علاقات » خليجي

لا يجوز تسييس الحج ومنع الحجاج القطريين

في 2017/07/11

صالح بن عفصان العفصان الكواري- الراية القطرية-

في أقل من شهرين يتوجه حجاج بيت الله الحرام إلى الديار المقدسة لأداء الركن الخامس للإسلام، وهم يتوقون شوقاً للطواف حول الكعبة المشرفة والبيت العتيق والوقوف بعرفة وأداء وتكملة مناسكهم في سكينة وأمان واطمئنان كما ورد في السّنة الشريفة تأسياً بالرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال «خذوا عني مناسككم».

وعادة ما يبدأ توافد الحجيج على الأراضي المقدسة منذ وقت مبكر خاصة للمسلمين من دول شرق آسيا وإفريقيا، ممن يسافرون براً للوصول إلى المملكة العربية السعودية قبل موسم الحج بأشهر.

 وفي قطر درجت حملات الحج وحتى بعثة الحج القطرية الرسمية على السفر إلى السعودية في شهر رمضان المبارك للتفتيش والاطمئنان على التجهيزات ومقار سكن الحجيج والتنسيق مع سلطات الحج السعودية ومؤسسة الطواف هناك، بما يضمن راحة الحجيج القطريين وأداءهم لمناسكهم بيسر وسكينة وخشوع، حتى تتحقق المقاصد الشرعية والدينية من أداء هذه الفريضة.

 غير أن افتعال دول حصار قطر للأزمة الخليجية الراهنة، وإلصاق تهمة الإرهاب زوراً بدولة قطر، وحصار الدولة الجائر، وطرد القطريين والمقيمين من دول الحصار، وبث خطاب التمييز والكراهية ضد كل من له علاقة بقطر، فضلاً عن الإجراءات التعسفية بحقهم، أشاع موجة واسعة من الخوف على سلامة حجاج الدولة، في ظل حملات التحريض والإساءة الممنهجة والموجهة ضدهم في كل وسائل إعلام الدول المحاصرة.

وحسب مسؤولي حملات الحج القطرية والمقاولين فإن الجهات السعودية المعنية بالحج والتي دأبوا على أن يتواصلوا معها كل موسم حج والتنسيق معها، لم ترد على اتصالاتهم المتكررة، ولم تعرهم التفاتة وتجاهلتهم تماماً، ما ولّد لديهم الانطباع بعدم الرغبة في قدوم حجاج من دولة قطر إلى المملكة، بمعنى أن حجاج دولة قطر على الأقل هذا العام أشخاص غير مرغوب فيهم !!.

 ولا ننسى أيضاً أن الأجواء والحدود البرية والبحرية مغلقة والسفارة السعودية بالدوحة مغلقة هي أيضاً، وأن القطريين والمقيمين في قطر ممنوعون من دخول المملكة، وأن ما يقال عن عدم ممانعة السلطات السعودية في استقبال أي مسلم يرغب في أداء الفريضة بغض عن النظر عن الخلافات السياسية، مجرد شعارات وكلام للاستهلاك المحلي، وإلا فما معنى تجاهل حملات الحج القطرية وعدم التجاوب مع اتصالاتها أو التنسيق معها من قبل الجانب السعودي.

 لذلك كله من حق حملاتنا وحجاجنا ومقاولينا، الخوف على سلامة حجاجهم، لا سيما في هذه الظروف المشحونة بالتحريض والإساءة للقطريين وكل ما له علاقة بدولة قطر للأسف، إضافة إلى الخسائر المتوقعة بسبب الإجراءات الكيدية السعودية التي ما من شك تؤدي إلى عزوف الحجيج نفسه عن أداء الفريضة، بعد ما تعذر على الكثير منهم أداء عمرة رمضان الفائت. 

  نعرف المخاوف الأمنية السعودية في كل موسم حج، سواء ما يتوقع أن تكون نتاج فعل سياسي أو طبيعية من فيضانات وسقوط رافعات وأوبئة أو تدافع أو ما شابه ذلك، لكن على مر التاريخ لم يثبت أن أخل حاج من دولة قطر بالنظم والإجراءات التي تتخذها سلطات الحج السعودية، أو قيامهم بأي عمل يعكر من صفو الحج، بل كانت حملات الحج القطرية محل إشادة وتقدير من الجانب السعودي لانضباطها ومراعاتها للأنظمة والقوانين في جميع الظروف العادية أو الاستثنائية.

إن تجاهل مؤسسات الحج السعودية الرسمية لأصحاب الحملات القطرية وعدم التجاوب معهم لهو دليل قاطع على تسييس الشعائر الدينية واختلاق أزمة دينية مرادفة للأزمة السياسية، وذلك ليس من الدين الإسلامي الحنيف في شيء.

قال تعالى «وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق .. ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير».

 في هذه الآية الكريمة دعوة لكل الناس باستثناء الكفار والمشركين، إلى حج البيت العتيق، لكل من يستطيع تلبية الدعوة، ولا يحق لأي كان منعهم من ذلك، لكن ما نراه من تصرفات السلطات السعودية مع حجاج قطر والجهات المسؤولة عنهم في البلاد، يؤكد أن النية مبيتة والأوامر واضحة بمنع وحرمان حجاجنا من أداء الفريضة، وهو ما يعد مخالفة شرعية صريحة للتعاليم الإلهية، ممن يفترض فيهم أن يكونوا سدنة وخداماً لبيت الله الحرام وضيوف الرحمن، أي أنهم اختطفوا الدعوة الربانية، وأصبحوا يوزعون رقاعها، وكأنها دعوة عرس أو وليمة، لمن يرغبون ويرضون عنه، ويعاقبون ويحرمونها من يخالفهم الرأي أو يبزهم بفاعليته ودوره المؤثر سياسياً واقتصادياً، إقليمياً ودولياً.

  لقد أنعم الله على المملكة بنعمة الحرمين الشريفين وخدمة بيت الله الحرام وتيسير سبل قدوم كافة ضيوف الرحمن إليها في أيام الحج المباركة، لكن عرقلة وإرهاصات منعهم كما نراه اليوم من أداء هذه الفريضة وزيارة مساجد الله والتقرب إليه في هذه الأشهر المعدودات، لمجرد خلاف سياسي، يعد إثماً كبيراً ومخالفة صريحة للأمر الرباني للتيسير على المسلمين ممن يرغبون في التوجه إلى الديار المقدسة من كل فج عميق لأداء الفريضة.

 وبالطبع في ظل التحريض على قطر والإساءة إليها، لن تطمئن حملات الحج القطرية والمقاولون على حجاجهم، في حال سمح لهم بالحج، من التضييق عليهم بالتفتيش المزعج والمراقبة الأمنية اللصيقة والإساءة بالألفاظ والمعاملة، ناهيك عن الخوف على الأنفس وهو ما لا يقبله سبحانه وتعالى الذي أمرنا بعدم إلقاء الأنفس إلى التهلكة.

 وفي وقت تحاصر فيه الشقيقة الكبرى شقيقتها الصغرى، حتى في رمضان وعيد الفطر المبارك، ليستمر الوضع أكثر وطأة ونحن مقبلون على حج بيت الله الحرام، فإنها أي السعودية، تسمح للحجاج الإيرانيين والحوثيين بأداء الفريضة، في تمييز ديني فاضح، يخالف تعاليم الشرع، وحقوق الإنسان وحقوق الجار والأخوة.

 يقول الله تعالى «الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج» .. الآية الكريمة.

 لكن السلطات السعودية بما بدر منها حتى الآن تجاه قطر وتجاهلها لمقاولي وحملات الحج القطرية، مع ما هو معروف كذلك عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من التضييق والاعتداء على كل من يخالف المملكة حتى ولو سياسياً، فإنهم جميعاً يخلطون حابل السياسة بالدين .. يخلطون عملاً صالحاً بآخر سيئ، وهي ممارسات لن تجعل حج هذا العام لحجاجنا، إن تمكنوا من أداء الفريضة، موسماً للطاعات والمنافع ومضاعفة الأجر والثواب، بل على العكس ستجعله موسماً للنسيان، موسماً لممارسة مزيد من الحقد والضغائن والخصومة على قطر وحجاجها، وهو ما لا يستطيع معه حجاجنا أداء مناسكهم على الوجه الأكمل حسب السنة النبوية الشريفة، بطمأنينة وروحانية وخشوع وتبتل، بعيداً عن الخوف والوجل، علماً أن الإسلام هو دين تسامح وسلام وحوار، لمن يعي ذلك جيداً فعلاً لا قولاً، وأن موسم الحج فرصة لجمع المسلمين والتواصل بينهم، ولا يرضينا بالتأكيد أن تضع المملكة يدها في يد إمارة ابن زايد للتفريق بين عموم المسلمين بعد تفريق الأسر الخليجية وتشتيتها وقطع الأواصر بينها !!. 
 نحن على علم بالهواجس الأمنية والضغوط النفسية على المملكة العربية السعودية في كل موسم حج ونقدر ذلك، ونثني على خدماتها وأعمالها الجليلة للحجاج والسهر على راحتهم، لكن في نفس الوقت لابد من إبراز الملاحظات وكشف النقائص والعيوب حتى تتم معالجتها ولا تتراكم بمرور الزمن وتصعب معالجتها، ومن أهمها عرقلة أداء فريضة الحج، التي قد تكون لأسباب مرضية تخص الحاج نفسه أو بسبب الخوف من انتشار وباء، ولكن ليس بالقطع لأسباب سياسية واختلاف وخلافات في وجهات النظر أو الحدود مثلاً. 

 وبهذه المناسبة وفي إطار حديثنا عن الحج وما أدراك ما الحج، وعرقلة حجاج دولة قطر عن أداء الفريضة، تذكرت الأمانة المنسية لمجلس التعاون وأمينها الغائب،وما يتردد بالسماح لموظفي الأمانة القطريين بمباشرة أعمالهم بمقر الأمانة بالرياض.

 وبدون شك فإن هذه العودة طبيعية ومستحقة وحق بموجب نظام تأسيس المجلس .
 والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل منعت أمريكا وهي على خلاف مع كوبا موظفي هذه الجزيرة من أداء وظائفهم في الأمانة العامة للأمم المتحدة أو المشاركة الكوبية في أنشطة المنظمة الدولية مثلاً .. لا يحق لدولة مقر في أي مكان في الدنيا منع دولة عضو هي على خلاف معها مهما كانت طبيعته ونوعه، ولا حرمانها من القيام بدورها في إطار عمل هذه المنظومة ما يعني أن عودة الموظفين القطريين لعملهم بالأمانة العامة لمجلس التعاون، طبيعية، ولا تعتبر منحة أو منة من أحد.