خالد بن حمد المالك- الجزيرة السعودية-
مضى وانقضى اليوم العاشر من المهلة التي حددتها الدول الأربع لدولة قطر للقبول بمطالبها وشروطها وضماناتها بانتظار أن تعيد علاقاتها الدبلوماسية التي قطعت معها، دون أي استجابة من الدوحة، أو تسامح من المملكة والإمارات والبحرين ومصر، أمام الرفض القطري، وإصرارها على تبني الإرهاب ودعمه والتدخل في شؤون هذه الدول حتى الآن، ما يعني أن جميع الطرق مسدودة للحل أمام إصرار شيوخ قطر على ممارسة العدوان، والاحتماء بالعدو لمواصلة السير على هذا الطريق الذي اختير لهم ولم يختاروه - على ما يبدو - لأنفسهم.
عشرة أيام كانت كافية لقطر للتفكير والتأمل ومراجعة مواقفها، ومحاولة الهروب من مستنقع الجرائم التي ارتكبتها بالحصول على عفو من الدول المتضررة في مقابل التزام قطر بعدم تكرارها، وفقاً للشروط والضمانات التي طُولبت بها، لكنها مع الأسف فوتت الفرصة، وأمعنت بالعناد والرفض وعدم قبول هذه الطلبات، مدعية أنها تمس السيادة القطرية، وأنها تدخُّل من هذه الدول في شؤونها الداخلية، وأنها تقبل بالتصعيد على أن تقبل بهذه الشروط الخليجية والمصرية.
لم نكن متفائلين بأن يصحو الضمير القطري في آخر يوم من المهلة، ولا في آخر ساعة منها، فقد ظل الموقف القطري الرافض لأي معالجة للأزمة هو سيد الموقف بعد أن زين الشيطان للدوحة سوء أفعالها، وشجعها على المضي في ذات الطريق الوعر، تمارس أعمالاً قذرة، ومؤامرات تنم عن حقد دفين، وكأنها بهذه الأعمال الشيطانية لم تقترف ذنباً، ولم تكن ضالعة بجرائم تضعها في مرحلة الإدانة، بعد أن تم فتح الملفات القديمة التي ظلت لسنوات طويلة مغلقة بأمل أن يصل الحوار مع شيوخها إلى اتفاق مضمون يحميها من تبعات المحاسبة على جرائمها.
لا بأس أن تصل القضية الخلافية مع قطر إلى هذا المستوى من التصعيد، إذا كان ذلك سوف يضعنا على أعتاب مستقبل لا تكون فيه قطر دولة مؤذية ومتآمرة ومشاغبة وإرهابية وعدوانية، فالتصعيد لإيقاف السياسات القطرية التي تناصب العداء لدولنا أفضل بكثير من الصمت والمجاملة والمهادنة، وتلك الحوارات والاجتماعات والوساطات التي تذروها رياح أعداء قطر وأعدائنا، كما تفعل طهران والإخوان المسلمين وغيرهم في علاقاتهم المشبوهة مع الدوحة.
الموقف السعودي البحريني الإماراتي المصري من الحالة القطرية يجب أن يكون صارماً وقوياً ومؤثراً، فلا مجال بعد أن رفضت قطر كل فرص التهدئة، ونكثت بكل وعودها من قبل، ومارست كل أنواع التطرف والتدخل والإرهاب والمؤامرات مع هذه الدول، أقول وأضيف: لا طريق في التعامل مع قطر لإفشال مخططاتها، وإيقاف عدوانها، إلا بوضعها في حجمها الطبيعي، بعد أن أغراها المال، والإعلام المتآمر، في ارتكاب ما ارتكبته من جرائم، وحين أقول في حجمها الطبيعي فأنا أعني الإعلان عن مزيد من الإجراءات والعقوبات التي تمس مصالحها، وتحد من قدراتها التخريبية، وتضيق الخناق على أدواتها في الوصول إلى مفاصل الأمن في دولنا، والعمل على إضعافها اقتصادياً بما لا يجعل مال الشعب القطري موظفاً لصالح مؤامرات تمس أمننا واستقرارها.
وعذراً للمواطن القطري الحبيب، فدولنا تفعل ما تفعله وهي على يقين بأنكم معنا بالتأييد والمساندة بانتظار اللحظة الحاسمة التي يتحول فيها الموقف القطري إلى ما هو أحسن وأفضل، وهذه مسؤولية مشتركة بينكم وبين الدول الأربع التي هبت لتحرير قطر من المتآمرين عليها، وحمايتها من الضالعين في الإساءة إلى علاقاتها مع جيرانها وأشقائها، فما يحدث لا يرضيكم ولا يرضينا، حيث تهدر أموالكم في عبث لا يستفيد منه إلا عدوكم وعدونا، وحيث تحولت بلادكم إلى وكر للتخريب، وإيواء للمجرمين واستخدامهم لإيذاء أقرب الناس لكم، الأمر الذي يجعل من تفهمكم لعدالة مطالب الدول الأربع مدخلاً وطريقاً لبزوغ شمس الإصلاح بعد طول انتظار في دولة قطر.
أما أنتم يا شيوخ قطر، حمد وحمد وتميم، فقد بلغ السيل الزبى، ووصلت مؤامراتكم بما لا طائل ولا فائدة في التساهل معكم، غير أننا لازلنا نتمنى ونأمل وندعو أن تعودوا إلى رشدكم، أن تأخذوا بأسباب السلامة، وتسلكوا الطريق الصحيح الذي يجنبكم ما يخبئه المستقبل من أوضاع لا تخدم قطر، إذا ما استمرت مواقفكم على ما هي عليه، وبهذه الروح العدوانية، ومع إصراركم على عدم القبول بإملاءات الدول الشقيقة الأربع، كما تدَّعون، مع أنها كما يرى العقلاء لا تمس السيادة القطرية، ولا تصنف ضمن التدخل في الشؤون الداخلية لقطر، بل هي أولاً وأخيراً لكف التآمر القطري على هذه الدول، مع حفظ ماء الوجه لكم.
قطر الآن في مفترق طرق، ومع انتهاء المهلة المحددة لقطر دون قبولها بشروط المملكة والإمارات والبحرين ومصر لإعادة العلاقات معها، تكون قد اختارت الطريق الذي فصّله ومهّده لها عدوها وعدو هذه الدول، وأن شيوخ قطر فضلوا هذا الطريق على طريق آخر اختاره لها أشقاؤها، بأمل أن تبقى ضمن الحضن الخليجي، وفي ذات المسار الذي لا تلوثه المواقف العدوانية التي يُخطط لها في الدوحة، وتُمول من مال الشعب القطري، ويُستهدف بها دول مجلس التعاون ومصر.
لقد قلت ما نعتقد أنه لصالح قطر، وسيظل الحوار متواصلاً مع الدوحة، فقطر شقيقة صغرى، يهمنا ألا تقع فريسة للأعداء، فالمواطن القطري هو عوض النفس في كل شيء، ولا تقبل دولنا أن يُضام أو يُساء إليه، أو يُعرّض مستقبله للخطر، أو يُستغل ضعفه بإرهاقه في مؤامرات هي ليست من أخلاقه وسلوكه وتربيته وتاريخه، وما أُتخذّ من إجراءات إلى اليوم، وما ستتخذه الدول الأربع من إجراءات عقابية أخرى في المستقبل هي جزء من استراتيجية هذه الدول في الحفاظ على أمنها، ومنع قطر من مواصلة مسلسل عدوانها وتآمرها وتدخلها، طالما استمر هذا هو موقفها، وهذه هي سياساتها.
ربما أن شيوخ قطر في حالة انتشاء وهم يرون أسماءهم تتصدر منصات وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي، وتتردد في كل وسائل الإعلام، دون أن يدركوا أنها إنما تعرّي سوءات أعمالهم، بما في ذلك تلك الأصوات المبحوحة والأقلام المأجورة التي تدافع عنهم، فيما أنهم ليسوا بحاجة إليها، ولا ضرورة تستدعي شراء ضمائرهم، لو أنهم أصغوا إلى نصائح من لا يضمر الشر لقطر، وارتهنوا لأقوال مخلصة وصادقة يكون مصدرها الرياض أو أبوظبي أو القاهرة والمنامة.
لكن لا يبدو أن في الأفق ما يشير إلى أن انقشاع هذه السحابة التآمرية عن منطقتنا، وأن ذلك سوف يكون في القريب المنظور، أو أن شيوخ قطر أصبحوا على مقربة من اتخاذ قرار تاريخي يحمي قطر من المستقبل المظلم، ويجنب الشعب القطري الشقيق عاقبة نزوات حكامها، وينقذه من القوى الماكرة التي تخطط وتمارس أعمالاً إرهابية ضد مواطني الدول الشقيقة في تآمر مكشوف بعد ربط قطر بها، ما جعل حل هذه الأزمة مرهوناً باستعادة الدوحة وإعادتها إلى نسيجها الخليجي المفقود.
ليس هناك من عاقل رشيد ترضيه السياسة التي تدار بها دولة قطر، وكلنا ألم وحزن، وخوف وذعر، وأسى متواصل، كلما فكرنا بوضع قطر، وقادتنا تصرفات شيوخها إلى إدراك ما يُخطط للايقاع بها خصماً لنفسها ولكل مصالحها، فيما أن العدو المشترك لها ولنا يضحك ملء شدقيه على الدوحة، فرحاً بغياب أمير البلاد ومن معه من المستشارين عن إدراك الحقيقة، ومعرفة النوايا السيئة المبيتة لدولة قطر.