ركزت قرارات مطلع الشهر الحالي من قبل دول الخليج العربية على وقف التجارة مع هذا البلد الصغير، الغني بالنفط وذلك للفت الانتباه إلى ما يسميه النقاد تمويل قطر للجماعات الإسلامية، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين وحماس.

ويعتقد المحققون أن الأزمة وهمية، بدأت من خلال تسريب رسائل تحريضية تظهر أنها تأتي من أمير دولة قطر. ولكن الخلاف يكشف عن مشكلة طويلة الأمد بين قطر و الدول العربية السنية المجاورة في الخليج.

المملكة العربية السعودية (والتي تتهم أيضا بدعم الجماعات الإرهابية)، والإمارات العربية المتحدة وغيرها كثيرا ما اشتكت من وسائل الإعلام المدعومة من الدولة القطرية مثل الجزيرة وعلاقة قطر مع المنافس الرئيسي للسعودية، القوة الشيعية إيران.

بالنسبة للبعض، فإن الأزمة الحالية هي قصة بسيطة لتضييق الخناق على تمويل الإرهاب. وللآخرين، هي أحدث محاولة لكبح جماح بلد صغير له تاريخ من العمل بطريقته الخاصة.

التوترات القديمة

قبل فترة طويلة من ظهور قوة النفط والغاز، تمت السيطرة على قطر من قبل الغرباء. في أواخر القرن الـ19، كانت تحت تأثير الأتراك العثمانيين ولجزء كبير من القرن 20 كانت قطر محمية بريطانية حتى حصولها على الاستقلال في عام 1971.

وفي عصر النفط والغاز، أصبحت الدوحة تسيطر على احتياطيات الغاز الثالثة الأكبر في العالم، مما جعل قطر واحدة من أغنى الدول.

لكن قادة قطر، وجميعهم من أسرة آل ثاني الحاكمة، مستاءون من الهيمنة والنفوذ المحافظ من قبل المملكة العربية السعودية. وهذا التوتر يعود لعقود، ولكن هنا بعض الضوء عليه:

في عام 1996، أطلقت قطر قناة الجزيرة الفضائية الإخبارية وجلبت نوعا جديدا من التغطية الإخبارية في المنطقة. وكان بعض القادة العرب يئن بسبب تقارير قناة الجزيرة ، باللغة العربية، كما صدمت القناة بعض المشاهدين عن طريق وضع المتحدثين الإسرائيليين على الهواء عندما كانت تغطي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

أثارت قطر السعوديين مرة أخرى بسبب العلاقات مع إيران، التي تشترك معها في موارد الغاز الطبيعي حيث. يمتد حقل بارس الشمالي في قطر إلى المياه الإقليمية الإيرانية، حيث يعرف باسم حقل بارس الجنوبي. وقطر هي أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم.

انزعج الخليج العربي من قطر في عام 2011، عندما احتضنت الدوحة بسرعة انتفاضات الربيع العربي، خاصة في مصر وليبيا وسوريا. ودعمت قطر حكومة الإخوان قصيرة الأاجل في مصر بينما دعمت السعودية والإمارات الانقلاب عليهم بعد أقل من عام.

حريق 2014

كرهت الأسرة الحاكمة في السعودية انتفاضات الربيع العربي ورأت فيها زعزعة للاستقرار في المنطقة وربما تهديدا لحكمها. وكثفت نشاطها الخاص في المنطقة، سواء على الأرض أو دبلوماسيا.

في ليبيا وسوريا دعم السعوديون والقطريون مختلف الجماعات المقاتلة المختلفة التي تتنافس على النفوذ. في عام 2014، قامت دول الخليج، بقيادة المملكة العربية السعودية، بتعليق العلاقات الدبلوماسية مع قطر ، وهددت أن تفعل ما هو أسوأ. والآن، بعد زيارة الشهر الماضي من قبل الرئيس «ترامب» إلى الرياض، عاصمة السعودية، قد فعلت هذه الدول الأسوأ. وهم يطالبون بتنازلات أكبر من قطر، مثل إغلاق قناة الجزيرة وطرد قادة حماس، في مقابل استعادة العلاقات بين البلدين.

ويقول «مهران كامرافا»، رئيس مركز الدراسات الدولية والإقليمية في فرع جامعة جورج تاون في العاصمة القطرية، الدوحة: «هذا هو أكثر مأساوية بكثير من الخلاف الدبلوماسي الذي وقع في عام 2014».

هذه المرة، أغلق السعوديون الحدود البرية الوحيدة لقطر، التي تقوم من خلالها بإدخال نحو 40 في المئة من وارداتها، وأوقفت دول الخليج الشحنات الجوية والبحرية لدولة قطر. وأعطي القطريون في السعودية والإمارات والبحرين مدة أسبوعين للمغادرة، وأعطي مواطنو تلك البلدان الثلاثة مهلة حتى 18 يونيو/حزيران كآخر موعد لمغادرة قطر.

وقد حاولت الكويت التوسط. لكن «فيليب غوردون»، وهو زميل بارز في مجلس العلاقات الخارجية، يقول أن تصاعد المطالب والتوترات ستجعل الحل الدبلوماسي صعبا.

«البعض يسأل عن المطالب: هل هي طرد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وحماس، وإغلاق قناة الجزيرة أم مطالبة قطر بقطع العلاقات مع إيران».

ولكن في أعقاب زيارة «ترامب» إلى الرياض، وتعليقاته التي تلت ذلك و استهدفت قطر على وجه التحديد دون ذكر شكاوى، فإن وجهة النظر بين دول الخليج هو أن لديهم الآن فرصة الضغط لإجبار قطر إلى أن تكون أكثر تعاونا.

تحالف جديد؟

وأجبرت الأزمة قطر لطلب المساعدة من عدة دول، بما في ذلك من إيران. وأفادت وسائل إعلام إيرانية أن البلاد سوف ترسل شحنات «المساعدات الإنسانية» إلى الدوحة. وعبرت روسيا أيضا عن الدعم، وكثفت تركيا جهودها في إرسال المواد الغذائية.

ويقول الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان»: «ما يجري حاليا مع قطر خطأ فادح جدا»، كما انتقد عملية عزل البلاد بالقول بأنها «غير إنسانية وضد القيم الإسلامية».

ويتساءل البعض عما إذا كان كل هذا الضغط على قطر قد يأتي بنتائج عكسية، أو سيشجع قيادة البلاد إلى التحالف مع روسيا وتركيا وإيران.

ولكن «سنان أولجن»، مدير مركز دراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية في إسطنبول، ويقول انه لا يرى أن قطر ستتحالف مع روسيا وإيران وتركيا على الأقل ليس الآن.

وقال: «هناك بالتأكيد خطر، الآن بعد أن انحازت تركيا بقوة مع قطر، هذا من شأنه أن يؤدي إلى زيادة التوتر مع المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر».

وحتى الآن، أرسلت واشنطن رسائل مختلطة حول النزاع، من وزير الخارجية «ريكس تيلرسون» الذي يدعو للهدوء والحوار، والرئيس «ترامب» الذي قال أن الوقت قد حان لوضع حد لتمويل قطر للإرهاب، على حد قوله.

في الوقت نفسه تحافظ الولايات المتحدة على قاعدة عمليات متقدمة تابعة للقيادة المركزية الإقليمية في قطر وقد وقعت للتو صفقة يقال أنها بقيمة 12 مليار دولار لبيع طائرات مقاتلة إلى الدوحة.

يقول المحلل «ستيفن كوك» من مجلس العلاقات الخارجية: «لا تزال جهود حل النزاع في المراحل الأولى، مع عدد من الأسئلة دون إجابة: هل ستستمر جهود الإغاثة التركية؟ هل الإيرانيون على استعداد ل استغلال هذه المشكلة على الجانب الآخر من الخليج؟ وإلى أي مدى ستكون قطر على استعداد لتلبية مطالب السعوديين».

يضيف «كوك»: «ما زلنا في حالة أشبه بفتح العطاءات هنا، لذلك أعتقد أن هذا الأمر سيستمر لفترة أطول».

إن بي آر- ترجمة وتحرير أسامة محمد - الخليج الجديد-