العربي الجديد-
ألقت الأزمة الخليجية الأخيرة، على الأوضاع في دول المغرب العربي، ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا.
ووبحسب صحيفة «العربي الجديد»، فإنه بعيدا عن موقف موريتانيا التي سارعت إلى إعلان تأييدها للحملة على قطر وانحازت إلى الموقف السعودي ــ الإماراتي، فإن بقية الدول رفضت الانخراط في الحملة، باستثناء الأطراف المسيطرة في شرق ليبيا، والتي لا تعبر بالضرورة عن موقف البلاد المنقسمة أصلاً منذ سنوات.
وبدأت أجواء تصفية الحسابات تخيم على منطقة المغرب، بما يمكن أن يزج بها في الصراع مباشرةً، وخصوصاً أن دولة متاخمة للمغرب العربي تعتبر من أهم دول المحور المحاصر لقطر، أي مصر.
حياد
وكان من المفهوم جداً أن يثير الموقف المغاربي المحايد الذي كرسته تونس والجزائر والمغرب، حفيظة السعودية والإمارات والبحرين ومصر، لا سيما أن موقف الحياد أعلن عنه بسرعة وأسقط حسابات ونوايا توسيع الحصار على قطر، وأربك كل الحسابات التي وضعت لتشديد هذا الحصار.
وهذا ما قاد أيضاً إلى مواقف أوروبية مماثلة تقريباً، وربما ساهم بطريقة غير مباشرة في تنبيه بقية الدول إلى ضرورة التعامل مع الملف بكثير من الحذر والجدية والموضوعية، ودراسة انعكاسات نهاياته الممكنة.
ضغوط
ويبدو أن الموقف المغربي قد أغضب المحور الرباعي بشكل خاص.
وبدأت بسرعة محاولات الضغط على المملكة المغربية، من خلال أكثر ملفاتها حساسية، أي ملف الصحراء الغربية.
وفتحت قنوات إعلامية تابعة للمحور الرباعي النار على الرباط، وألمحت إلى أن الصحراء المغربية أرض محتلة، وأن جبهة «البوليساريو» جمهورية صحراوية.
ولكن هذا الموقف الخليجي الجديد سيصب حتماً في مصلحة الجزائر، مؤقتاً، مع العلم بأن الأخيرة لن تسلم، على الأرجح، من الغضب الخليجي.
فقد كان موقفها من الأزمة مماثلاً لموقفي تونس والمغرب، ما دفع وزير الدولة للشؤون الخارجية لدولة قطر «سلطان بن سعد سلطان المريخي»، للإشادة بما وصفه «الموقف المشرف للجزائر من أزمة بلاده مع جيرانها في منطقة دول الخليج».
ويعرف متابعون للشأن الجزائري أن هذا الموقف قد لا يعجب الإمارات بالذات، بحكم العلاقات القوية بين البلدين.
ولكن الجزائر، كما قال الوزير القطري، دولة كبيرة وقوية، ويمكن أن يكون تأثير الغضب الخليجي محدوداً عليها.
في المقابل، من غير المستبعد أن يكون وقع النقمة أكبر على تونس المحكومة بتوازن سياسي هش، وتعاني من وضع اقتصادي صعب، وظروف أمنية شديدة الحساسية.
والوزير القطري أشاد أيضاً بالموقف التونسي، على الرغم من أنه أقل وضوحاً من الموقف الجزائري أو المغربي، بحكم أوضاع داخلية يعرفها الوزير القطري جيداً.
وهو عبّر عن «تقدير بلاده الكبير لرئيس الجمهورية (الباجي قائد السبسي) على رؤيته الحكيمة ودعوته كل الأطراف إلى الحوار والتفاهم لما فيه خير المنطقة الخليجية والعربية».
ويدرك المتابعون أن تونس لم تلق دعماً خليجياً مهماً وكبيراً تحتاجه في ظل ظروفها الصعبة منذ سنوات، إلا من قطر، وأن خيارها السياسي المتمثل في تشكيل حكومة ائتلافية تضم حركة «النهضة»، هو خيار فرضه توجه البلاد نحو الديمقراطية وتصويت الناخبين.
ومعروف أن هذا الأمر قاد إلى برود كبير في العلاقات بين تونس والإمارات التي باتت تتعامل مع الوضع التونسي الداخلي على أساس هذه المعادلة، وهي تعرف أن هناك قوى سياسية وإعلامية في تونس رافضة أيضاً لخيار التحالف مع «النهضة» الإسلامية.
تونس وليبيا
ويبدو أن تونس ستشهد توتراً كبيراً في هذا المجال، خصوصاً أن خيوطاً متناسقة بدأت تظهر تباعاً في الفترة الأخيرة، بهدف تحريك هذا الملف من بوابات متعددة، لعل آخرها البوابة الليبية التي تمثل قلق تونس الأكبر.
وعلاوة على كون أكبر المشاكل الأمنية تأتي من هذا البلد (بأيدٍ تونسية في الغالب وليست ليبية)، فإن التوتر في ليبيا يحرم تونس من فرص اقتصادية كبيرة كان يمكن أن تحل مشاكل لا حد لها لاقتصاد ضعيف.
وفي هذا السياق، اتهم العقيد «أحمد المسماري» المتحدث الرسمي باسم الجيش الليبي الذي يقوده اللواء «خليفة حفتر»، قطر بالتدخل في تونس وتمويل إرهابيين في ليبيا. وكلامه أدخل نوعاً من الريبة والشك لدى كثيرين، وكان يمكن أن يحدث بلبلة في المشهد السياسي التونسي.
لكن السلطات القضائية التونسية أفشلت هذا المخطط، وكشفت عن أن الأموال القطرية المقصودة، خصصت لمخيم الشوشة للاجئين من ليبيا.
إلا أن المعطيات الأخيرة كشفت عن أبعاد هذا المخطط.
وقد أشارت صحيفة «المرصد» الليبية، إلى أن اجتماعاً سرياً عقد بتونس ضمن سلسلة اجتماعات لم يعلن عنها، جمع وفداً من القيادة العامة للجيش الليبي برئاسة «المسماري» مع وفد كبير من حركة «نداء تونس» يترأسه المدير التنفيذي للحركة «حافظ قائد السبسي»، ابن الرئيس الحالي.
ونقلت عن مصدر ليبي مطلع أن الاجتماع جرى في مقر حركة «نداء تونس»، وبحضور قنصل ليبيا بمدينة صفاقس «البهلول الصيد»، إلا أنه تحفظ عن الكشف عن بعض الشخصيات الأخرى من الوفدين، حضرت الاجتماع لحساسية مناصبهم.
وقال المصدر إن «اللقاء كان للتنسيق بين القوات المسلحة وحركة النداء الحاكمة في تونس من أجل توحيد جهود محاربة الإرهاب، كما تبادل الوفدان معلومات حول الشخصيات الإرهابية الفاعلة بالبلدين»، وفق المصدر.
وأضاف أن «الجانب التونسي وفّر معلومات مهمة عن تحركات رؤوس الإرهاب الليبي على الأراضي التونسية»، من دون أن يكشف عن أي أسماء تطرق لها الوفدان في الاجتماع.
وفيما يتعلق بنتائج الاجتماع، قال ذات المصدر لصحيفة «المرصد» إن الوفدين اتفقا على إنشاء غرفة عمليات أمنية مشتركة وقد تم تفعيلها وبدأت عملها بالفعل.
وأشار إلى أن من بين المسائل التي تطرق لها الاجتماع هي الأنشطة القطرية التي تستهدف ليبيا انطلاقاً من تونس.
وختم المصدر بأن «المسماري» زار تونس أخيراً أكثر من 3 مرات، اجتمع خلالها بعدد من الشخصيات التونسية في المجالات الأمنية والسياسية والبرلمانية والإعلامية من مختلف الشرائح كما التقى كذلك عدداً من رجال الأعمال الفاعلين.
وفي توضيح حول ما أوردته الصحيفة، كشف القيادي في «نداء تونس»، والذي حضر الاجتماع «برهان بسيّس»، في تدوينة على مواقع التواصل الاجتماعي، أن وفداً يتقدمه القنصل الليبي في صفاقس، زار مقر «نداء تونس» خلال شهر أبريل/ نيسان الماضي، طالباً لقاء قيادة الحزب ضمن جولة يقوم بها وفد ممثل لبرلمان طبرق من أجل عرض وجهة نظره تجاه الوضع في ليبيا على مختلف الأحزاب ووسائل الإعلام المؤثرة في تونس وذلك في سياق المبادرة الرئاسية التونسية المعروضة حينها.
وبيّن أنه تمّ استقبال الوفد الليبي بمقرّ الحزب، مشيراً إلى أنه كان من ضمن الوفد «المسماري» الذي عرض صورة عن الوضع في ليبيا في سياق الحرب على الإرهاب.
وأكد أن هذا اللقاء لم يكن سرياً ولم يرد في مضمونه أي حديث عن لوائح اسمية لإرهابيين أو غير ذلك من التفاصيل الأمنية.
وقال «بسيّس» عن التسريب الصحفي إنه «يوجد من يريد إقحامنا في معركة الخليج وبعض الفقرات التي تضمنها مقال صحيفة المرصد تؤكد هذا الأمر».
ونفى «بسيس» ما ورد في الموقع عن أن «من بين المسائل التي تطرق لها الاجتماع هي الأنشطة القطرية التي تستهدف ليبيا انطلاقا من تونس إضافة لعلاقات عبدالحكيم بلحاج مع أطراف تونسية على رأسهم رجل الأعمال المثير للجدل شفيق جراية».
كما نفى بشكل تام كل ما جاء في هذا المقال، لأن «عملية التسريب والتلبيس المتعمد حول هذا الاجتماع العادي والروتيني تقف وراءها الجبهة الشرقية الليبية المنخرطة في المعركة الخليجية»، في إشارة إلى برلمان طبرق واللواء «حفتر»، رجل الإمارات ومصر في ليبيا.
وأكد «بسيس» في حوار على إذاعة «موزاييك» التونسية، أن ما تمّت الإشارة إليه من مسائل أمنية تمت مناقشتها، «لا أساس له من الصحة»، مستغرباً نشر مضمون اللقاء بعد ثلاثة أشهر من انعقاده، ساخراً من مسألة تعيين لجنة أمنية مشتركة.
وبقطع النظر عن المحتوى السياسي لهذه اللقاءات، إذ يحق لأي حزب أن يبحث مع أي جهة أي موضوع، إلا أن ما كشفته الصحيفة وأكده توضيح «بسيس»، هو أن «المسماري» زار تونس مرات عديدة والتقى بمسؤولين مؤثرين في الإعلام وفي قطاعات أخرى، وأنه لم يمض على زيارته الكثير من الوقت حتى أدلى بتصريحاته حول الأزمة الخليجية، ليبث البلبلة في تونس، ما يعني أن هناك برامج كانت جاهزة منذ مدة.
ما هو مؤكد الآن، يتمثل في أن دول المغرب العربي ستدفع ثمناً لحيادها، عاجلاً أم آجلاً، وأن وقت جرد الحسابات لم يحن بعد، ولكن من عادة بعض الحكام العرب أنهم لا ينسون أبداً من يخالفهم الرأي، وفي كل الحالات فإن هذه الأزمة الخليجية ستبقي جروحها على الجسم العربي لفترة طويلة، فيما ستكون (إسرائيل) المستفيد الأول من كل ذلك.