علاقات » خليجي

قانون جاستا: عبء على ترامب في سياسته مع السعودية؟

في 2017/08/04

سهام أشطو- DW بالعربية-

رغم انفراج العلاقة بين واشنطن والرياض بعد صفقات السلاح، إلا أن قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" يسمح برفع دعاوى ضد السعودية ويضعها مع ترامب في مأزق. قطر والإمارات دخلتا أيضاً دائرة خطر دفع التعويضات لضحايا 11 سبتمبر.

عاد مجددا إلى الواجهة ما يعرف بقانون جاستا، بعدما طلبت السعودية من قاض أمريكي في منهاتن في نيويورك رفض 25 دعوى قضائية تتهم السعودية بالتورط في التخطيط لهجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001 وتطالبها بدفع تعويضات لضحايا يصل عددهم لمئات القتلى وآلاف الجرحى.

قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" لا يشير صراحة إلى السعودية إلا أنها تعتبر أولى الدول المعنية به، ويشير خبراء إلى أن كلا من الإمارات وقطر أيضا معنيتان بالقانون إلا أن الرياض هي التي تقود منذ مدة حملة للضغط والحيلولة دون تنفيذ القانون وهو ما قد يكلفها أموالا طائلة، ويرفض السعوديون الاتهامات بالتورط في هجمات 11 سبتمبر ويؤكدون عدم وجود أدلة تثبت مسؤوليتهم عنها.

ورغم الانفراج الكبير في العلاقات السعودية الأمريكية منذ تولي ترامب للرئاسة خلفا لباراك أوباما الذي عرفت علاقات السعوديين بإدارته فتورا كبيرا في فترة نهاية ولايته بسبب الملف النووي الإيراني، رغم كل هذا فيبدو أن جاستا قد يهدد بأزمة كبيرة جديدة في العلاقات الأمريكية السعودية. فهل يصبح هذا القانون عبئا على ترامب العائد منذ فترة قصيرة من السعودية بصفقة بلغت قيمتها مئات مليارات الدولارات؟.

"السعودية في مأزق"

وكان الكونغرس الأمريكي قد أقر بأغلبية ساحقة في 28 سبتمبر أيلول من العام الماضي قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" المعروف بـ "جاستا" رغم الفيتو الذي استخدمه وقتها الرئيس السابق باراك أوباما ورغم الضغوط والتهديدات السعودية والخليجية من أجل عدم تمرير القانون. وبعد صدور القانون أصبح ممكنا لعائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر وغيرهم مقاضاة الدول الراعية للإرهاب أمام القضاء الأمريكي.

والآن بعدما أصبح القانون نافذا وتُرفع بموجبه قضايا بالعشرات ضد السعودية، يرى الخبير الأردني في قضايا الإرهاب حسن أبو هنية أن السعودية في مأزق كبير. ويشرح ذلك خلال مقابلة صحفية مع DW عربية بالقول: "حتى أوباما حاول تعطيل هذا القانون الذي مُرر في ولايته ولم يفلح. والآن والقانون نافذ، لا يملك ترامب شيئا لفعله وهذا محرج لأنه سيشكل تناقضا كبيرا  من خلال الاستمرار في التنسيق في محاربة الإرهاب مع دولة هي نفسها متهمة برعاية الإرهاب. لن تقبل كل حجج ترامب في هذا السياق في الداخل الأمريكي".

وسبب القانون توترا كبيرا في العلاقات الامريكية حتى قبل تمريره. فحينئذ هددت السعودية بخفض حجم استثماراتها في الولايات المتحدة، وأفاد عضو لجنة الشؤون القضائية في مجلس الشيوخ السناتور جون كورنين أن السعودية دفعت أموالا طائلة عبر جماعات الضغط والعلاقات العامة الأمريكية لمنع صدور القانون. من جهتها كانت الإمارات قد هددت بأنها قد تسحب التعاون الأمني مع الولايات المتحدة في حال المصادقة على قانون جاستا. ونقلا عن وكالة وام تايمز الإخبارية فإنه وفقا لرسائل إلكترونية اطلعت عليها ديلي تلغراف قام السفير الإماراتي لدى واشنطن بتحذير أعضاء في الكونغرس في لقاءات خاصة من أن الدول التي ستواجه قضايا قانونية قد تكون أقل استعدادا للمشاركة في المعلومات الحيوية والاستخباراتية. نفس الرسائل كشفت حسب نفس المصدر التعاون السعودي الإماراتي للضغط على المشرعين الأمريكيين لعدم تمرير جاستا.

الإمارات وقطر أيضا في دائرة الخطر

كانت بعض عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر قد شرعت في مقاضاة السعودية قبل صدور القانون المثير للجدل،  لكن موقفها قويِّ بعد صدور القانون وتزايد بشكل كبير عدد الدعاوى المرفوعة ضد السعودية بشكل خاص، بينما تفيد بعض الأنباء أن الإمارات أيضا رُفعت ضدها قضايا في هذا السياق. ومؤخرا أشارت رئيسة اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا بالكونغرس الأمريكي، إليانا روس ليتينين، أن قطر متورطة بدعم الإرهاب كما نقل موقع سكاي نيوز عربية الذي مقره في الإمارات. الموقع أشار إلى أن ليتينين قالت في جلسة استماع داخل الكونغرس لتقييم العلاقات مع قطر إن السعودية والإمارات حاولتا ثني قطر عن هذه الممارسات منذ فترة طويلة، وبأن مسؤولا قطريا رفيع المستوى قدم الدعم لمدبر هجمات الحادي عشر من سبتمبر. من جهة أخرى سبق لمسؤول أمريكي هو رئيس لجنة مكافحة الإرهابي خلال فترة رئاسة كلا من بيل كلينتون، وجورج دبليو بوش أن تحدث للصحافة عن تحمل قطر جزء من المسؤولية عن هجمات 11 سبتمبر وهجمات إرهابية أخرى، مشيرا إلى أن قطر احتضنت واحدا من أخطر الإرهابيين في العالم. ويتعلق الأمر هنا بالمدعو خالد شيخ محمد الذي يعتبر العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر.

لكن أبو هنية يرى أن الأدلة الموجودة ضد قطر أضعف بكثير من تلك الموجودة ضد السعودية تحديدا باعتبار أن 15 من المتورطين المباشرين التسعة عشر سعوديون، "أما خالد شيخ محمد فهو باكستاني الجنسية والحديث عن إيواء قطر له كحجة ضعيف لأنه كان بدول أخرى أيضا وليس قطر وحدها. قد تكون قطر متورطة في الإرهاب من خلال الترويج لأفكار ونشر خطابات لإرهابيين من خلال قناتها الجزيرة، أما إثبات تورطها بشكل مباشر كما هو الحال بالنسبة للسعودية فهو أمر صعب. وعموما فإن ثبت فعلا تورط قطر لن يعني ذلك أن السعودية ستكون في موقع أفضل" حسب قول الخبير الأردني.

"خيارات أفضلها مر"

ويقول أبو هنية إن لوبي ضحايا هجمات سبتمبر قوي داخل الولايات المتحدة بكل تأكيد بحيث أن هناك إجماعا أمريكيا على هذا الموضوع ولا أحد "يريد أن يزايد على أسر الضحايا وهذا ما يفسر المصادقة على القانون بتلك الغالبية الساحقة وتعطيل فيتو أوباما لمنع تمريره بالإضافة إلى عدم الاهتمام بكل التهديدات السعودية والخليجية رغم الشراكة القوية في مجال الاقتصاد والتعاون الأمني".

من جهته يرى الكاتب عبد الباري عطوان في مقال له على موقع "رأي اليوم" أنه لا يُمكن أن تتبنّى شركات المحاماة الكُبرى مثل هذه القضايا إلا إذا كانت تعرف مُقدّمًا أن نسبة الفوز فيها كبيرةً للغاية، مثلما تعرف أيضًا أن الدّول المُتّهمة تملك صناديق سياديّة تحتوي على أكثر من ترليوني دولار على الأقل، ونسبة كبيرة من هذه الأموال مُستثمرة في الولايات المتحدة.

ورغم أن السعودية تملك أوراقا عديدة للضغط على الولايات المتحدة كما يرى خبراء ومنها مثلا الضغط المالي، بسحب الأرصدة المالية في البنوك الأمريكية وتقدر بنحو 750 مليار دولار. والضغط الأمني بوقف التعاون الاستخباراتي كما سبق فعلا وأن هددت هذه الدول، بالإضافة إلى الضغط العسكري من خلال إغلاق المجال الجوي السعودي أمام النشاط العسكري الجوي الامريكي ووقف شراء الأسلحة الامريكية إلى جانب الضغط السياسي من خلال تخفيض التمثيل الدبلوماسي، وسلاح النفط. لكن رغم ذلك يرى أبو هنية أن السعودية لن يكون بمقدورها التصعيد وإدارة ظهرها لواشنطن فهذا "سيجعلها عارية في مواجهة إيران، وبالتالي لا يوجد أمام السعودية سوى دفع التعويضات"، ويشير الخبير الأردني إلى أن مشكلة الرياض ليست في دفع المال، فهي سبق ودفعت مليارات للإدارة الامريكية ولكن في شكل صفقات شراء سلاح أو استثمارات أو غيرها ولكن ليس باعتبارها راعية للإرهاب فهذا يضرب سمعتها في الداخل والخارج وهي التي تسعى لترويج نفسها كمركز لمحاربة الإرهاب في العالم. يضاف إلى ذلك أن هذا سينسف جهودها للترويج أن الإخوان المسلمين هم الرعاة الأيديولوجيون للإرهاب وليس الوهابية"، حسب اعتقاد الخبير.