علاقات » خليجي

ما بعد دولة قطر المتوحشة!

في 2017/08/28

خالد بن حمد المالك- الجزيرة السعودية-

لم نخطئ حين أطلقنا على قطر في مقالنا أمس أنها دولة متوحشة، ولم نقل عنها ما لا ينطبق عليها، ولم نسئ لها حين قلنا ما قلناه عنها، فنظامها - هو لا نحن - من وضعها في مواصفات ما أطلقناه من وصف عليها، هو النظام الذي فعل ذلك حين جردها من كل ما كانت عليه من التزام بعدم المساس بمصالح الدول الشقيقة، أو التعرض لها بما يفهم على أنه تآمر عليها، أو ممارسة إرهاب ضدها، فالذي تآمر على مصر أو المملكة أو الإمارات أو البحرين هو النظام القطري، والذي حوَّل قطر إلى دولة متوحشة هي الأعمال العدائية التي كانت تصدر من الدوحة باتجاه الدول الأربع وغيرها، والذي حرّك دولنا ضد ممارساتها بعد سنوات من الانتظار على أمل أن تخلع ثوب الإرهاب ولم تفعل، هو إصرار نظام تميم على أن موقفه لن يتغير إلا بتغيير الأنظمة في هذه الدولة الشقيقة.

فقطر تتعامل بخبث مع جيرانها، وتتدخل في شؤونهم الداخلية، وتستخدم المال والإعلام وسائل لتنفيذ جرائمها، ولا ترتاح إلا حين ترى مخططاتها وقد تم تنفيذها بنجاح، وأقصى ما تسعى إليه أن تكون وحدها آمنة وغيرها في جحيم مؤامراتها، ما لا يمكن أن نجد له من تفسير إلا أن النظام في قطر مغيّب ومتآمر، وليس على علم بما ستكون عليه الدولة القطرية الصغيرة بعد التوحش، فقد استكملت الدول الأربع كل الأسباب لأخذ موقف جديد من قطر، لا تنفع فيه الوساطات والمجاملات وانتظار الحلول السلمية والأخوية التي قد لا تأتي، أصبح الوضع من الخطورة، بما يجعل المسارعة إلى طرح الحلول لإيقاف التهور القطري ضرورة لا تقبل التأخير، وآن تخليص الدوحة من توحشها؛ فحماية دولنا من ممارساتها للتوحش هذا وقته وهذا زمانه كما هي قراءتي للمشهد في أزمة دولة قطر.

لذا، كان قرار قطع العلاقات مع قطر، وكان قرار قفل الحدود بينها وبين الدول الأربع، ضرورة تطلبها الشعور بخطر هذه الدولة المتوحشة، وأن لا مجال لمزيد من الانتظار، أو قبول لكثير من الأضرار، أي أننا الآن - نحن وقطر - نمر بمرحلة ما بعد التوحش، أي تقليم أظافر الأصابع القذرة التي تتآمر على دولنا، وتأخذ من دولة قطر معبراً لتوظيف الإرهاب، وخلق أجواء يسودها عدم الاستقرار في كل من الرياض وأبو ظبي والمنامة والقاهرة، ما ظهر لدولنا أن أفضل أسلوب لمقاومته ومكافحته أن يتم التعامل مع المصدر بحزم وقوة، وأن يُقضى على عنصر الشر والعدوان والتسلط في هذه الدولة المتوحشة، وقد كان.

وهذا الذي نسمعه من الدوحة عن عدم الاهتمام بهذه الإجراءات، ومن عدم القبول بأي شرط أو متطلبات كانت قدمتها هذه الدول، هي من باب إظهار القوة القطرية مظهرياً أو شكلياً، استناداً واعتماداً على نصائح إيران والإخوان المسلمين وقناة الجزيرة، وإلا فإن قطع العلاقات وإقفال الحدود، قد تركت تأثيرات كثيرة أثارت الرعب والخوف لدى النظام التميمي، فتسارعت الجهود القطرية البائسة للإفلات منها، بالتباكي والإنكار والشكاوى، بحيث لم تعد هناك من دولة أو منظمة دولية ذات اختصاص واهتمام، إلا وقد تناوب مندوبو قطر لشرح مواقفهم لديها، ومحاولة كسب ودهم وتعاطفهم، لعل شيئاً يصدر ويكون لصالحهم، غير أن نتائج هذه الجولات القطرية المكوكية لم يكن لها من أثر أو نتائج إيجابية لصالح النظام، وظلت الدوحة تراهن على المجهول، وظل هذا المجهول لا يسير لصالحها، بما يجعلنا نتساءل: وماذا بعد دولة قطر المتوحشة؟

هل قطر على استعداد الآن للتحرك باتجاه معاكس لسياساتها، أعني التخلي عن إيران والإخوان المسلمين وحزب الله؟ هل أدرك نظام تميم أن قناة الجزيرة وعزمي بشارة والقرضاوي وغيرهم هم المسؤولون بالشراكة مع تنظيم الحمدين عن جرائم قطر، وأنهم المعنيون بتحويلها إلى دولة متوحشة، وهل قطر على استعداد، وقد فُضحت سياساتها ومواقفها وأدوارها المشبوهة ضد أشقائها وجيرانها، هل هي على استعداد للتعامل بإخلاص وصدق مع من تعاديهم اليوم، فلا تخونهم، ولا تتآمر عليهم، ولا تعرضّ مصالحهم للخطر، وأن تبدأ من الآن بالعودة بالبلاد إلى ما كانت عليه قبل أن تصبح دولة متوحشة، فتكون هذه قطر المطلوبة ما بعد التوحش؟

كل شيء وارد، كل شيء ممكن، فقطر بين مفترقات عدة طرق، وإذا وجد الناصح المخلص لها، فسوف يُخلصها من مأزقها، ويُنقذها من حالة التلبس بظاهرة الإرهاب والتطرف، والناصح الذي نعنيه، ويفترض أن يكون في حالة حضور وجاهزية واستعداد لإنقاذ قطر، هو المواطن القطري المخلص أولاً، ثم الدول الأربع التي قطعت علاقاتها مع قطر ثانياً، وثالثاً هؤلاء الوسطاء المخلصون - الكويت - على سبيل المثال، فإن نزعت الدوحة ثقتها بكل هؤلاء، وأصرت على مواقفها المتهورة، فهي تضع نفسها في موقف ما بعد التوحش ولكن بصورة سيئة، وكأنها تختار لها صفات خطيرة أخرى مرادفة، وبما يؤكد أن النظام لا يملك القدرة والحق في التصرف بما يحمي قطر من هذه المؤامرات التي تخطط لها قوى يحسبها نظام تميم أصدقاء لقطر وهي ليس كذلك.

أما ما نتمناه، فنحن في اصطفاف مع أهلنا في قطر، نرفض هذا المنحى الخطير في سياسة قطر، ونتمنى أن تتخلى عاجلاً غير آجل عن كل ما يبغِّض الآخرين بها، أو يجعلنا في موقع شك وريبة في سلوكياتها، فنحن نريدها أن تزرع الورود لا الأشواك في طريق علاقاتنا معها، وأن تكون موئل حب لا كراهية، ومصدر أمان لا يشكل خطراً علينا، وظلاً وارفاً يقيها ويقينا من سطوة الأعداء وقوى الشر، ودولة نأنس لها، فلا يخالجنا شك في نواياها، أو شعور بتآمرها علينا، أو تفكير على أنها ما بعد التوحش سوف تكون أكثر إمعاناً في توحشها، فهنا نحن لن نكون معها ولها، وهنا سنكون على طرفي نقيض مع سياساتها، أي أننا في مرحلة الترقب والانتظار للآتي، لن نُغمض عيوننا، ولن نصم آذاننا، ولن نستكين للهدوء وصورة قطر مشوشة، وسياساتها تعمق الخوف منها وعليها.

ما بعد حالة التوحش لقطر ربما حمل كل المفاجآت، أقربها إلى تحليلنا وقراءتنا لها، أنها سوف تتشكل من جديد، جسم يرفض التدجين والمؤامرة الأجنبية، ونظام يحكم بما يخدم مصالح البلاد والمواطنين بعد سنوات من الضياع والتفريط بمصالح المواطنين، غير أن هذا التفاؤل ليس بإفراط، فما زالت هناك قوى خطيرة لا تريد لقطر أن تتعافى من مرضها، وأن تتخلص من أزماتها، وأن تكون دول مستقلة وذات سيادة، فهؤلاء المتآمرون عليها وعلينا يريدون أن يربطوا مصالحهم بتهميش أي دور للدولة القطرية مع أشقائها وجيرانها، ويجروها إلى معسكرهم المتآمر على أمننا، الساعي لتحقيق أطماعه في منطقتنا، خاصة وقد وجد في الدوحة متطلباته من خلال تفريط نظام تميم بمصالح قطر وحقوق مواطنيها.

ومع كل هذا فالشعوب الحية، ومنها شعب قطر الشقيق، لا تقبل بالضيم، ولا تستسلم للمؤامرات، ولا تحني رأسها للعدو، ولا تنساق لما يروجه الإعلام المتآمر، ولهذا فإن التحديات التي يواجهها شعب قطر الآن لن تزيده إلا قوة ومقاومة ومواجهة شجاعة، والمواطن القطري بدفاعه عن حقوقه سيظل الأقوى، مهما تكالب الأعداء ومارسوا الضغوط عليه، لأنه صاحب حق ومبادئ ورسالة، فيما عدوه صاحب أطماع وأهداف تآمرية، وفي مثل هذه المواجهات والتحديات والمواقف التاريخية، تكون الغلبة فيها لأهل الحق، والهزيمة لأهل الباطل.

السؤال، أين سيقف نظام تميم إذا ما ظل الوضع على ما هو عليه، أعني إذ ظلت إيران وأعوانها تسيطر على قطر، وبقي النظام شكلياًً يدير الحكم في البلاد، وكيف سيكون حال دولة قطر بعد سنوات من التوحش الذي دفع المواطن القطري ثمناً باهظاً من المعاناة، بسبب إحكام الأعداء سيطرتهم على القرار في البلاد، والقبول المذل للنظام بأن يكون تابعاً لهم، موافقاً على قراراتهم، ومؤيداً للعدو المخادع في كل ما يرسمه للنظام من توجهات وسياسات ومواقف معادية للشقيق والجار.