علاقات » خليجي

بعد "مراعاة الحالات الإنسانية".. هل يجنح الخليجيون للحوار؟

في 2017/06/13

في خطوة تعكس قدراً -ولو ضئيلاً- من التراجع عن حالة الحصار التي تسعى السعودية والإمارات والبحرين فرضها على الجارة قطر، أعلنت الدول الثلاث، الأحد 11 يونيو/حزيران 2017، اتخاذ إجراءات لمراعاة الحالات الإنسانية في ملف الأسر المشتركة مع دولة قطر.

وكانت الدول الثلاث أعلنت، الاثنين 5 يونيو/حزيران 2017، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، وأغلقت كافة الحدود المشتركة معها براً وبحراً وجواً، في محاولة لفرض حصار كامل على الدوحة، التي يقولون إنها تموّل الجماعات والتنظيمات الإرهابية، وهو ما تنفيه قطر جملة وتفصيلاً.

ولمزيد من الضغط، طالبت هذه الدول رعاياها المقيمين في الدوحة بمغادرتها خلال 14 يوماً، وطلبت من المواطنيين القطريين الموجودين على أراضيها المغادرة في غضون الفترة نفسها، الأمر الذي أحدث بلبلة اجتماعية كبيرة؛ بسبب تداخل العلاقات الاجتماعية والمصاهرات بين العواصم الأربع، كما أن تطبيق هذه القرارات أوقع انتهاكات كبيرة لحقوق المواطنين، بحسب منظمات دولية.

- تنديد وتهدئة

لكن الرياض وأبوظبي والمنامة عادت وأعلنت، الأحد 11 يونيو/حزيران 2017، أنها أمرت بمراعاة البعد الإنساني خلال تطبيق قرار المقاطعة، ونقلت الوكالات الرسمية للعواصم الثلاث أن هذا التراجع جاء "تقديراً للشعب القطري الشقيق".

وخصّصت وزارات الداخلية في الدول الثلاث أرقاماً هاتفية لتلقّي هذه الحالات، واتخاذ الإجراءات المناسبة حيالها تنفيذاً لهذه التوجيهات، حسبما نشرته وكالة الأنباء الكويتية (كونا).

وجاء القرار بعد يوم واحد من تنديد منظمة العفو الدولية (أمنستي) بما وصفتها بـ "الإجراءات التعسفية" بحق حاملي الجنسية القطرية وغيرهم من حاملي جنسيات الدول الثلاث، الذين باتوا عرضة للتشتُّت الأسري جراء قرارات قالت إنها "تمثّل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان".

ودعت المنظمة الدولية، في بيان السبت 10 يونيو/حزيران 2017، الدول الخليجية للعدول السريع عن تلك القرارات، وهو الموقف الذي اتخذته منظمات حقوقية أخرى، وتبنّته عدة حكومات غربية، من بينها فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا.

ويأتي هذا في وقت قالت فيه اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر، الأحد، إن توجيهات الدول المقاطعة لها بمراعاة الحالات الإنسانية للأسر المشتركة مع قطر "مناورة تفتقد لآلية عملية للتطبيق على أرض الواقع".

وعبّرت اللجنة عن خشيتها "من أن تكون هذه الخطوة من أجل تحسين صورة هذه الدول أمام الرأي العام فقط، لا سيما بعد ما تسبّبت فيه من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان؛ نتيجة الإجراءات التعسفية والحظر والحصار الذي فرضته على دولة قطر".

ووصفت هذه الخطوة بأنها "مناورة لتغطية الانتهاكات الصارخة التي لحقت بحقوق الإنسان، والتي تدخل في عداد الجرائم الدولية".

وكانت الحكومة القطرية أكّدت، الجمعة 10 يونيو/حزيران 2017، أن مواطني الدول التي قطعت العلاقات مع قطر لهم كامل الحرية في البقاء في قطر وفقاً للقوانين المعمول بها. وقالت وزارة الداخلية القطرية في بيان: "دولة قطر وفقاً لمبادئها وقيمها الثابتة تعمل على تجنّب الخلافات السياسية مع الدول وحكوماتها في التعامل مع الشعوب الشقيقة والصديقة".

وتحمل صيغة البيانات الثلاثة التي صدرت تخفيفاً للقيود التي فُرضت مع إعلان المقاطعة، إشارات إلى أنها صيغت على نحو واحد، الأمر الذي يشير إلى أن ثمة تراجعاً ما طرأ على مواقف الدول الثلاث، فدفعها لاتخاذ نفس القرار والإعلان عنه بنفس الصيغة، ما لم يكن الأمر مقصوداً منه الإشارة لوحدة الموقف من الدوحة.

- تحرّك سياسي وعسكري

وخلال الأيام التي أعقبت اندلاع الأزمة بين دول مجلس التعاون، قام وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بجولات مكّوكية في عواصم غربية، والتقى نظراءه في روسيا وألمانيا، وقد أعقب هذه اللقاءات تصريحات واضحة من هذه الدول بضرورة رفع الحصار "غير المقبول" على قطر وبشكل فوري.

وبالتزامن مع التحركات الدبلوماسية، أقرّ البرلمان التركي تفعيل اتفاقيات عسكرية تم توقيعها بين البلدين قبل أقل من عامين.

وفي حوار أجراه مع قناة "روسيا اليوم"، السبت 10 يونيو/حزيران 2017، شدد وزير الخارجية القطري على حق بلاده في عقد أي تحالفات عسكرية مع من تشاء، وأن ذلك من ضمن سيادتها كدولة مستقلة.

ووفقاً لموقع وزارة الخارجية القطرية، فقد لفت الوزير إلى أن الدول الخليجية اتخذت ضد قطر إجراءات لم تتخذها ضد دول تعتبرها عدوة، مؤكداً أن دولة قطر حين تريد أن تتخذ خطوات فإنها تتخذها بشكل علني وليس في الخفاء.

وبينما تذهب بعض التكهّنات إلى احتمالية اندلاع حرب خليجية رابعة، يؤكد الصحفي المصري، حافظ الميرازي، أنه "لن تستطيع أي دولة خليجية تحريك جندي واحد باتجاه جارتها".

وفي حديث لوكالة الأنباء الألمانية، أكد الميرازي أن دول الخليج "فهمت اللعبة تماماً منذ غزو العراق للكويت عام 1991، ولم يعد هناك مجال لأن يقنع طرف آخر أي دولة بالدخول في مغامرة عسكرية جديدة مع أي من جاراتها".

وكانت جهود الوساطة الكويتية قد تعطّلت مؤقتاً؛ بسبب إصرار السعودية والإمارات على تنفيذ قطر مطالب محددة، على رأسها الاتفاق الخليجي السابق في عام 2014، في حين رفضت الدوحة قبول أي إملاءات على سياستها الخارجية.

- دعوات للتهدئة

وسبق أن قال وزير الخارجية القطري إن بلاده لن تقبل بأي تدخّل في سياستها الخارجية، وإنها قادرة على الصمود في وجه هذه المقاطعة للأبد.

والأحد 11 يونيو/حزيران 2017، نقلت وكالة رويترز، عن مصادر في وزارة الخارجية التركية، أن وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، ونظيره التركي مولود جاويش أوغلو، ناقشا الخلاف الخليجي في اتصال هاتفي، في وقت متأخر من مساء السبت.

وجاءت المكالمة، التي أجريت بطلب من تيلرسون، بعد أن حثَّ الوزير الأمريكي، الجمعة 9 يونيو/حزيران 2017، السعودية ودولاً خليجية أخرى على تخفيف الحصار على قطر، قائلاً إنه يتسبب في تبعات إنسانية، ويؤثر في الحرب التي تقودها الولايات المتحدة على تنظيم الدولة.

وكان رئيس الوزراء التركي، بن علي يلديريم، قد أكّد، السبت 10 يونيو/حزيران 2017، أن بلاده تشهد حراكاً دبلوماسياً نشطاً خلال الفترة الحالية؛ من أجل عدم تعميق الهوة بين دول المنطقة.

وحذّر يلديريم من احتمال تحوّل الخلاف الخليجي من أزمة إقليمية إلى أزمة دولية "مرتفعة جداً"؛ نظراً لأهمية المنطقة من الناحية الجيوسياسية. مضيفاً: "لذلك ندعو الجميع إلى التصرّف بمسؤولية لتخفيف حدّة الأزمة".

ويعتقد المحلل السياسي المصري، حسن نافعة، أن "ما يحدث أكبر من علاقة قطر بمجلس التعاون الخليجي، بل هو جزء من ترتيبات أكبر لمحاولة إيجاد تسوية للقضية الفلسطينية".

وفي حوار مع قناة "الحرة" الأمريكية، أضاف نافعة: "السعودية بدأت تسير في هذا الاتجاه. ربما يُراد إحياء المبادرة العربية، ولكن بإعادة تغيير الأولويات. ما نراه الآن من تحرّكات هو جزء صغير من جبل الثلج".

وأكّد المحلل المصري أن ما يحدث "هو محاولة ضغط من السعودية، التي تم تكريسها قائدة للمنطقة العربية لإجبار قطر على قطع علاقتها بكل التنظيمات التي تعتبرها السعودية ومصر منظمات إرهابية؛ كحركة حماس وحزب الله، فضلاً عن الانتظام في الموقف الخليجي الذي يعتبر إيران مسؤولة عن تردّي الأوضاع في المنطقة".

وبينما تتواتر التكهّنات بشأن ما يمكن أن تصل إليه الأمور، تبقى كل الخيارات مطروحة على الطاولة، خاصة أن الانتقادات المتبادلة بين مسؤولي دول الأزمة لا تشير إلى حدوث أي خرق في جدار الأزمة التي بدأت قبل أسبوع.

يوسف حسني - الخليج أونلاين-