إن الجهد الدراماتيكي والمفاجئ لعزل قطر، مثل التدخل المشؤوم سابقا في اليمن، نشأ من الرؤية المشتركة لأميرين. يعتمد الأمر على وجهة نظرك، يمكنك أن تراهما عرابين لشرق أوسط جديد أفضل، أو مهندسين متهورين يقودان المنطقة إلى كارثة.
في الواقع، لعل العلاقة الأكثر أهمية في المنطقة هي علاقة «محمد بن سلمان»، ولي ولي العهد السعودي البالغ من العمر 31 عاما، و«محمد بن زايد»، ولي عهد أبوظبي البالغ من العمر 56 عاما. وهما لا يتشاطران الرغبة في شن معارك مزدوجة ضد إيران والتطرف الإسلامي فحسب، بل أيضا يتشاركان التقدير العميق لاعتماد دول الخليج على الولايات المتحدة. وقد استثمرا معا في العلاقة مع الرئيس «دونالد ترامب» الذي يتوق إلى إظهار أن لديه استراتيجية جديدة لهزيمة الإرهاب ومواجهة طهران.
ويمكن فقط تخمين أسباب الاحترام المتبادل بين الأمراء في الدول الخليجية التي لا يزال يكتفها الغموض. ولكن الواضح أن الرجلين يجمعها علاقة معلم بمتعلمه، في الوقت الذي ينظر فيه «بن زايد» إلى «بن سلمان» بوصفه ملك السعودية المستقبلي الذي يحتاج إلى النصح من قبل معلم أكثر خبرة. ويبدو أن «محمد بن سلمان»، مع كل ما يحمله من غطرسة، يقبل توجيهات «بن زايد» لكنه مرعوب من تصور أنه ربما يصبح الشريك الأصغر.
يمكن القول إن كلا الرجلين هما القوة الكامنة وراء عروش بلدانهما. يسيطر «محمد بن زايد» على أبوظبي التي تمتلك معظم احتياطي النفط في دولة الإمارات العربية المتحدة، منذ تعيينه نائبا لولي العهد في عام 2003 ثم وليا للعهد عام 2004 بعد وفاة الشيخ «زايد» مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة. ومن الناحية النظرية، فإن أخيه الأكبر «خليفة» هو حاكم أبوظبي ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ككل، ولكن صحته دمرتها السكتات الدماغية المتعاقبة وأمراض أخرى ولم يعد يظهر إلى العلن. ويتبع «محمد بن سلمان» نفس المسار تقريبا بعد أن تم تعيينه كولي لولي العهد بعد ثلاثة أشهر فقط من صعود والده إلى العرش مطلع عام 2015. وخلال عامين فقط استطاع «محمد بن سلمان» جمع نفوذ يعادل نفوذ «بن زايد» بما يمكن الرجلين من التفاوض وتحديد السياسات على قدم المساواة. ويبدو أن الملك «سلمان» ملتزم بوضوح تجاه نجله، وهو يلقي بثقله خلف كل سياسة يقررها.
ومع ذلك، فإن العائق الرئيسي أمام تقدم «محمد بن سلمان» إلى العرش هو ابن عمه ولي العهد السعودي «محمد بن نايف»، 57 عاما، والذي يبدو وكأنه في غيبوبة وفق تعبير أحد المسؤولين الأمريكيين. ويعتقد أن «محمد بن نايف»، نجل وزير الداخلية وولي العهد الأسبق «نايف بن عبد العزيز»، يزدري «محمد بن زايد» نتيجة لوثيقة ويكيلكس التي نقلت تشبيه «بن زايد» لوالده بالقرد. لذلك يبدو أن «بن زايد» ينظر إلى احتمال أن يكون «بن نايف» ملكا بوصفه خطر كبير، وهو يريد تصعيد نائبه الاسمي بدلا منه.
تحالف الكوارث
وحتى اندلاع أزمة قطر الأسبوع الماضي، لم تكن حصيلة بطاقة شراكة «بن زايد» و«بن سلمان» جيدة. يسيطر المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران على العاصمة صنعاء، مع غياب القوات الموالية للزعيم المعترف به دوليا، الرئيس «عبد ربه منصور هادي» عن الأفق. وكان أداء الجيش السعودي مهتزا بما في ذلك سلاح الجو الذي أسقط قنابله فوق المدنيين. وترك كل ذلك البلاد تخوض كارثة إنسانية شديدة، على الرغم من إصرار الرياض على توجيه كل اللوم إلى الحوثيين.
كان أداء الإمارات في جنوب اليمن أفضل بشكل عام ولكنه جاء مكلفا. وأصبحت الإصابات الإماراتية قضية محلية، مع تكرار زيارات «بن زايد» إلى الجرحى من قواته وعائلاتهم في المستشفيات. ومما لا شك فيه أن الصراع تسبب في زيادة نفوذ تنظيم القاعدة. وفي أوائل مايو/ أيار، قال مراسل لصحيفة لندن تايمز، الذي خاض في رحلة إلى عدن سهلتها دولة الإمارات العربية المتحدة: «تمكنت القوات الموالية للرئيس هادي (....) من دفع الحوثيين من المناطق الساحلية الجنوبية حول عدن، بدعم من القوات الخاصة الإماراتية والمقاتلين المتحالفين مع القاعدة». وأشار مراسل الإيكونوميست، الذي كان يسافر معه، إلى التنافس بين الرئيس «هادي» وحاكم عدن، الذي اشتكى من أن «هادي» كان يجند مقاتلي القاعدة.
كما يتناقض الأميران بعض الشيء عندما يتعلق الأمر بقطر. يركز «بن زايد» بشكل رئيس على تعاطف الدوحة مع عناصر جماعة الإخوان المسلمين، ولاسيما الدعم الذي قدمته إلى إدارة «مرسي» القصيرة الأجل في مصر بينما يعتقد أن «محمد بن سلمان» يركز بشكل أكبر على إيران التي يعتقد أنها قوة مزعزعة للاستقرار في المنطقة. ويشعر كلا الرجلين بالقلق إزاء النهج الحذر الذي تتبعه قطر تجاه إيران، كما يشعران الغضب إزاء تغطيات وسائل الإعلام القطرية، ولاسيما محطة الجزيرة الفضائية. وتعتبر إمارة أبوظبي الأمير القطري «تميم بن حمد آل ثاني» امتدادا لوالده الذي تنازل عن السلطة لصالح ابنه في عام 2013 وأصبح الآن يحمل اسم «الأمير الوالد» والذي وضع أسس السياسة المزعجة للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
تدابير مجهزة
إن التعامل مع أزمة قطر وتحولاتها ليست مهمة سهلة. كانت التدابير السعودية الإماراتية مجهزة بشكل مسبق سواء أكان الأمير «تميم» قد أدلى بتعليقاته المتعاطفة عن إيران التي تنكرها قطر أم لا. وتطرح تدابير قطع العلاقات الدبلوماسية وإغلاق الحدود البرية والمجال الجوي أسئلة هامة حول ما يرغب فريق «بن سلمان - بن زايد» في تحقيقه. وكان موقف واشنطن نفسه مشوشا في الأسبوع الماضي عندما انتقد الرئيس «ترامب» علاقات قطر المزعومة بتمويل الإرهاب بعد مضي 90 دقيقة على طلب وزير الخارجية «ريكس تيلرسون» من السعوديين والإماراتيين أن يهدءوا. كثير من المحللين الخليجيين قلقون من أن قطر لن تستسلم، وسوف تجني إيران المكافآت الدبلوماسية.
بصرف النظر عن «بن سلمان» و«بن زايد»، هناك على الأرجح اثنان من اللاعبين الرئيسيين الآخرين: سفير دولة الإمارات العربية المتحدة لدى الولايات المتحدة «يوسف العتيبة» ومستشار الرئيس ترامب وصهره «غاريد كوشنر». «عتيبة» هو رجل «محمد بن زايد»، وهو صاحب الفضل في ترتيب زيارة «بن سلمان» إلى واشنطن في مارس/أذار. كما كان «عتيبة» من أكثر السفراء نجاحا في تطوير الاتصالات مع «كوشنر»، ونجح عبر ذلك في ترتيب زيارة «محمد بن زايد» شبه السرية إلى برج «ترامب» للقاء الرئيس المنتخب خلال الفترة الانتقالية. (ومن الواضح أن العناصر الرئيسية لمؤتمر الرياض تم الاتفاق عليها عبر رسائل واتساب بين الرجلين).
لكن الإثارة الدبلوماسية لا تؤدي بالضرورة إلى نتائج ناجحة. يرفض «محمد بن سلمان» اليوم لقب مهندس المغامرة العسكرية اليمنية عندما أصبح واضحا أن النصر لن يأتي بسهولة. ويعيق انخفاض أسعار النفط خطة التحول الوطني في البلاد كما أن تخفيضات الدعم، التي كانت تسبب ألم اقتصادي للسعوديين العاديين، قد تم رفعها مؤخرا في عكس لخطط «بن سلمان». وربما يكون بيت سعود الأوسع قد قدر الأثر الضار بشكل أفضل من «بن سلمان» الذي تسببت اليخوت الفاخرة التي اشتراها بمبلغ 500 مليون دولار في الكثير من الإحراج السياسي.
من المبكر أن نحكم حملة «بن زايد -بن سلمان» ضد قطر ستحقق نجاحا سريعا أم ستتحول إلى وضع محرج؟ يعرف الأمير «تميم» ووالده كيفية تغيير المواقف كلما تطلبت الضغوط. ومع استمرار هذه الأزمة، ستصبح الأدوار المحتملة المستقبلية لـ«بن سلمان» و«بن زايد»، سواء بشكل فردي أو معا، في الشرق الأوسط أكثر وضوحا. يمكن أن يعني النجاح خسارة لقطر وإحباطا نسبيا لإيران، ولكن الثقة الزائدة ليست وصفة للنصر، وقد يكون لها عواقب وخيمة ليس فقط على المنطقة ولكن على العالم بأسره.
سايمون هندرسون - بوليتيكو- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-