إن لعبة القوة الخطيرة التي تمارس في الخليج، حيث تحارب السعودية وحلفاؤها الإمارة الطموحة قطر، في محاولة لخنق سياستها تطلق أجراس الإنذار في العالم، باستثناء الأبيض البيت، حيث تدعم تغريدات الرئيس «دونالد ترامب» السعوديين في اعتقاد ظاهري أن عملهم يمثل ضربة حاسمة ضد «التطرف الجهادي».
ومن المؤكد أن أمير قطر الشاب «تميم بن حمد آل ثاني»، البالغ من العمر 37 عاما، يواجه مأزقا كبيرا. وكانت قمة الشهر الماضي في الرياض التي قام فيها السيد «ترامب» بالحصول على مئات المليارات من الدولارات من الاستثمارات وعقود الأسلحة من السعوديين وتحريضهم على قيادة جهاد سني ضد إيران الشيعية هي التي شجعت السعودية وحلفاءها على التحرك ضد قطر. ومع ذلك، يبدو أن ولي ولي العهد السعودي الشاب «محمد بن سلمان»، 31 عاما، الذي يتولى فعليا مقاليد الحكم في المملكة نيابة عن والده المريض، يحفر لنفسه حفرة هو الآخر.
تشعر الرياض بالخطر نظرا لأن قطر تحافظ على خطوط مفتوحة مع إيران، المنافس الإقليمي للسعودية. هذه التهمة مريحة وتأتي في الوقت المناسب في ضوء موقف «ترامب» من إيران، لكنها ليست الأخطر، بالنظر إلى أن سلطنة عمان، وإلى حد ما الكويت، وحتى الإمارات يتمتعون بعلاقات جيدة مع إيران.
ولكن السبب الحقيقي للخلاف بين الكتلة السعودية، وبين قطر، وهو أنه على مدار عقدين من الزمان، تتخلي الدوحة بشكل واضح عن شرعية الملكيات المطلقة في الخليج والجمهوريات الاستبدادية العلمانية إلى الشمال. وأعطت قناة الجزيرة الفضائية التي أسسها آل ثاني في عام 1996 صوتا للمعارضين الإقليميين والإسلاميين يصل إلى داخل غرف المعيشة العربية. وقد أغضبهم بشكل خاص دعم الجزيرة لجماعة الإخوان المسلمين، وهي الحركة الإسلامية التي استولت على السلطة في مصر بعد سقوط «حسني مبارك»، إلا أن الجيش أطاح بها في عام 2013، وتقديمها منصة إعلامية للداعية «يوسف القرضاوي» أحد المنظرين المحسوبين على الجماعة.»
كانت قراءة المملكة العربية السعودية للربيع العربي معاكسة تماما حيث قمعت المعارضة وأنفقت المليارات من الدولارات على رعاياها وخلفائها الخارجيين مثل «عبد الفتاح السيسي»، قائد الجيش الذي تولى السلطة في مصر وقام بحظر الإخوان. وبعد انهيار أسعار النفط، قام «بن سلمان المسؤول عن الاقتصاد والسياسة الخارجية والدفاع، بهندسة خطة لإصلاح اقتصاد البلاد في الداخل وتبني سياسة حازمة في الخارج، وكانت النتائج مختلطة في أفضل الأحوال.
لا يمكن لأحد أن يطعن في طموح رؤية 2030 لفطم المملكة عن النفط وبناء القطاع الخاص. لكن «بن سلمان» اضطر للانقلاب بشكل مهين على خطته بعد عدة أشهر وإعادة الأموال التي تم خفضها من مخصصات موظفي الخدمة المدنية وموظفي الدولة. عندما يمثل القطاع الحكومي أكثر من نصف القوة العاملة، وتعتمد جميع الأعمال الخاصة تقريبا على إنفاق الدولة، فإن التخفيضات من هذا الحجم تعني انهيار الاستهلاك. كان ينبغي أن يكون ذلك واضحا من البداية.
ومن خلال حملته في اليمن كان «بن سلمان» يرغب في إعطاء درس قصير ليس فقط إلى المتمردين الحوثيين، ولكن أيضا لإيران ووكلائها في سوريا. ولكن على مدار أكثر من عامين لم تتمكن أغني الدول العربية من هزيمة أفقرها رغم فيضان الأسلحة الأمريكية التي تشتريها. ولكن ولي ولي العهد، الغر سياسيا، لا يريد فقط إخضاع قطر، ولكنه هدد إيران الشهر الماضي أنه سينقل المعركة إلى عقر دارها. ومن المتوقع تبعا لذلك أن تلوم إيران المسؤولين السعوديين على هجمات الأسبوع الماضي، وهو أكثر مما يستطيع «بن سلمان» مضغه.
ووفقا لرجل دولة غربي تحدث شريطة عدم الإفصاح عن هويته: «لديك أطفال يتصرفون بشكل جنوني ويتخذون قرارات متسرعة»، وهذا له عواقب. هناك مجال واسع للحوادث التي تؤدي تصعيد غير محسوب العواقب.
وقال «محمد جواد ظريف» وزير خارجية إيران في منتدى أوسلو هذا الأسبوع إن «إيران ناضجة بما فيه الكفاية لتدرك أنها لا تستطيع استبعاد السعودية من المنطقة. السعوديون بحاجة إلى أن يكبروا أيضا ويدركوا أنه ليس بإمكانهم استبعاد إيران».
«فاينانشيال تايمز»-