انتشر الصراع بين السعودية وقطر بسرعة خارج مجلس التعاون الخليجي. وجاءت الذروة في 5 يونيو/حزيران، عندما انضمت مصر إلى السعودية والبحرين والإمارات في قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع قطر، والتي هي أيضًا عضوٌ في التحالف السياسي والاقتصادي الخليجي. وفي الأيام التالية، بدأت البلدان داخل المنطقة وخارجها في إعادة تقييم علاقاتها الدبلوماسية مع كل طرف في النزاع لاتخاذ القرار لأي جانب ستنحاز.
وزن الخيارات
بالنسبة للإمارات ومصر والبحرين، فإنّ الضغط على قطر هو أمرٌ طبيعي وشائع. وعلى غرار حليفتها المقربة السعودية، تلقي هذه الدول باللوم على قطر في إثارة عدم الاستقرار الإقليمي، وتستاء من الانتقادات الموجهة إلى حكوماتها وأنظمتها السياسية من قبل وسائل الإعلام القطرية. كما يشعرون بالتوتر إزاء تأثير إيران في المنطقة. ولم يكن أمام بلدانٍ أخرى سوى خيارٌ ضئيلٌ في هذه المسألة. فعلى سبيل المثال، اضطرت إدارة الرئيس اليمني «عبد ربه منصور هادي» إلى الانضمام إلى الحملة السعودية ضد قطر بسبب دعم الرياض له في الحرب الأهلية اليمنية. وفي الوقت نفسه، اختارت حكومة طبرق شرق ليبيا، ومجلس النواب، مقاطعة قطر، بالنظر إلى تحالفاتها القوية مع السعودية والإمارات ومصر. كما أعطت مختلف الدول ذات الأغلبية المسلمة في أفريقيا الأولوية لعلاقاتها مع الرياض من خلال انتقاد الدوحة.
بيد أنّ الخيار لم يكن واضحًا بالنسبة لدولٍ أخرى. ولا يمكن للسودان، الذي تعمقت علاقاتها الاقتصادية مع قطر في السنوات الأخيرة، أن تلبي إصرار السعودية على دفعها للانضمام إلى حملة ضد قطر. كما ستواصل باكستان مقاومة إكراه الرياض لها بشأن ذات الأمر، في إطار سعيها للحفاظ على الحياد بين السعودية وإيران.
وبين الأعضاء الآخرين في مجلس التعاون الخليجي، كان الوضع أكثر صعوبة. وتفخر الكويت وعمان بالحياد وسمعتهما كوسيطتين في النزاعات الإقليمية. كما أنّها تشعران بالاستياء من جهود السعودية للسيطرة على مجلس التعاون الخليجي، على الرغم من أنّها لم تعبر عن عدم رضاها بشكلٍ علنيٍ كما فعلت قطر. وقد بذلت كلتا الدولتين، اللتان استضافتا المحادثات حول الأزمة في اليمن، قصارى جهدها لتهدئة التوترات بين السعودية وقطر. ولكن منذ أن أمضى أمير الكويت يومًا حافلًا يدعو فيه إلى الدبلوماسية في زياراتٍ إلى السعودية والإمارات وقطر في 6 يونيو/حزيران، كانت النتيجة تصاعد النزاع فقط. ولم تحظ سلطنة عمان بالكثير من النجاح في إقناع الدوحة بالتراجع عن مواقفها في يومٍ سابق.
التخندق للقتال
لقد صمدت قطر أمام الضغوط الدولية المتزايدة، جزئيًا، بسبب الدعم الذي تتلقاه من أماكن أخرى. فالعلاقات العسكرية مع تركيا، على سبيل المثال، لم تمكن الدوحة من تنويع شراكاتها الأمنية فحسب، بل وفرت لها أيضًا تعزيزًا في الصراع الحالي. وكان البرلمان التركي قد قرر في 7 يونيو/حزيران إرسال المزيد من القوات إلى قطر، حيث تخطط أنقرة لبناء قاعدة. وعلى الرغم من أنّ تركيا تتمتع بعلاقاتٍ مثمرة مع السعودية والإمارات، إلا أنّ أهداف السياسة الخارجية التي تتشاركها مع قطر، بما في ذلك دعم الجماعات الإسلامية الإقليمية، تعطيها حافزًا أكبر لدعم الدوحة. وعلاوةً على ذلك، تتفق الجهود التي تبذلها قطر للوقوف في مواجهة النفوذ السعودي مع طموح أنقرة للحد من قوة الرياض، لكي تصبح تركيا هي القوة السنية السائدة في المنطقة.
وأبعد من ذلك، كانت روسيا مصدرًا قيمًا آخر لدعم قطر. وقد ازدهرت العلاقات التجارية بين البلدين على مدى الأعوام القليلة الماضية، خاصةً مع تولي الأمير القطري الشيخ «تميم بن حمد آل ثاني» السلطة عام 2013. وحققت الدوحة دخلًا بنحو 2.5 مليار دولار لموسكو، وحصلت مؤخرًا على حصة كبيرة من شركة روسنفت، عملاقة النفط في روسيا. ولا تزال روسيا، مثل تركيا، تحتفظ بعلاقاتها مع بقية دول الخليج، في الوقت الذي تتخطى فيه الأزمة بين دول مجلس التعاون الخليجي. ومع ذلك، فإنّ دعمها سيعطي قطر مزيدًا من القوة في النزاع الدبلوماسي، مع إتاحة الفرصة أمام موسكو للتأثير على الوضع الذي قد يعرض العلاقات الأمريكية مع الكتلة الخليجية للخطر على المدى الطويل.
وبعد كل شيء، تحتاج قطر إلى علاقاتٍ دفاعية وظيفية مع كل من الدول الأعضاء في الكتلة، وكلا طرفي النزاع واثقان من أنّهما يحظيان بالدعم الكامل. ولكن من خلال مساعدة السعودية وقطر على حدٍ سواء، يمكن للولايات المتحدة أن تطيل الخلاف. ولا تستطيع واشنطن تحمل خطر تعجيل تفكك مجلس التعاون الخليجي، وذلك بسبب علاقاتها الاستخباراتية والأمنية والعسكرية العميقة مع الكتلة.
غير أنّ قطر في وضعٍ يمكّنها من الخروج من الأزمة، بفضل سياستها الخارجية وشراكاتها الاقتصادية المتنوعة. وفي الوقت نفسه، ستواصل الإمارات والسعودية تصعيد مطالبهما. وفي 9 يونيو/حزيران، أصدرت الدولتان إلى جانب مصر والبحرين، قائمةً مشتركة تضم 59 فردًا و12 كيانًا يرتبطون بقطر، وضمتها لقوائم الإرهاب. وقد رفضت قطر على الفور هذه القائمة، وقالت أنّها «لا أساس لها من الصحة»، مما يشير إلى أنّ الدوحة تقوم بحفر خندقها من أجل معركةٍ طويلة.
ستراتفور- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-