علاقات » خليجي

إخـفاقات دبلوماسـية تهـدد الطموح السـعـودي

في 2017/08/07

د. سعيد الشهابي- القدس العربي-

لم تشهد السياسة السعودية اضطرابا كما هي عليه اليوم، فهي مزيج من التناقضات التي تجعل من الصعب على المراقب استشراف مستقبل العلاقات السعودية مع الاقليم والعالم. وربما ساهمت الاخفاقات التي منيت بها هذه السياسة في الاعوام الاخيرة في هذا الاضطراب. فحتى العام 2011 الذي تفجرت فيه ثورات الربيع العربي، كانت السعودية تنتهج سياسة هادئة، تعتمد على الدبلوماسية الخفية وتبتعد عن الاثارات الفاقعة، وتتجنب القطيعة مع الآخرين. 

وتسعى لحل الخلافات سواء داخل العائلة المالكة ام مع الاشقاء بدول مجلس التعاون الخليجي باسلوب هادئ يتوارى عادة عن الانظار. وفجأة تغير منحى تلك السياسة وشكلها، ربما لاعتقاد الساسة الجدد ان الدور القيادي للسعودية يتطلب رفع الصوت عاليا واستعراض الدبلوماسية والقوة العسكرية علنا. حدث ذلك بشكل غير مدروس ففاجأ الكثيرين وخلق مناعة شديدة لدى الآخرين. ولتوضيح الصورة يمكن ايراد الامثلة التالية:

الأول: ان الحرب التي تقودها السعودية على اليمن ما كانت لتحدث ضمن السياسة السعودية السابقة، فبحسابات بسيطة كان بامكان اصحاب القرار السياسي والعسكري استنتاج عدم إمكان حسم تلك الحرب عسكريا، الامر الذي يعني ان الاطراف المستهدفة بتلك الحرب ستخرج منها اقوى واكثر هيمنة على اوضاع اليمن. فبدلا من اخضاع ذلك البلد، خسرت السعودية نفوذها فيه بشكل متسارع. بل ربما اصبحت الامارات، وهي الشريكة الصغرى في الحرب، اكثر نفوذا وسيطرة على اوضاع اليمن.

وبلغت تعقيدات الحرب مدى لم يتوقعه السعوديون انفسهم، فلم يعد هناك من مخرج منها يحفظ ماء الوجه. ومع تصاعد الخسائر المادية والبشرية في صفوف قوات التحالف الذي تقوده السعودية، وانتشار الاوبئة خصوصا الكوليرا على نطاق واسع، وارتفاع الصرخات الدولية التي تعتبر الرياض مسؤولة عن انتشار تلك الاوبئة، وتعمق الضغوط على الدول الداعمة عسكريا للحرب، خصوصا بريطانيا وأمريكا، اصبح من الصعب الاعتقاد بامكان الخروج منها الا بقرار من قوات التحالف السعودي واعترافها، ضمنا، بالهزيمة.

فاذا كانت السعودية، بعد ثلاثين شهرا من الحرب، قد وصلت إلى هذا الوضع، فأين هي القوة السعودية من الحكمة اليمانية؟

الثاني: ان تلون السياسة السعودية تجاه العراق، وتغيير خطابها الذي كان في البداية مؤسسا على اثارة الطائفية في المنطقة وتقسيم الامة، ثم تحول لاستقبال قادة العراق ابتداء برئيس الوزراء وانتهاء بزعيم التيار الصدري، يؤكد شعور القادة السعوديين بعدم جدوى السياسات السابقة، وان من الضرورة بمكان التوصل إلى تفاهم مع الجيران لتفادي التصعيد الذي يضغط على القدرات السعودية، ويكشف النظام امام التحديات الداخلية على وجه الخصوص.

فما دامت محاولات اضعاف العراق بالوسائل التي انتهجت لم تؤد إلى نتائج ملموسة، فلماذا لا يتم التفكير باساليب اخرى لاحتوائه. ويمكن اعتبار عملية تحرير الموصل نقطة تحول في تاريخ ذلك البلد الذي كان مهددا بكافة اشكال التمزق العرقي والديني والمذهبي. فقد ادركت السعودية وحلفاؤها ان استمرار استعداء العراق سيدفعه نحو إيران، وسيصبح تحالفهما تحديا اكبر للسعودية وحليفاتها. فحدث تغيير ظاهري على سياسات المملكة، وتعمق الرهان على ذلك البلد.

الثالث: ان التوجه نحو إيران، هو الآخر، يتأرجح بنمط غير مسبوق. فهل إيران عدو ام صديق؟

كان التنافس بين الرياض وطهران على النفوذ الاقليمي من اهم اسباب توتر العلاقات بينهما. ثم جاء الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية ليقض مضاجع السعودية، ويدفعها للعمل الحثيث لافشال ذلك الاتفاق والتحريض عليه. 

برغم ذلك تشهد العلاقات السعودية ـ الإيرانية تحسنا هادئا برغم المنغصات الناجمة عن ازمات سوريا واليمن والبحرين. ومع ان من السابق لأوانه استشراف ما سينجم عن اللقاء الذي جمع بين وزيري خارجية البلدين الاسبوع الماضي في اسطنبول، الا ان تسهيل شؤون الحجاج الإيرانيين هذا العام، بعد مقاطعتهم العام الماضي، يؤكد وجود شيء ما في الافق، وان الرياض ادركت اخيرا ان رسم خريطة الشرق الاوسط ليس حكرا عليها. 

الرابع: انه في الوقت الذي يفترض ان تتوجه السعودية لتثبيت اوضاعها الداخلية وتحالفاتها الاقليمية فانها تنحو منحى مغايرا لذلك. فعلى صعيد الداخل شهدت السياسة السعودية تحولا خطيرا على صعيد الانقلاب الابيض على ولي العهد السابق، محمد بن نايف الذي ادى لاحتقان داخل البيت السعودي نفسه، فالرجل محاصر في منزله وممنوع من السفر منذ ان ازيح من منصبه فجأة بدون مقدمات.

والواضح ان محمد بن سلمان قد خطط للامساك بزمام الامور من والده قريبا، وقد يحدث ذلك قبل نهاية هذا العام. وبذلك اخترق الشاب الطموح ثوابت الاستخلاف في الحكم السعودي، ونقل الحكم إلى الجيل الثاني من أحفاد عبد العزيز بن سعود.

وليس واضحا ما إذا كان هناك قبول لذلك من بقية افخاذ البيت السعودي، الامر المؤكد ان هناك استفرادا بالسلطة من قبل شاب لا يمتلك الكثير من الخبرة. 

وللمرة الاولى يصبح الحكم السعودي مكشوفا امام احتمالات التمرد على الملك من داخل البيت السعودي نفسه. وفي غياب ظاهرة الاعتماد على الشعب كمصدر للشرعية، فان اضعاف تماسك البيت السعودي خطأ استراتيجي ارتكبه محمد بن سلمان، قد يؤدي لمحاولات تمرد مستقبلية، وهذا بدوه سيقوض الحصانة التي يوفرها التماسك الداخلي لنظام الحكم في الجزيرة العربية.

فالنظام السياسي بقي جامدا بدون اي تطوير، منذ ان اعلن الملك فهد في 1992 ما اسماه «نظام الحكم» وتأسس على ضوئه مجلس الشورى الذي لا يمتلك صلاحيات تذكر.

أما على الصعيد الشعبي، فهناك مصدران للخطر.

المصدر الاول: التنظيمات المتطرفة التي قد تجد هذه المرة دعما من المؤسسة الدينية التقليدية. فهناك ضغوط كبيرة على محمد بن سلمان لتهميش دور تلك المؤسسة التي هي مصدر قوة النظام وضعفه في الوقت نفسه. وفي مسعاه لنيل رضا الغربيين، هناك توجه لتوسيع مجالات الحرية للمرأة السعودية ليس في قضايا الولاية او قيادة السيارة فحسب، بل حتى في السلوك الاجتماعي. ويتردد ان هناك قرارا بفتح مجال السباحة المختلطة على سواحل البحر الاحمر، والسماح للنساء بارتداء «البيكيني» الامر الذي من شأنه ان يثير حفيظة المؤسسة الدينية الرافضة للتك الممارسات. 

اما المصدر الثاني فيتمثل بالغضب الشعبي خصوصا في المنطقة الشرقية التي تعصف بها ازمة امنية غير مسبوقة. فمنذ اعدام الشيخ نمر النمر في مطلع العام الماضي، لم تهدأ الامور في تلك المنطقة. وفي الاسابيع الاخيرة تعمق التوتر بعد ان قررت الحكمة استهداف المنطقة بشكل كاسح، فسقط عشرات القتلى واعتقل الكثيرون. واستخدمت الاسلحة الثقيلة لقصف منطقة العوامية بشكل خاص، وما يزا ل التوتر قائما في تلك المنطقة وينطوي على ابعاد امنية خطيرة.

الخامس: سعت السعودية لتوثيق علاقاتها بالكيان الاسرائيلي بشكل مكشوف، ويشعر قادتها ان التصدي للنفوذ الإيراني في المنطقة يقتضي التعاون مع الاسرائيليين. ويشترك الطرفان في عدائهما لإيران والتنظيمات الاسلامية المحسوبة على تيار «الاسلام السياسي» مثل حزب الله وحماس والجهاد الاسلامي والاخوان المسلمون.

هذا التعاون ادى لتبادل الزيارات وتنسيق المواقف والضغط على الادارة الأمريكية لالغاء الاتفاق النووي وفرض عقوبات اضافية على إيران. هذا التقارب السعودي الاسرائيلي أكد ما كرره المحللون السياسيون حول ظاهرة «قوى الثورة المضادة» التي تصدت لثورات الربيع العربي وتسعى لمنع تكرر تلك الظاهرة مجددا. وقد استخدمت هذه القوى أقذر الاساليب لضمان ابعاد الشعوب عن قضاياها الحقيقية في الحرية والاستقلال والديمقراطية.

السادس: اخيرا اقدمت السعودية على قرار خطير باستهداف قطر، العضو الحليف بمجلس التعاون الخليجي. وحتى الآن ليس هناك اية مؤشرات لنجاح ذلك القرار. كانت السعودية ومعها الامارات والبحرين ومصر تراهن على استسلام تلك الدولة الصغيرة امام الضربة «القاضية» التي تمثلت بثلاثة عشر شرطا فرض على قطر الامتثال لها في غضون ايام معدودة.

لكن تلك القوى فوجئت بالرفض القطري الشديد، الامر الذي افشل الخطة جملة وتفصيلا. وقد اظهرت نتائج ذلك القرار حتى الآن خواء التخطيط الاستراتيجي لدى هذا التحالف.

ويعتقد البعض ان الامارات بقيادة محمد بن زايد هي التي دفعت باتجاه ذلك القرار الذي دمر سمعة المشاركين فيه.