علاقات » خليجي

يا لذلّ العرب ..

في 2017/07/20

مبارك الفقيه- خاص راصد الخليج-

استفقت من نومي متأخراً ذات يوم، وغالبت نفسي بالنهوض لأستقر على كرسيّ، اعتدت أن أجلس عليه حين أريد التأمل.. والتألّم، وهو الذي ملّ جلوسي عليه منذ الخامس من حزيران الماضي، حين تجدّدت نكسة العرب بخلاف الأشقاء - الجيران، هؤلاء الذين كانوا يتفاخرون بأنهم يجتمعون في كل ما يشير إليهم كهوية ولغة وانتماء وتعاون خليجي.

باشرت رحلة التأمل بعد أن أبعدت عني كل وسيلة تواصل ممكنة لأبتعد عن مشاهد النكسة، فلا أقرأ أخبار الفضائح ولا أتابع سيول الاتهامات المتبادلة، ولا أطّلع على مسارنا المتدهور يوماً بعد يوم، وبين أصابعي يتأرجح قلمي، الذي اعتاد أن يزعج الأوراق بصريره المستمر ويعبث بمساحة الصفحات البيضاء حروفاً وكلمات وخربشات وتدوين هوامش.. ماذا أكتب عن محنة العرب التي ما زالت تنحدر نحو الهاوية وتتعقّد يوماً بعد يوم؟

لم أنعم بخلوتي طويلا فقد قطعتها صرخة ابنتي تهرع إليّ وتدعوني بعجلة لمتابعة شاشة التلفزيون.. الخبر عن فلسطين.. والمشاهد عن مواجهات في القدس.. كم افتقدت هذه الأخبار التي غابت عن شاشاتنا العربية، وحلّت مكانها أخبار الكراهية والتعبئة المتبادلة بين الأخوة.. ثلاثة محمّدين ينفذون عملية فدائية في المسجد الأقصى.. قتيلان من جنود الاحتلال وجرح ثالث واستشهاد "محمد جبارين" الثلاثي.

كم آلمني المشهد.. شباب عزّل يواجهون إجراءات الاحتلال في المسجد الأقصى، ويرفضون بكل بسالة إقامة بوابات تفتيش الكترونية وحواجز عسكرية على مداخل البلدة القديمة في القدس المحتلة.. ألا يكفي ما قام به الصهاينة من تغريب وتهويد للهوية الفلسطينية؟ ألا يكفي حصار الشعب الفلسطيني القابع في مدنه وقراه ومخيمات الداخل يواجه وقد تهجّر وتشرّد أكثر من نصفه في شتات الكرة الأرضية؟ ألا يكفي التهديد الذي يحيق بالمسجد الأقصى وزعزعة أساساته وصولاً إلى هدمه وجرفه وإزالته من الوجود؟ الفلسطيني لوحده يقاوم.. ونحن نيام.

كم أسعدني المشهد.. فها هي البوصلة عادت لتفرض نفسها، فيما نحن نجهد في كشف فضائحنا أمام الملأ.. ها هم المحمدون الثلاثة يعيدون رسم الطريق فيما نحن ننقلب على أنفسنا ونمعن في تخوين بعضنا وتوهين قدراتنا.. ها هو شعب فلسطين قد يئس من قيامتنا فانتفض مجدداً يحمي مقدسات الله فيما نحن نسينا قبلتنا ووجّهنا وجوهنا شطر واشنطن وباريس ولندن.. ها هي نساء فلسطين بدأن بجني ثمارهن مقاومين وشهداء وجرحى في وجه الاحتلال دفاعاً عما تبقّى من كرامة العرب والمسلمين.. ونحن نيام.

ماذا فعلنا نحن العرب.. لفلسطين في احترابنا وتكتّلنا خلف متاريسنا الواهية؟

ماذا فعلنا نحن العرب.. للمسجد الأقصى سوى الإنكار والتنكّر وادّعاء الانتماء بالإسم والصفة؟

ماذا فعلنا نحن العرب.. للقدس الشريف الذي ما زال يئن من الاحتلال ونشيح بأعيننا عن مرأى جراحاته، ونصمّ آذاننا عن سماع صراخه المكبوت؟

ماذا نقول نحن العرب.. للكعبة المشرّفة وهي ترقب أولى القبلتين وهي تُنتهك على مرأى من العرب والمسلمين؟ وكيف سنصدح بـ "لبيك اللهم لبيك" وبيت الله تدنّسه أقدام أعدائه؟

ها هم اليهود يشنّون حرباً مسعورة على الشعب الفلسطيني والمسجد الأقصى والقدس.. ونحن نخوض حرباً مسعورة على أنفسنا.. وعلى شعوبنا.

ها هم اليهود يمنعون الصلاة في المسجد الأقصى وينصبون الأبواب ويقفلون كل المداخل ويبثتون حواجز القهر ليحاصروا القدس ويشوّهوا تاريخها.. ونحن نقفل الأبواب على حدودنا ونغلق الأجواء ونشوّه الوجوه والصفحات، ونوصد كل محاولات التلاقي.

ها هم اليهود عادوا يجدّدون خوض حرب الكراهية ضد الفلسطينيين والعرب وكل ما يمت للمسلمين بصلة .. ونحن منشغلون بخطاب الكراهية ونزرع الشقاق بين أبناء أمتنا.

ها هم اليهود يتهيأون ليُجهزوا على آخر حصون العرب والمسلمين، ونحن مشغولون بتدمير ما تبقى من أواصر صلة وقرابة وجيرة وأخوة..

القدس اليوم وحيدة.. والأقصى يواجه خطر الزوال..

يا لخجلتنا وذلّنا وعارنا الذي ألبسناه أنفسنا..