علاقات » خليجي

الولايات المتحدة والسعودية لا تتشاركان القيم

في 2017/07/28

كريستيان بيشوف- معهد واشنطن-

في مقالٍ نُشر في منتدى "فكرة" في 13 تموز/يوليو الأخير تحت عنوان " القواسم المشتركة بين الولايات المتحدة والسعودية لا تقتصر على المصالح فقط"، ألقى فهد ناظر تصريحًا جدليًا بأنّ العلاقات الأمريكية-السعودية ليست مبنية على المصالح الأمنية والاقتصادية المعروفة فحسب، بل أيضًا الآن على "قيم جوهرية" مشتركة من التسامح الديني والحقوق المدنية وحقوق المرأة. ويقول ناظر إنّ المملكة قد شهدت "تحولًا مهمًا في الثقافة السياسية" لكي تصبح أكثر انفتاحًا وشموليةً، ويأتي على ذكر الخطط الإصلاحية "الطموحة" لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان. ويضيف ناظر أنّ كل ذلك يخدم الحفاظ على الروابط مع الولايات المتحدة. بيد أنّ حقيقة المملكة - هي نظامٌ ملكي تامّ وأحد أكثر البلدان قمعًا في العالم - لا تشبه الولايات المتحدة بأي شكلٍ من الأشكال، حتى في ظل الضغوطات الراهنة على الولايات المتحدة الأمريكية والديمقراطيات الأخرى.

ويرى ناظر أنّ المؤسسات السعودية اليوم تنشر روايةً من "السلام والتسامح والاعتدال". بيد أنّ التعصّب يقبع في قلب النظام السعودي المبني على التحالف بين مجموعةٍ من رجال الدين المسلمين المحافظين إلى أقصى الحدود من جهة، وعائلة آل سعود المالكة. ويميّز النظام القانوني السعودي كلَ فرد غير مسلم سنّي. وبناءً على وثائق منظمة "هيومن رايتس ووتش" و"منظمة العفو الدولية"،  يتّخذ الإجحاف في حق الأقلية الشيعية في البلاد شكل التمييز القانوني والاجتماعي وعمليات الاعتقال وحتى الإعدام تحت غطاء مكافحة الإرهاب ردًا على الانشقاق الديني. وقد دعا رجال الدين السعوديون إلى قتل الشيعة. ففي نيسان/أبريل 2015، انتشر تسجيلٌ صوتي لإمام الحرم المكي الشريف عبد الرحمن السديس يعلن فيه الحرب المفتوحة على الشيعة.

ولا وجود لحرية الدين في السعودية، إذ يلزم القانون كافة المواطنين بأن يكونوا مسلمين. ويحظَّر على الأجانب غير المسلمين ممارسة شعائرهم الدينية علنًا. وبحسب "اللجنة الأمريكية المعنية بالحرية الدينية الدولية"، تستمر الشرطة الدينية في تعنيف واعتقال العمال الأجانب غير المسلمين (ويعيش الملايين منهم في المملكة) بسبب ممارسة شعائر دينية في منازلهم، ولا تغض الحكومة البصر عنهم كما ادعى ناظر.  ويمكن لكل من يتجرأ أن ينتقد الإسلام أن يعاقَب بالجَلد والسجن والإعدام. وبحسب عددٍ كبير من التقارير، يقضي المدوّن السعودي رائف بدوي عقوبة السجن لمدة عشر سنوات وبالجَلد ألف جَلدة علنية بسبب "الإساءة للدين الإسلامي عبر القنوات الإلكترونية" نتيجة المقالات التي ينشرها على موقعه الشبكة الليبرالية السعودية الحرة Free Saudi Liberals. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر القانون السعودي أي إعلان عن الإلحاد عملًا إرهابيًا ويعاقب عليه بالسجن لمدة تصل إلى 20 عامًا.

وللإضافة على تصويره للتسامح في المملكة، يناقش ناظر ما يدعوه بـ “الجهود الصادقة" التي تبذلها السلطات السعودية لإصلاح النظام التربوي والخطاب الديني الرسمي. بيد أنّ الكتب الدراسية للتعليم الثانوي في السعودية ما زالت مليئة بلغة التحريض وتروّج للتعصب وتفتري على المسلمين غير السنّة (بما في ذلك منع بناء الصداقات مع "الكفّار") وتغذّي معاداة السامية الخسيسة. وبحسب الشهادات التي أدلى بها عددٌ من الخبراء أمام الكونغرس الأمريكي هذا الأسبوع، تضمّ الكتب الدراسية "توجيهاتٍ بقتل الناس ردًا على خياراتهم الحياتية غير العنيفة". وبحسب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، استخدم تنظيم "الدولة الإسلامية" الكتب الدراسية السعودية لتدريس الأطفال في الأراضي الخاضعة لسيطرته. زمن ثم، فان هذا يعتبر مؤشرا على التقارب بين جوانب الخطاب الرسمي للمملكة وبين الفكر الجهادي.

ويبقى واقع المؤسسة الدينية، التي يسيطر عليها رجال دين محافظون إلى أقصى الحدود ويروّجون للتفسيرات المتعصبة للإسلام ويصدّرونها، واقعًا مقلقًا للغاية. ويعظ رجال الدين الأكثر تحريضًا، على غرار محمد العريفي (الذي يشغل منصبًا في جامعة الملك سعود) ومحمد المنجد، بمعاداة السامية وبدونيّة المرأة. وأعلن الإمام السابق للحرم المكي الشريف عادل الكلباني في كانون الثاني/يناير 2016 أنّ تنظيم "الدولة الإسلامية" "يستقي أفكاره من كتبنا نحن، ومن مبادئنا".

ويتحدّث ناظر أيضًا عن التقدم الذي شهده دور المرأة في المملكة. والأكيد أنّه تم تعيين عددٍ ضئيل من السيدات الرائدات في مناصب اقتصادية مهمة، وأنّ عدد السيدات السعوديات يفوق عدد الرجال في جامعات المملكة. وصار للسيدات – والرجال – الحق في الانتخاب والترشح في المجالس المحلية (التي لا تتمتع إلا بسلطة ضئيلة). بيد أنّ ذاك النظام الذي يضع المرأة في الطبقة الثانية ويعتبرها إنسانًا أقل شأنًا ما زال قائمًا وصامد. وينصّ القانون السعودي بالفعل على عدم المساواة بين الجنسين. فعلى سبيل المثال، وبحسب وصف منظمة "هيومن رايتس ووتش"، يعتبر القانون السعودي المرأة قاصرًا وتعتمد حياتها العامة بكافة أوجهها على الرجل. ويقضي نظام ولاية الرجل بأن يكون لكل امرأة سعودية ولي أمر يتخذ القرارات نيابة عنها – أي زوجها أو والدها أو شقيقها أو ابنها الراشد. ويتعين على المرأة السعودية أن تأخذ اذن ولي أمرها من أجل الزواج وتقديم طلب جواز سفر والسفر وفتح حساب مصرفي وتلقى العلاج وغيرها من الأمور الأساسية. وفي أبريل / نيسان أصدر الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود أمرا لمراجعة وربما رفع بعض قواعد الوصاية؛ لكن يبقى أن نرى ما إذا كان هذا سيؤدي إلى تغيير فعلي ويحظَّر على المرأة أيضًا قيادة السيارة وهي ملزمة قانونًا بارتداء عباءة في الأماكن العامة. فتشكّل بذلك التفرقة النافذة بين الجنسين جزءًا لا يتجزأ من المجتمع السعودي.

أخيرًا، يزعم ناظر أنّ المملكة "قد اتخذت خطوات فعلية للتوعية على الحقوق المدنية الكثيرة التي تحميها القوانين والأنظمة السعودية". ففي الواقع، قليلةٌ هي حقوق الإنسان التي يحميها القانون السعودي. فلا وجود مثلًا لحرية التعبير والتنظيم والمعتقد. كما أنّ انتقاد الحكومة يعتبر مخالفةً فعلية للقانون ويعاقَب عليه بالسجن والجَلد. أمّا الأحزاب السياسية والنقابات والمنظمات المستقلة المعنية بحقوق الإنسان فممنوعة منعًا باتًا، ويتم اعتقال السعوديين المنخرطين في مثل هذه المجموعات ومحاكمتهم. ومؤخرًا، بات يحق للسعوديين تشكيل منظمات غير حكومية معينة، إلا أنّه يحق للسلطات حل أي مؤسسة لا تحترم معايير غامضة للغاية من الإساءة للأخلاق العامة والوحدة الوطنية. ويبدو أن نظام العدالة الجرمية في المملكة يفتقر إلى أبسط العمليات اللازمة ويتّسم بعمليات الاعتقال العشوائية وغياب المحاكمات العادلة والتجاهل التام للمعايير القضائية الدولية. واستنادًا إلى عددٍ كبير من تقارير حقوق الإنسان، يتمّ اللجوء إلى التعذيب من أجل الحصول على "اعترافات". ويتمثل حكم الإعدام بقطع الرأس علنًا. وتم إعدام 44 شخصًا في عام 2017 حتى الآن، ويقال إن 41% من عمليات الإعدام هذه جاءت بسبب أفعال غير عنيفة على غرار المشاركة في تظاهرات سياسية. ويؤكد ناظر على أنه في نظام المملكة من أعلى إلى أسفل، "لطالما حرص الملوك السعوديون على اتخاذ القرارات بالإجماع". بيد أنّه في النظام الملكي التام، لا يحمل مصطلح "إجماع" أي معنىً عندما لا يتمتع الشعب بأي حقوق فعلية ويخضع لحكم عائلة مالكة لا يمكن محاسبتها.

بيد أنّ ناظر على حق في إشارته إلى أنّ المملكة تشهد تغييرًا اجتماعيًا واقتصاديًا في بعض المناحى. إذ إنّ جدول أعمال صاحب السمو الملكي الإصلاحي الخاص بـ “الرؤية 2030" يخطط لتقليص الاعتماد على النفط والتخفيف من البيروقراطية الكبيرة للدولة وتوسيع القطاع الخاص وإعطاء المزيد من الحرية الاجتماعية (من خلال بناء مدن الملاهي العامة الأولى في البلاد). ويبدو أن هذه المبادرات الاجتماعية بالأخص تلقى ترحيبًا كبيرًا من الشباب السعودي الذي يطمح إلى العيش في أمةٍ عصرية ومنفتحة على العالم. ومن الواضح أن السعودية، على غرار كل دولة، سوف تتغير بالسرعة التي تتناسب معها، وما زال من المبكر جدًا تقييم الأثر الأعمق الذي سوف تحمله "الرؤية 2030" على المملكة، إيجابيًا كان أم سلبيًأ. بيد أنّ المحللة المحترمة جين كينينمونت تحذّر من أنّه عوضًا عن الانفتاح، قد تعزز العائلة المالكة حكمها المتسلط من أجل الحفاظ على سيطرتها مع تطور النظام الاقتصادي.

وعلى أي حال، من المرجح جدًا أن تستمر الولايات المتحدة في السعي وراء مصالحها الأمنية والاقتصادية القديمة في السعودية، وهي دولةٌ مهمة نظرًا لثروتها النفطية الهائلة (حتى مع تراجُع اعتماد الولايات المتحدة على النفط الأجنبي) وموقعها كمكان ولادة الإسلام واحتوائها لأهم الأماكن المقدسة. بيد أنّ الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية لا يجمعهما أي قاسم مشترك من حيث القيم. فوراء الخطاب شبه العصري الراهن، ما زالت السعودية نظامًا ملكيًا محافظًا للغاية وقامعًا إلى درجاتٍ صادمة أحيانًا يستمر في نشر رؤية متعصّبة وخطيرة للإسلام. ومن ثم، فهناك قواسم مشتركة بين المملكة وبين الفكر السلفي الجهادي الذي يحاول الغرب مواجهته بسياسات مكافحة الإرهاب.  لذلك فإنّ ادّعاء أنّ السعودية تشاركنا مبادئنا المقدسة من التسامح الديني والمساواة بين الجنسين والحقوق المدنية، كما فعل ناظر، ليس تضليلًا فحسب، بل إهانةً للمجتمعات الديمقراطية ومناصري الكرامة الإنسانية حول العالم. ولن تتّسم العلاقات الأمريكية مع دولةٍ كهذه أبدًا بالجذور العميقة والمنافع المستدامة التي تكتسيها الروابط التي تجمعنا بحلفائنا الديمقراطيين.