علاقات » خليجي

سياسة الباب المفتوح القطرية.. لماذا ترعب دول الحصار؟

في 2017/07/19

نيويورك تايمز- ترجمة شادي خليفة -

خذ سيارتك وسر في الدوحة بعض الوقت، تاركًا وراءك ناطحات السحاب العاكسة وطرق النخيل الجميلة في هذه المدينة الغنية بالغاز، وستقابل في طريقك العديد من الشخصيات المتصارعة يسيرون جنبًا إلى جنب.

في إحدى المقاطعات الغربية، بالقرب من جامعات التعليم الأمريكي، يمكنك العثور على مسؤولي طالبان وأسرهم أثناء جولة تسوق أو طلب الوجبات الجاهزة من مطعم للمأكولات الشعبية الأفغانية.

وعلى بعد بضعة أميال، تجد قاعدة عسكرية أمريكية ضخمة تضم 9000 من الأمريكيين، تقلع منها الطائرات الحربية في مهام لقصف تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، وأحيانًا طالبان في أفغانستان.

ويعمل مسؤولون من حركة حماس الفلسطينية المسلحة من فيلا فاخرة بالقرب من السفارة البريطانية، وعقدوا مؤخرًا مؤتمرًا صحفيًا في قاعة للرقص في فندق شيراتون المبني على شكل هرم.

وهناك رجل دينٍ مصري مسن، هارب من القاهرة، يعد الأكثر شعبية في المشهد الاجتماعي الخاص بالمدينة، وتمت مشاهدته مؤخرًا في حفل زفاف، من قبل دبلوماسي أمريكي كان يحضر نفس الاحتفال.

وأصبحت الدوحة، على خلاف الصورة النمطية لدول الخليج الغنية، موطنًا لمجموعة غريبة من الأيديولوجيين، ومدينة محايدة تشبه فيينا في الحرب الباردة.

ومع ذلك، فإنّ هذا الموقف الذي نرحب به هو بالضبط ما أثار غضب الجيران الأكبر حجمًا لدولة قطر، وأدخل الشرق الأوسط في واحدة من أكثر المواجهات الدبلوماسية دراماتيكية. ولأكثر من شهر، فرضت أربع دول عربية حصارًا كاسحًا على قطر في الجو والبحر والبر، وتتلخص مطالبهم باختصار في مطالبة الدوحة بالتخلي عن السياسة الخارجية المستقلة، وأن تتوقف عن توفير الملجأ لمثل هذا النطاق الواسع من العملاء في عاصمتها.

وحتى الآن، لا ينجح الحصار، ويبدو أنّ الأزمة تزداد سوءًا. وعاد وزير الخارجية الأمريكي «ريكس تيلرسون» إلى واشنطن يوم الخميس بعد عدة أيام من الرحلات الدبلوماسية المكوكية غير المثمرة على ما يبدو في المنطقة. كما تدخل وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبريطانيا دون نجاح.

وتصر دول الحصار على أنّ قطر تستخدم سياسة الباب المفتوح لزعزعة استقرار جيرانها. ويقولون أنّ الدوحة، هي المدينة التي يتم فيها تمويل الإرهاب.

هوية خاصة

وتعود الهوية الذاتية لدولة قطر كمركز لجوءٍ إلى القرن التاسع عشر، عندما عرضت أراضيها المقفرة ملاذًا للناشطين والقراصنة والأشخاص الفارين من الاضطهاد في شبه الجزيرة العربية.

وقال «ديفيد روبرتس»، مؤلف كتاب «قطر: تأمين الطموحات العالمية للمدينة الدولة»: «لقد كان هذا المكان دائمًا الملاذ الآمن للفارين والمطاردين والمنفيين والأشخاص غير المرغوب فيهم من الناس. ولم يكن هناك نفوذ لدول الخليج على هذه البقعة. لذا إن كنت مطلوبًا لدى أحد الشيوخ، يمكنك الهرب إلى قطر ولن يزعجك أحد».

وقد تحولت هذه السمة الوطنية إلى سياسة لأبناء وأحفاد آل ثاني، الذين فتحوا أبوابهم منذ منتصف التسعينات أمام المعارضين والمنشقين من كل حدبٍ وصوب. وقد رحبت الدوحة بعائلة «صدام حسين»، وواحد من أبناء «أسامة بن لادن»، والرسام الهندي الأيقوني، «مقبول فدا حسين»، وأميؤ الحرب الشيشاني «سليم خان يندرباييف»، الذي اغتيل في المدينة من قبل عملاء سريين روس عام 2004. (تم القبض على العملاء، وتم تسليمهم لاحقًا إلى روسيا).

ويمكن لقطر أن تكون سخية للغاية. وهي تشترك في أكبر حقل للغاز في العالم مع إيران، ولكن لديها 300 ألف مواطن فقط، مما يجعلها أغنى بلد من حيث دخل الفرد. وفي العقود الأخيرة، تحولت الدوحة إلى مدينة حضارية لامعة من الطموح العالمي حيث تحتشد السيارات الفاخرة في الشوارع، وتمتلئ بالمهندسين المعماريين أصحاب الشهرة العالمية. وهناك جيشٌ من العمال المنتدبين لبناء الملاعب وخطوط المترو لكأس العالم 2022.

ولكن بين الدول العربية، شُكلت صورة قطر من خلال سياستها المستقلة المثيرة للجدل.

وفي الدوحة، يختلط القطريون الأثرياء والمغتربون الغربيون مع المنفيين السوريين والقادة السودانيين والإسلاميين الليبيين، وكثيرٌ منهم يمَولون من قبل الدولة القطرية. ويقوم القطريون أحيانًا بدور صانعي السلام، فقد توسط دبلوماسيوهم في اتفاق السلام في لبنان عام 2008، وتفاوضوا على إطلاق سراح العديد من الرهائن، بمن فيهم «بيتر ثيو كورتيس»، وهو صحفيٌ أمريكيٌ كان محتجزًا في سوريا، عام 2014.

إثارة الغضب

لكنّ منتقدي قطر يقولون أنّها، في كثيرٍ من الأحيان، بدلًا من أن تعمل كطرف محايد للسلام، تتورط في الصراعات، وقد ساعدت في الإطاحة بمعمر القذافي في ليبيا عام 2011، أو تغض الطرف عن المواطنين الأثرياء الذين يوجهون الأموال إلى الجماعات الإسلامية المتطرفة في سوريا.

وما يثير غضب السعوديين والإماراتيين والمصريين والبحرينيين هو أنّ الدوحة قد وفرت أيضًا مأوى للمعارضين الإسلاميين الهاربين من بلدانهم، ووفرت لهم صوتًا في محطة الجزيرة التلفزيونية القطرية.

ويُعتبر الشيخ «يوسف القرضاوي»، وهو رجل الدين المصري الذي شوهد مؤخرًا في حفل زفاف، معززًا بارزًا لجماعة الإخوان المسلمين، وكان له في السابق برنامججا مؤثرًا على قناة الجزيرة، حيث قام بنشر فتاويه الدينية الخاصة حول مسائل تتراوح بين التفجيرات (الانتحارية) وصولًا إلى الحياة الجنسية الشخصية.

وعلى الرغم من أنّ السيد «القرضاوي» قد أصبح الآن في الـ 91 من عمره، وتوقف عن برنامجه التلفزيوني قبل أربع سنوات، إلا أنّ وجوده في قطر لا يزال مصدر إزعاجٍ لمصر، وقد ظهر اسمه بشكلٍ بارز على رأس قائمة تضم 59 شخصًا تريد دول الحصار إبعادها من قطر. كما طالبوا بإغلاق قناة الجزيرة.

ويُنظر إلى هذا الطالب وكثير من المطالب التي قدمتها دول الحصار على أنّها مستحيلة، وذلك على نطاقٍ واسع، مما يؤدي إلى تشاؤم واسع النطاق تجاه حل الأزمة في وقتٍ قريب.

وقال «مهران كامرافا»، مؤلف كتاب «دولة قطر الصغيرة، والسياسة الكبيرة»، والأستاذ في كلية الشؤون الدولية بجامعة جورجتاون في قطر: «يبدو أنّ الإماراتيين والسعوديين قد أخطئوا في تقدير موقفهم. لقد كانوا يعتقدون أنّه إذا ألقوا بثقلهم بشكلٍ شاملٍ وراء الحصار، سيئن القطريون. لكنّهم لم يفعلوا ذلك».

ولم يُدرج أفراد طالبان المقيمين في الدوحة في قائمة المطالب التي يطرحها أصحاب الحصار، لكنّ وجودهم يجسد النقاش الأوسع حول مزايا نهج الباب المفتوح في قطر.

وسرعان ما انهارت محادثات السلام بين المسلحين والمسؤولين الأفغان، التي بدأتها الولايات المتحدة عام 2013. ومع ذلك ظل المسؤول الطالباني على تواصل، وتعد الدوحة موطنًا لحوالي 100 من مسؤولي طالبان وأقاربهم، الذين يعيشون بشكلٍ مريحٍ على نفقة الدولة القطرية.

كما كانت هناك محادثاتٌ غير رسمية أخرى عامي 2015 و2016. ولكن مع استمرار القتال في أفغانستان، يتساءل بعض الخبراء عما إذا كان دعاة السلام المفترضين من طالبان يسهلون المزيد من هذه الحرب بهدوء.

وقال «مايكل سيمبل»، وهو باحثٌ في شؤون طالبان، في جامعة كوينز في بلفاست بأيرلندا الشمالية، أنّه قبل الحصار، كان قادة طالبان في قطر يسافرون في كثيرٍ من الأحيان برًا من قطر عبر السعودية إلى الإمارات حيث لديهم استثماراتٍ هناك، ولجمع الأموال هناك داخل المجتمعات الأفغانية في مدينتي الشارقة ودبي.

وأضاف: «من الواضح أنّهم يستخدمون موطئ قدمهم في الخليج لمحاولة جمع التبرعات واكتساب الشرعية».

وفى الأعوام الأخيرة، كانت الدوحة موطنًا لـ«خالد مشعل»، الذي تنحى عن منصبه هذا العام كزعيم لحركة حماس، وقدمت البلاد للمجموعة موقعًا لإجراء محادثات مع رئيس الوزراء البريطانى السابق ومبعوث السلام في الشرق الأوسط، «توني بلير»، عام 2015.

وعلى الرغم من أنّ وزير الخارجية السابق «جون كيري» انتقد علنًا ​​وجود حماس في الدوحة، فإنّ المسؤولين الأمريكيين يقولون أنّهم يفضلون أن تكون حماس مقرها في الدوحة، وليس في عاصمة معادية مثل طهران.

وفي ظل الأزمة الحالية، تستفيد قطر من مجموعة واسعة من الروابط التي عززتها سياستها الخارجية. وقد وصلت الإمدادات الغذائية وعشرات الجنود من تركيا إلى الدوحة بعد بدء الحظر في 5 يونيو/حزيران. وقد أفادت التقارير الإخبارية التركية أنّ الوحدة العسكرية قد تصل إلى ألف جندي، ومن المتوقع أن يزور الرئيس «رجب طيب أردوغان» الدوحة خلال الأيام المقبلة.