أحمد القثامي- العربي الجديد-
تُعد الأزمة الخليجية علامة فارقة ونقطة تحول مؤسفة، لم يسبق للكيان الخليجي المنضوي تحت مؤسسة سياسية واحدة ظلّت ثلاثة عقود نموذجاً صلباً للشراكة السياسية والاقتصادية وقوة التأثير، أن تعرّض لمثلها.
ما يحدث تعبير عن رغبة دفينة، حجبتها المجاملات الرسمية في استقلالية القرار لدى كل دولة وفق رؤاها، وما تخطه من مسالك سياسية، فالدول تجد هويتها عبر تمايز مواقفها ومنهجية ممارسته وفق سيادة القرار واستقلاليته.
لكن الفكرة الجوهرية لدى هذه الدول هي الرغبة الجامحة بأن تكون كل منها قوة رئيسية متفردة ذات ثقل في الإقليم والعالم، يشجعها في ذلك الأهمية الجيوسياسية وامتلاك النفط والثروة. ويعزّز ذلك، ويجعله فرصة سانحة وضرورة مُلحْة ما يحدث من فوضى في العالم العربي وانهيار النظام الرسمي العربي القديم، فدول الخليج تستشعر الخطر من أي اضطراب داخلي، أو تهديد خارجي.
على أنّ هذه الدول الصغيرة ذات الإمكانات المادية الضخمة لا تمتلك من الموارد السياسية الكثير التي تمكنها من النفوذ إلا عبر استخدام المال، لكسب الولاءات السياسية، على أنّ التجارب أثبتت عدم جدوى ذلك الإغراء، حيث يتحول إلى استنزاف مزمن.
لكن، ما تتغافل عنه دول الخليج وجود ثلاثة قوى عصية على التجاهل، هي تركيا وإيران وكيان الاحتلال الإسرائيلي، ففكرة أنّي في العالم وحدي، ولا أكترث في حساباتي للآخرين، هو قصور عقلي فاقد أبجديات السياسة وخارج عن أُطر العلاقات الدولية.
فإيران تمضي في مشروعها التوسعي وتستحوذ على مزيد من الأراضي العربية، وعينها على الخليج، وخصوصا السعودية، فيما كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي يؤرقه الهاجس الأمني يرنو لتصفية القضية الفلسطينية، وفقاً لشروطه وبكيفية لا يقدم فيها أي تنازلات.
أما سورية المدمرة والتي تمضي نحو أن تكون دويلات هشة، لا قدرات عسكرية وسياسية لديها، تجعل منها مصدر تهديد لدولة الاحتلال، فيما تجهد تركيا تحت شعار "الدولة السنية القوية" إلى بناء علاقات استراتيجية عميقة مع بعض دول الخليج، والذي تجد في دوله سوقا ضخمة إضافة إلى الرغبة في وجود قوات عسكرية لها هناك، حتماً ستؤثر في القرار السياسي لهذه الدول، باعتبارها الحليف القوي.
فوجود تركيا في الخليج علاوة على الدخول في الأزمة السورية، هي أدوات ضغط سياسي على الأميركيين في الخليج، وعلى الروس في سورية، لإيقاف المشروع الكردي الطامح إلى بناء دولةٍ تكون الأراضي التركية جزءاً منها.
منظومة مجلس التعاون حين تتفكك، ويتحول الأمر صراعات بين دوله التي تتناسى كل الأخطار الوجودية من حولها، فتقع في شّرك استنزاف قدراتها وطاقاتها، ما يدفعها إلى التحالف مع القوى الإقليمية الكبرى، والتي لن يكون دعمها مجانيا، بل تنتظر المقابل في السياسة، وهنا فخ التبعية، حيث تتحول دول الخليج مجرد بيادق للاعبين الكبار في الإقليم.
بلوغ مرحلة إنعدام الإرادة السياسية ودخول مرحلة الجمود يشكل خطراً وتهديداً حقيقياً لأي نظام سياسي، فالبداوة السياسية ما زالت تسكن عقلية بعض قادة دول الخليج، فالقائد هو من يحدّد مصالح الشعب، ويمارس السياسة بعشوائية وارتجالية عبر الإرغام والقوة، ولا يُحاسب على عواقب أخطائه، فأن ترمي الدول بثقلها في معالجة ملف ما في ظلّ ملفات مفتوحة تفوق ما سواها خطورة، فتنعدم الأولويات، ففي هكذا حالة لو تحقّق النجاح في ملف فربما تحدث خسارة فادحة فيما هو أكثر خطورة وأهمية.
الغريب أنّ الأنظمة السياسية في الخليج متقاربة في بنيتها، فإسقاط أحدها هو أشبه بفتح الباب لحدوث ما هو مماثل في البقية منها، فقوة الدول ليست بوفرة المال والسلاح، بل بالبناء الداخلي، وتحقيق التنمية والرخاء وصناعة الإنسان.
كأنما العرب لا يُجيدون إلا صناعة الهزائم والنكسات.