علاقات » خليجي

ليته سكت!

في 2017/07/24

د. أحمد الجميعـة- الرياض السعودية-

الخطاب السياسي في أوقات الأزمات يعتمد على ثلاث إستراتيجيات رئيسة: المراجعة، والمناورة، والمواجهة، وكل إستراتيجية لها أهدافها، وأدواتها، وسيناريوهاتها، ولغتها الخاصة في التعبير، وقدراتها الذاتية أو المدعومة في الوصول إلى الحل، أو تسويته بتقديم تنازلات، أو تعليقه إلى حين نشوء ظروف أفضل تدفع به أطراف أخرى للمصالحة.

خطاب أمير قطر الأخير ليس له علاقة بتلك الإستراتيجيات مطلقاً؛ فهو لم يُحسن تقييم الموقف، وأبعاده، وعواقبه، ولم يستطع توسيع هامش المناورة السياسية لكسب الوقت أو الدعم الشعبي على الأقل، ولا يملك القدرة على المواجهة، والتصعيد حتى بالكلام؛ لأنه ضعيف وعاجز.

إذاً؛ ما الداعي للخطاب، وفي هذا التوقيت، وبهذا المضمون المتناقض، فلا جديد يذكر، ولا رؤية يعضدها حراك، ولا قرار نبني عليه تحول في الحوار، والنتيجة تعليق الأزمة، ولكن ليس إلى ما يشاء تميم؛ فالدول الداعمة لمكافحة الإرهاب لديها ما يكفي من وسائل الضغط، وقنوات التصعيد المشروعة والمضمونة لإعادة قطر إلى حجمها، ورشدها.

تحليل خطاب تميم علمياً لايزال في دائرة المناورة؛ فهو لم يتراجع، ولم يتقدم خطوة للأمام، وهذه المنطقة الرمادية في منطق الساسة تعمّق الأزمات، وتحيلها أوتوماتيكياً إلى ردود الفعل منها، وتترك الخيارات كما هي التكهنات مفتوحة لحلول الخارج أكثر من الداخل، وهنا يكمن الصراع ليس فقط بين أطراف الأزمة، ولكن بين أصحاب المصالح أنفسهم، حيث يكون الابتزاز السياسي رخيصاً في إطالة أمد الأزمة، والانتفاع منها، وتسويقها في أجندات النفوذ والاستنزاف، وكل ذلك ينتهي إلى فراغ، ودوّامة العجز.

من حق أمير قطر أن يقول ما يريد، ويعطي العالم دروساً في الأخلاق، والرقي، وحرية الرأي والتعبير، واقتصاد الأجيال، ويعيد مفهوم الإرهاب بما يراه ضد المدنيين وليس رجال الأمن، والسيادة بما يؤمن به من دون تحفظ على القواعد العسكرية في بلاده، وجموع الشتات المأجورين والمطلوبين في عقر داره، ومن حقه أن يتلاعب بصيغة المطالب ويحولها إلى إملاءات، ويتاجر بقضية فلسطين لتخفيف الضغط عنه، كل ذلك حق له، ولمن يكتب ويقرر بالنيابة عنه، ولكن في الجانب الآخر من العالم الواعي المتحضّر يقول: "ليته سكت"، وبعضهم زاد "ليته سكت واعتبر من غيره"؛ لأنه باختصار مدان، وناقض عهد، ولا أمان له.

مشكلة تميم أنه لم يعرف أن المدان لا كرامة له، وأن السياسة لم تعد فن الممكن بالمال والكلام والمصالح، بل بالمواقف أيضاً، ولم يدرك أن التاريخ يعيد نفسه في لحظات رغم أنف الكِبر وغرور الذات!