت على طريق الديمقراطية، وهو ما سبب القلق والتوتر في دولة الإمارات.
وهم لم يخافوا فقط من تأثير قطع الدومينو الذي قد يدفع الثورات للوصول إليهم، لكنّهم كانوا غاضبين أيضًا من أنّ «مبارك»، أقرب حليفٍ لأبيهم المؤسس (الشيخ زايد)، قد أُجبر على التنحي عن السلطة، وكان ذلك بمساعدة شبه الجزيرة الصغيرة التي تسمى قطر. وأبطن الإماراتيون غضبهم تجاه جيرانهم، وتعهدوا بالانتقام.
ولم يكن من المستغرب بعد ذلك أن تنشر شخصيات سعودية وإماراتية بارزة التغريدات باستخدام وسم (Game Over Qatar) و (Good bye Tamim) بمعنى (اللعبة انتهت ياقطر) و (مع السلامة يا تميم) على التوالي.
السعي وراء العرش
ولكي نفهم لماذا يتبع السعوديون الأجندة المناهضة لقطر بنفس القوة التي يعمل بها الإماراتيون، يجب أن يفهم المرء الصراع على السلطة الذي يجري حاليًا داخل المملكة الغنية بالنفط.
واليوم، يحكم السعودية ملكٌ يبلغ من العمر 81 عامًا، وهو واحدٌ من آخر الأبناء المتبقين للأب المؤسس للبلاد. والاعتقاد المشترك هو أنّه لن يكون موجودًا لفترة طويلة جدًا، ويجري الانتظار لأحد رجلين لخلافته، ابن أخيه، «محمد بن نايف»، وابنه «محمد بن سلمان».
ومحمد بن سلمان هو وزير الدفاع في المملكة، يبلغ من العمر 31 عامًا، وهو الأمير صاحب الطموح الواسع. وهو الرجل وراء الحرب على اليمن التي دمرت كل شيء في البلاد، وهو شخصٌ، وفقًا لرجل دولة سابق، مستعد لبيع والده شخصيًا ليصبح ملكًا.
ويوجد اعتقاد شائع بأنّه لكي يكون المرء ملكًا في السعودية، يجب عليه أن يضمن الحصول على مباركة ثلاثة من أصحاب المصلحة الرئيسيين، وهم آل سعود والمؤسسة الدينية والولايات المتحدة الأمريكية. والحقيقة هي، إذا كنت تضمن واشنطن، فقد ضمنت الاثنين الآخرين.
وهذا ما وضع قطر على خط النار مرةً أخرى. وقد وعدت الإمارات، التي تعتمد على علاقاتها بجماعات الضغط على مدى أعوام (كما كشفت تسريبات حساب البريد الإلكتروني لسفيرها في الولايات المتحدة يوسف العتيبة) بأن تضمن موافقة واشنطن على تولي «محمد بن سلمان» للعرش مقابل انضمام السعودية إليها في الحرب ضد قطر. ووفقًا لمصادر في البلاط الملكي، وافق الأمير الشاب على العرض.
حقبة جديدة من العنف؟
وليس من قبيل المصادفة أن يأتي التصعيد الأخير بعد أيامٍ فقط من زيارة الرئيس «دونالد ترامب» للرياض.
وكل هذا قد يبدو منفصلًا عن الولايات المتحدة. وقد يبدو وكأنّه قتالٌ بين العرب ليس له تأثير على أمريكا، لكنّ هذه ليست الحقيقة. ولكي نكون واضحين، فهذه الدول هي من أكبر الدول المصدرة للنفط والغاز في العالم، وأكبر قاعدة عسكرية للولايات المتحدة توجد في قطر، ويعتمد التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية اعتمادًا كبيرًا على الخدمات اللوجستية والاستخباراتية التي تقدمها دول الخليج.
لكنّ هناك أشياءٌ أكبر على المحك هنا. فمن خلال سفيرها في واشنطن، نجحت الإمارات في شراء النفوذ في مراكز التفكير الرئيسية ووسائل الإعلام التي ساعدت بدورها على تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية بالطريقة التي يرغب بها الإماراتيون، وليست الأفضل لأمريكا. ويبدو أنّ التأثير الأجنبي لا يقتصر على المشاركة الروسية في انتخابات العام الماضي.
علاوةً على ذلك، فقد اشتعلت النيران في العالم العربي بالفعل، حيث تساعد الصراعات في سوريا والعراق واليمن وليبيا في زعزعة استقرار المنطقة بأكملها، وكلها عاملٌ في صعود الإرهاب سواء في الداخل أو في الخارج. وآخر ما يحتاجه العالم إليه هو صراعٌ جديدٌ يفسد الجزء المستقر الوحيد في الشرق الأوسط.
وتضع الإمارات والسعودية الآن حصارًا على قطر، بكل معنى الكلمة. وقد اتخذوا سكان البلاد البالغ عددهم 2.8 مليون رهينة في محاولة لإجبار الشيخ تميم وحكومته على الاستسلام لمطالبهم.
لكن حتى ولو لم تتفق واشنطن مع سياسة قطر، فلا ينبغي أن تسمح بذلك، وإلا فإنّها ستعني نهاية الدبلوماسية الدولية والبدء في حقبة الثأر الدولي.
جمال الشيال - ميدل إيست آي-