علاقات » خليجي

الغاز الطبيعي.. السبب الحقيقي وراء الحصار السعودي لقطر

في 2017/07/03

موقع فوكس الأمريكي- ترجمة وتحرير فتحي التريكي -

تقول السعودية إنها تشن حربا دبلوماسية قد قطر بسبب دعمها للإرهاب. ولكن إذا أردت أن تحفر تحت السطح، فهناك في الواقع شيء آخر يساعد على تفسير الأزمة: احتياطيات قطر من الغاز الطبيعي ذات القيمة الكبيرة.

غالبا ما ينظر الناس إلى دول الخليج في الشرق الأوسط ويفترضون أن الثروة الرائعة في المنطقة تنبع من النفط. غير أن النفط ليس موزعا بالتساوي في المنطقة، كما أنه ليس المصدر الوحيد للتدفق النقدي القائم على الموارد الطبيعية في المنطقة.

ودفعت كميات هائلة من الغاز الطبيعي، وليس النفط، قطر لتصبح واحدة من أغنى الدول في العالم من حيث نصيب الفرد من الناتج الإجمالي. كما أنه المكون الذي يساعد على تفسير كيف تحولت إلى دولة مارقة في الخليج والهدف من حملة العزلة التي تصادف الأزمة الدبلوماسية الأكثر حدة في الشرق الأوسط منذ عقود.

وتعني حقيقة أن اقتصاد قطر لا يعتمد على النفط أنه ليس خاضعا لسيطرة السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، وقائد منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، وهي مجموعة تعمل في انسجام تام للتأثير على أسعار النفط. وتولد قطر 4 أضعاف العائدات من الغاز الطبيعي مقارنة بالنفط، ولا تحتاج إلى اتباع ما تمليه السعودية من قواعد من أجل البقاء.

والإضافة إلى ذلك، فإن الغاز الطبيعي يتم تسييله، وهذا يعني أنه يتم ضغطه وشحنه في جميع أنحاء العالم، وهو لا يوزع بشكل أساسي من خلال خطوط أنابيب معرضة للتدخل من قبل الجيران الغاضبين.

ثم هناك مسألة أصول الغاز الطبيعي في قطر: فهي تحصل على معظمها من حقل للغاز البحري في الخليج تتقاسمه مع إيران. أي أن قطر لديها مصلحة في الحفاظ على علاقات متناغمة مع عدو السعودية.

وترجم الاستقلال الاقتصادي لدولة قطر إلى سياسة خارجية مستقلة. وتطورت الدولة التي خضعت لعقود للحماية البريطانية لتصبح لاعبا عالميا يتنافس مع الرياض ويتحداها على عدة جبهات سواء من خلال الإعلام، أو من خلال دعم جماعات مثل الإخوان المسلمين والتي تعتبرها السعودية وحلفاؤها تهديدا وجوديا لأنظمتهم، أو من خلال العلاقة الجيدة مع منافسي السعودية في إيران وتركيا.

وبما أن المملكة العربية السعودية لا تستطيع السيطرة على قطر باستخدام سيطرتها على النفط، فإنها تستخدم نفوذها الدبلوماسي الهائل في المنطقة لإيذاء اقتصاد قطر بطرق أخرى. وقطعت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها مصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين جميع العلاقات الدبلوماسية مع قطر وأوقفت الرحلات الجوية والبرية والبحرية من وإلى البلاد، في محاولة جريئة ومحفوفة بالمخاطر لإثناء قطر عن سياستها المستقلة.

بطاقة الغاز

اكتشفت قطر لأول مرة أكبر محطة للغاز الطبيعي في العالم في الفناء الخلفي لها في عام 1969. كانت تلك خيبة أمل في ذلك التوقيت نظرا لأن الغاز الطبيعي لم يكن مصدرا مفيدا إذا لم يكن من الممكن العثور على سوق يمكن الوصول له عبر خط أنابيب. وكان لدى معظم الدول المجاورة لدولة قطر ما يكفي من الغاز الطبيعي في ذلك الوقت، وكانت أوروبا بعيدة جدا، وكانت قطر منتج متوسط المستوى للنفط، وكانت ربما تفضل لو أنها اكتشفت حقلا للنفط.

ولكن هذا تغير في التسعينات. دفع أمير قطر «حمد بن خليفة آل ثاني» بلاده لتصبح مصدرا للغاز الطبيعي المسال الذي يمكن شحنه عن طريق البحر. وقام المستثمرون الأجانب بتوجيه الأموال لصالح مشروعات تسييل الغاز في قطر وبدؤوا في شحن الغاز الطبيعي المسال في جميع أنحاء العالم. وتعد قطر اليوم أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، حيث تقوم بتوزيع حوالي ثلث إمدادات العالم.

ومع تحديث جيران قطر لاقتصاداتهم، زاد طلبهم على الغاز الطبيعي أيضا، وتمكنت قطر من الاستفادة منهم. وترسل قطر الغاز الطبيعي إلى دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان عن طريق خط الأنابيب، وهي إمدادات حيوية من الطاقة بالنسبة لهم. يقول «كارين يونغ»، أحد الباحثين البارزين في معهد دول الخليج العربي في واشنطن: «إن حوالي 40 في المئة من الكهرباء التي يتم توليدها في دولة الإمارات العربية المتحدة تعتمد على إمدادات الغاز من قطر».

وحولت احتياطيات قطر من الغاز الطبيعي البلاد من محمية بريطانية صغيرة إلى عملاق عالمي للطاقة. وكانت قطر حريصة على استغلال ثروتها الفريدة من نوعها لتكوين هوية جيوسياسية فريدة من نوعها.

وحقيقة أن قطر تتشارك حقول الغاز مع إيران هي عنصر حاسم في كل هذا. إيران، وهي القوة الشيعية البارزة في الشرق الأوسط، تتعارض عادة مع الملوك السنة في الخليج. وتقيم قطر علاقات ودية مع إيران مع وجود مصالح مشتركة. وعلى النقيض من ذلك، تفضل السعودية موقف المواجهة تجاه إيران.

الخروج من العباءة السعودية

وقد تمكنت قطر من الخروج من عباءة المملكة العربية السعودية بسبب استقلالها القائم على الغاز. وحقيقة أن الغاز الطبيعي في قطر يصل إلى الأسواق العالمية في المقام الأول من خلال الشحنات وليس خطوط الأنابيب التي تمر عبر المنطقة المباشرة هي أيضا ميزة استراتيجية، حيث تحتفظ الولايات المتحدة بأسطول بحري في الخليج ومهمته هناك ضمان التدفق الحر للغاز والنفط عبر نقاط الاختناق.

وقد استطاعت قطر المناورة بخفة استثنائية للتحرر من الهيمنة السعودية. عندما طلبت المملكة العربية السعودية في عام 2003 من القوات الأمريكية مغادرة البلاد بسبب الضغوط المحلية المناهضة لأمريكا في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر / أيلول، اقترحت قطر بنجاح أن تقوم الولايات المتحدة بإنشاء قاعدة لها في البلاد.

وقال «جيم كرين»، وهو باحث في الطاقة والجغرافيا السياسية في معهد بيكر بجامعة رايس: «كان إنجاز الأمن الاستراتيجي الرئيسي الذي حققه الشيخ حمد هو إقناع البنتاغون بالانتقال إلى القواعد التي بناها ، وهي القاعدة الجوية الجديدة ومعسكر السيلية».

حصلت قطر لنفسها على بوليصة تأمين بعد أن صارت مركزا للعمليات العسكرية الأمريكية في منطقة ذات أهمية استراتيجية. وتستضيف القاعدة الجوية 11 ألف جندي أمريكي وهي مركز العمليات ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

ومع صعود قطر، فإنها اضطلعت بعدد من المبادرات التي كانت مصدر قلق لجيرانها. وضخت الدوحة مئات الملايين من الدولارات إلى قناة الجزيرة، وهي شبكة إعلامية استهدفت الحكومات في جميع أنحاء الشرق الأوسط بتغطية قاسية.

خلال الربيع العربي، اختلفت قطر عن المملكة العربية السعودية والكثير من مكونات النظام القديم الذي تمثله. راهنت قطر على التمرد الشعبي ضد الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط سواء عن طريق إرسال أسطولها الجوي الصغير للانضمام إلى عمليات حلف شمال الأطلسي التي تدعم المعارضين ضد الدكتاتور الليبي «معمر القذافي» أو من خلال الدعم النشط للتطلعات السياسية للإخوان المسلمين في مصر بعد سقوط الرئيس المصري «حسني مبارك» في عام 2011.

وقال «كرين»: «قررت قطر دعم جماعة الإخوان المسلمين لأنها رأت الجماعة، والإسلام السياسي طريقا للمستقبل في حين رآهم جيرانها كتهديد كبير».

في عام 2014، سحبت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين سفراءهممن قطر في خطوة تصعيدية أخف كثيرا مما نشهده اليوم. قدمت قطر بعض التنازلات، بما في ذلك كبح بعض علاقاتها مع جماعة الإخوان والتعاون بشكل وثيق مع دول الخليج حول الأمن، واستؤنفت العلاقات الدبلوماسية.

هذه المرة، يتصرف السعوديون وحلفاؤهم بقوة أكبر. و أغلقت السعودية حدودها البرية مع قطر، التي تستورد منها قطر معظم أغذيتها؛ وقامت بتوجيه قائمة من المطالب تدعو فعليا إلى تجاهل كل ما يجعل قطر مستقلة، بما يشمل قطع العلاقات مع إيران وتركيا وإغلاق قناة الجزيرة.

من مصلحة الولايات المتحدة هي أن يتم تسوية هذا النزاع الإقليمي بأسرع ما يمكن وبسلاسة. ودعا وزير الخارجية «ريكس تيلرسون» إلى التهدئة والتفاوض للوصول إلى حل. إلا أن الرئيس «ترامب» قد زاد من تعقيدات تيلرسون من خلال الانحياز العلني مع السعودية ضد قطر، وهو ما يجعل السعودية أقل قابلية للمصالحة.

هناك الكثير على المحك، حيث أن الصراع في الخليج يخلق فراغا يمكن أن يعزز القوى المنافسة. وقال «ألين فروميرز»، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة ولاية جورجيا: «كلما كانت القوة الخليجية أكثر تشرذما كلما قلصت قدرتها على القضاء على الأنشطة المتطرفة، ناهيك عن تمويل التطرف». ويضيف: «الولايات المتحدة لا ترغب في سيناريو تضطر فيه للخضوع لإيران بحكم الواقع. وهذه هي النتيجة المتوقعة إذا لم يتم إيجاد حل سلمي لأزمة الخليج».