علاقات » خليجي

هل نفذت الإمارات تفجير مقديشو انتقاما من مواقف الصومال؟

في 2017/10/16

الخليج الجديد-

«هو الأقوى الذي شهدته مقديشو في تاريخها»، هكذا وصف مراقبون التفجير الذي ضرب العاصمة الصومالية، السبت، وسط تشكيك في قدرة حركة «الشباب» على تنفيذه، والترويج لجهات مخابراتية تابعة لدولة أو دول بالوقوف ورائه.

واستهدف التفجير غير المألوف في طبيعته وحجمه، أحد أكثر الأماكن حيوية بالقرب من وزارة الخارجية والسفارة القطرية، دون إعلان أي جهة مسؤوليتها عنه، ما يفتح الباب أمام التساؤل حول من يقف ورائه.

في منطق «ابحث عن المستفيد»، يرى مراقبون أن أحد هؤلاء المستفيدين من التفجير هي دولة الإمارات، نظرا لخلافات قديمة متجددة مع الحكومة الصومالية التي رفضت مؤخرا الضغوط التي مورست عليها لمقاطعة قطر، إضافة إلى الخلاف القائم حول القاعدة الإماراتية بأرض الصومال المنفصلة عن الدولة الأم.

ولم تعلن الحكومة الصومالية بعد عن الحصيلة النهائية الرسمية لضحايا الحادث، بيد أن أخر الإحصائيات الطبية تقول إن عدد الضحايا تجاوز 500 شخص، نصفهم من القتلى على الأقل.

والسبت، وقع تفجير كبير أمام فندق في مقديشو، لشاحنة عند تقاطع الكيلومتر 5، في منطقة هودان، الحي التجاري الحيوي في العاصمة الصومالية، الذي يضم الكثير من المتاجر والفنادق والمكاتب، بحسب وكالات.

وأفادت مواقع محلية، أن الانفجار كان قوياً، وهزّ مقديشو، وسمع دوي الانفجار في مختلف أحياء العاصمة، وشوهدت ألسنة اللهب وأعمدة الدخان تتصاعد من موقع التفجير، في الوقت الذي انهارت المباني القربية على رؤوس ساكنيها، ويعتقد أن هناك أشخاصا لا يزالوا عالقين تحت الأنقاض.

ويأتي التفجير، بعد يومين من تقديم وزير الدفاع الصومالي «عبدالرشيد عبدالله محمد»، وقائد الجيش بالبلاد «أحمد جمال جدي»، استقالتهما من منصبيهما.

ورغم أن الوزير وقائد القوات المسلحة لم يعلنا أسباب استقالتهما، فإن بعض المصادر الإعلامية أشارت إلى أن الاستقالة تعود إلى اختلاف في وجهات النظر بينهما في عدد من الملفات الأمنية، ومن بين تلك الملفات حادثة بلدة بريري جنوبي الصومال التي قتلت فيها قوات أمريكية أكثر من 11 مدنيا، ثم تضاربت تصريحات قائد القوات المسلحة الذي قال إن القتلى مدنيون، في حين قال وزير الدفاع إنهم عناصر إرهابية من حركة الشباب.

استبعاد «الشباب»

حركة «الشباب»، التي عادة ما تعلن مسؤوليتها عن التفجيرات أو الهجمات التي تطال الحكومة المركزية في الصومال، لم تحرك ساكنا، ولم يصدر عنها ما يشير إلى تبنيها الحادث، على عكس العمليات السابقة التي كانت تسارع بالإعلان عن مسؤوليتها عنها.

وتخوض حركة «الشباب» قتالا منذ سنوات لإسقاط الحكومة المركزية في الصومال، والسيطرة على مقاليد الحكم في هذا البلد الواقع في القرن الأفريقي.

وطُردت الحركة، المرتبطة بتنظيم «القاعدة»، من العاصمة مقديشو في أغسطس/آب 2011، قبل أن تفقد الحركة منذ ذلك الحين الكثير من الأراضي التي كانت تسيطر عليها في السابق بعد الهجوم الذي شنته قوات الحكومة الصومالية وقوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي.

لكن الحركة لا تزال تسيطر على أجزاء من الصومال، وتشن هجمات منتظمة وتفجيرات في العاصمة مقديشو، وبلدات أخرى ضد أهداف عسكرية ومدنية بالإضافة إلى تنفيذها هجمات في كينيا المجاورة.

بيد أن هذه الهجمات ليست بهذه القدرة، التي يستخدم فيها مئات الكيلوغرامات من المتفجرات، في موقع بالقرب من الخارجية الصومالية والسفارة القطرية تحديدا.

الإمارات متهمة

وباستبعاد حركة «الشباب»، يتساءل مراقبون عمن لديه القدرة على تنفيذ مثل هذا التفجير بهذا الحجم؟، ومن هو المستفيد منه؟.

بحسب مراقبون، فإن أحد من توجه إليهم أصابع الاتهام، هي دولة الإمارات، نظرا لخلافتها مع الصومال، على عدة أصعدة، منها أزمة القاعدة العسكرية الإماراتية في أرض الصومال، والقاعدة العسكرية التركية التي تم تدشينها مؤخرا، فضلا عن رفض الصومال الانحياز لدول الحصار في موقفها ضد قطر.

الحديث عن تورط الإمارات في دعم الإرهاب بالصومال، دلل عليه التقرير السري نصف السنوي الصادر عن فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات المفروضة من مجلس الأمن الدولي على الصومال وإريتريا، والمتضمن فرض حظر تسليح على البلدين.

وتضمن التقرير الذي كشف عن تفاصيله قبل أسبوعين، فقرات كاملة عن الانتهاكات التي تمارسها الإمارات للقرارات الدولية، سواء عبر تهريب السلاح، أو تزوير المستندات الرسمية من أجل تخطي الحظر المفروض على تصدير الفحم من الصومال، الذي اعتبره مجلس الأمن من أهم المصادر المالية لحركة «الشباب».

تعزيز التقسيم

مراقبون أكدوا تورط الإمارات، في تعزيز تقسيم الصومال، ودعم داخل دولة «أرض الصومال» غير المعترف بها دوليا.

كانت جمهورية «أرض الصومال» أعلنت انفصالها عن باقي أراضي الصومال عام 1991، لكن المجتمع الدولي لا يعترف بها كدولة مستقلة.

وبالرغم من الموقف المعلن للإمارات بتأكيد وحدة الصومال، ورعايتها لمبادرة مصالحة بين أطراف الأزمة الصومالية، بتوقيع الأطراف على ميثاق دبي للمصالحة بعد محادثات في لندن واسطنبول، سعت الإمارات لتحقيق مكاسب اقتصادية واستراتيجية داخل «أرض الصومال» على حساب الوحدة المزعومة، عبر نشاط إعلامي واقتصادي وسياسي إماراتي خلال العامين الماضيين، لم يلعب أبدًا في جانب الوحدة.

وروج الإعلام الإماراتي خلال العامين الماضيين لدولة «أرض الصومال» غير المعترف بها دوليًا، كأرضٍ للاستقرار والثقافة والديمقراطية.

كما كشف «أحمد محمد سيلانو» رئيس «أرض الصومال» في يونيو/ حزيران 2015، عزم الإمارات إنشاء مشاريع ضخمة في «صوماليلاند» شمال جمهورية الصومال الاتحادية، كما أكد وزير خارجيته «محمد بيحي يونس»، ان «الإمارات تساعد أرض الصومال في مجالات عديدة وعلى رأسها إعادة إعمار وتنيمة مجالات التعليم، والمستشفيات، وتوليد الطاقة والصرف الصحي للمياه ، بالإضافة إلى تعبيد الشوارع الرئيسية في مدينة هرغيسا (العاصمة) والمناطق المحيطة بها».

قاعدة أرض الصومال

الأمر لم يقف عند ذلك الحد، بل تسعى الإمارات لإنشاء قاعدة عسكرية في مدينة بربرة على ساحل خليج عدن، الواقعة داخل «أرض الصومال».

بيد أن حكومة الصومال، أعلنت في فبراير/شباط الماضي، رفضها الاتفاق بين الإمارات و«أرض الصومال»، المعلن من جانب واحد، بشأن إنشاء القاعدة العسكرية، متهمة الإمارات بـ«انتهاك القانون الدولي».

والعام الماضي، وقعت شركة إماراتية اتفاقا مع «أرض الصومال» بلغت قيمته 442 مليون دولار لتطوير ميناء بربرة من أجل استخدامه في أغراض عسكرية، بعدما كان يُستخدم بشكل أساسي لتصدير الماشية لمنطقة الشرق الأوسط.

وحصلت الإمارات، عن طريق شركة «دي بي وورلد» التابعة لإمارة دبي، على حق إدارة ميناء بربرة أهم موانئ «أرض الصومال» بعقد يمتد لـ30 عامًا.

ولاحقا، وخلال زيارة أجراها الرئيس الصومالي «محمد عبدالله فرماجو» إلى السعودية، كشفت تقارير صحفية عن أن الأخير طلب وساطة السعودية لإقناع الإمارات، بالعدول عن مشروع إنشاء القاعدة العسكرية.

ويخشى «فرماجو» من توريط بلاده، عبر تلك القاعدة، في صراعات إقليمية أو حرب بالوكالة، وقبل ذلك كله، فهو يريد من أبوظبي التفاوض مع الحكومة المركزية في هذه القضية السيادية والمصيرية، والتي قد تؤثر بالسلب على شعبيته إذا بدا موقفه ضعيفاً منها.

مواجهة «فرماجو»

ويقول مراقبون إن سياسة الإمارات في الصومال، سعت نحو التمديد الرئيس السابق «حسن شيخ محمود» في الحكم، خاصة أن الأخير منحهم، إبان حكمه، نفوذا كبيرا في البلاد تمثل بصورة أساسية في عقود لاستغلال وإدارة عدد من موانئ البلاد، التي تتمتع بموقع استراتيجي هام لحركة التجارة العالمية.

بيد أن وصول الرئيس «فرماجو» إلى كرسي الرئاسة في فبراير/شباط الماضي، رغما عن إرادة أبوظبي، دفعها إلى تغيير موقفها منه، استجابة لضغط السعوديين، خاصة بعدما بدأ في مناهضة النفوذ الإماراتي المتصاعد في بلاده.

وحسب مصادر، عدل الإماراتيون من سياستهم تجاه «فرماجو»، وبعدما أصبح الرجل أمر واقع بالنسبة لهم؛ حيث بدأوا في مساعي استمالته بالمال كما فعلوا مع سلفه.

وتؤكد المصادر أن سياسة حكام الإمارات الجديدة تجاه «فرماجو» تقوم على إغرائه بالمال والمساعدات مقابل مزيد من النفوذ الإماراتي في البلاد، غير أنه لا يسمح لهم بذلك كسابقه.

الأزمة الخليجية

ومع وقع الأزمة الخليجية، في يونيو/حزيران الماضي، رفضت الصومال، عرضا خليجيا ماليا، قالت مصادر إنه من الإمارات، لقطع العلاقات مع قطر.

وكشف الكاتب الصحفي «جابر الحرمي»، أنّ وزيراً خليجياً (لم يسمه) حمل 80 مليون دولار، للرئيس الصومالي «فرماجو» مقابل قطع علاقاته مع قطر.

وأشار «الحرمي» إلى أنه «بعد ساعتين من الإغراءات، رفض فرماجو العرض المغري».

وحينها، نقلت صحيفة «الصومال اليوم»، عن مصادر لم تسمها، قولها إن «هناك ضغوطا تمارسها السعودية والإمارات على الحكومة الصومالية، لتغيير موقفها الحيادي حيال الحصار الذي فرضته بعض من الحكومات العربية على دولة قطر».

في المقابل، استقبلت الصومال، وفدا قطريا برئاسة وزير الدولة لشؤون الخارجية «سلطان بن سعد المريخي»، لإجراء مباحثات حول نزاع الدول الخليجية مع مسؤولي الحكومة الصومالية الفيدرالية.

وبحسب المصادر، فإن الوفد القطري التقى مع رئيس الوزراء الصومالي «حسن علي خيري» ومسؤولين من وزارة الخارجية الصومالية، كما يتوقع أن يلتقي الوفد أيضا مع رئيس الجمهورية الصومالية «محمد عبد الله فرماجو».

يشار إلى أن قطر، استخدمت المجال الجوي الصومالي، لتجاوز العقوبات التي فرضتها دول عربية على الطيران القطري.

الجدير بالذكر أن حادث مقديشو، وقع بالقرب من السفارة القطرية بالعاصمة الصومالية، ما أسفر عن إصابة القائم بالأعمال القطري «حسن بن حمزة أسد محمد».

وذكر بيان للخارجية القطرية، الأحد، أن مبنى السفارة القطرية بالعاصمة الصومالية مقديشو تعرض لأضرار جسيمة نتيجة التفجير.

نفوذ تركي

وبالتزامن مع ذلك، افتتحت تركيا، الشهر الماضي، أكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج، لتعمل كأكاديمية عسكرية، تضم حوالي 200 جندي تركي سيساهموا في تشكيل الجيش الصومالي بشكل فعال، من أجل تعزيز قدرات الدفاع والقتال.

وكانت تركيا شرعت في بناء القاعدة العسكرية في مارس/أذار 2015؛ حيث تم الاتفاق عليها خلال زيارة قام بها الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» إلى الصومال، ضمن جولة أفريقية.

ولا شك أن أهمية الصومال بالنسبة لتركيا تعود لما تحظى به، من موقع استراتيجي على البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وهو ذات ما تسعى الإمارات للسيطرة عليه.

ومع اندلاع الحرب في اليمن، في خريف العام 2014، سعت بعض دول الخليج الغنية، وفي مقدمتها السعودية والإمارات، ولأول مرة في تاريخها، إلى بناء قواعد عسكرية خارج أراضيها، في منطقة القرن الأفريقي، وبالتحديد في دول إريتريا وجيبوتي، والصومال، القريبة من السواحل اليمنية، ومن خليج عدن، الذي يعد المدخل لمضيف باب المندب الاستراتيجي.

وتريد الإمارات، التي تدبر مكائد لتركيا في الخفاء، وفق مراقبين، إلى مزاحمة الأخيرة في الصومال؛ حيث تعد أنقرة من أكبر الدول دعما لمقديشو.

يشار إلى أن الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان»، أمر بإرسال طائرة عسكرية محملة بالمساعدات الطبية، لمعالجة المصابين في هجوم مقديشو، واستقدام عدد من الجرحى للعلاج في تركيا.

في الوقت الذي أرسل رئيس الوزراء التركي «بن علي يلدريم»، برقية تعزية إلى نظيره الصومالي «حسن علي خيري»، بضحايا الهجوم، فيما قال وزير الخارجية التركي «مولود جاويش أوغلو»، أن «تركيا ستقوم بكل ما بوسعها من أجل تضميد جراح الصومال».