علاقات » خليجي

البرقيات السرية لوزارة الخارجية السعودية (19)

في 2018/02/22

من كتاب البرقيات السرية لوزارة الخارجية السعودية-

تكشف وثائق الحلقة التاسعة عشرة عن المراسلات التي جرت بين وزارة الخارجية والاستخبارات السعودية وسفارتها في تونس وخفايا العلاقات الغامضة بين الرياض الخائفة من صعود نجم حركات الإسلام السياسي في بلدان الربيع العربي خاصة في تونس التي اندلعت منها الثورات العربية وأسقطت أول الانظمة المستبدة زين العابدين بن علي الذي منحته السعودية الملاذ الآمن بعد هروبه من نيران بوعزيزي.

كانت الثورة التونسية شؤما على السعودية فلم يتوقف الامر على تونس بل امتدت الثورات الى مصر واليمن وليبيا فحملت السعودية عبء اليمن ومصر وإن طربت لسقوط القذافي، ولم تمنحها استضافة بن علي القدرة على احتواء ثورة تونس وتعيد انتاج النظام القديم خاصة بعد صعود التيار الاسلامي ممثلا في حركة النهضة التونسية.

ورأت الاستخبارات السعودية ان المنصف المرزوقي يحاول بعد الثورة تزعم رؤساء المنطقة وانه يسعى لإحياء الاتحاد المغاربي وينصب نفسه وسيطا لحل الخلافات القائمة بين الجزائر والمغرب وهو مايعكس رفضا سعوديا لما جاء به الربيع العربي.

رصدت احدى البرقيات المرفوعة للقصر الملكي تصريحات للرئيس التونسي المنصف المرزوقي للصحافة الجزائرية بأن تونس ترغب في تسلم الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي من السعودية وقال اننا نريد من الاخوة في السعودية ان يسلمونا هذا المجرم.

لكن المزروقي قال اننا لن نجعل ذلك شرطا أساسيا لتواصل العلاقات بين البلدين.

بالفعل، خفتت مطالبات تونس بتسليم بن علي حيث يبدو ان الثوار والسعودية التقوا في المنتصف، واستخدمت تأشيرات الحج والعمرة وسيلة لتلطيف الاجواء بين الجانبين.

لم تستمع السعودية لنصيحة أحد من استكتبتهم لاستجلاء مسار العلاقات التونسية السعودية وهو باحث لبناني قدم نفسه على انه متخصص في الشأن المغاربي وبخاصة تونس والذي نصح الرياض بأن استضافتها لزين العابدين بن علي عقبة في وجه تحسن العلاقة بين الجانبين وسعت الى تحسينها بطريقتها الخاصة خاصة بعدما رصدت تناغما بين الحكومات الجديدة ذات التوجهات الاسلامية في المغرب العربي ورأت ان المساعدات الاقتصادية والتأشيرات هي الطريقة الامثل للحفاظ على بقاء تونس في ركبها.

تنسيق سعودي إماراتي

وتكشف احدى البرقيات تنسيقا سعوديا إماراتيا مع بن علي ورموز نظامه وأقاربه حيث طلب احد شيوخ ابو ظبي تأشيرة سعودية لحفيد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي المقيم في ابو ظبي لزيارة جده في المملكة وإنهاء بعض الامور الخاصة بشيخ ابو ظبي وكانت السفارة السعودية على علم بأنه مطلوب في تونس على خلفية تهم فساد مالي واستغلال نفوذ.

تتعلق بعض الوثائق المسرّبة والمراسلات بأسماء بعض الشخصيات السياسية المعروفة من بينها حمادي الجبالي الذي تقلّد منصب رئيس الحكومة التونسية من ديسمبر 2011 إلى مارس 2013، والشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية، حيث تتطرق احدى البرقيات الى زيارة الغنوشي للسعودية لأداء مناسك الحج وجرى التوافق على ان ترفع الحكومة التونسية بعد تشكيلها مرئياتها حول الدعم اللازم من السعودية ووضع خطط لتبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين وتشجيع القطاع الخاص في المملكة لإيجاد فرص استثمارية جديدة بما يخدم مصالح المملكة.

زيارة الجبالي

اهتمت السعودية بالزيارة الرسمية التي قام بها حمادي الجبالي الى السعودية وسهلت لقاءه مع الجالية التونسية المقيمة في جدة وتم تقديم التسهيلات الامنية للقاءاته.

كما تحدثت وسائط اعلامية عن وساطة قام بها محامي المخلوع بن علي عبر شخصيات سعودية وعربية للوساطة بين بن علي والجبالي واجراء مصالحة بين الاثنين خلال الزيارة لكن هذا الامر حظي بتكتم شديد.

وتؤكد البرقيات ان بن علي لم يتخذ من السعودية مجرد منفى لكنه التقى شخصيات وتعاونت معه السعودية على نحو ماتكشفه احدى البرقيات نقلا عن بن علي بأن الحكومة التونسية تفكر في ايجاد طريقة لاحتواء حزبه وفتح حوار معه ولهذا الغرض اتصلت بشخص يدعى عبد الستار المسعودي بمحاميه اكرم عازوري وأبلغه انه مكلف من طرف الحكومة التونسية للتنسيق بالتفاوض معه في نطاق مصالحة وطنية وان بن علي ابدى قبولا للقاء المسعودي.

شراء الذمم

سعت السعودية لشراء الذمم ووضعت خطة تكشفها احدى البرقيات تقوم على التالي:

1 - تقديم الدعم المالي للمؤسسات الصحفية المؤثرة في تونس بالتنسيق مع سفارة المقام السامي في تونس ويتصل بذلك مراجعة اشتراك السفارة في صحف تونسية قائمة والنظر في الاشتراك في عدد من الصحف الجديدة في اطار السعي الى استمالتها وتقوية علاقات القائمين عليها مع المملكة.

2 - دعوة مجموعة مختارة من الكتاب والصحفيين والمثقفين في تونس ممن لهم تواجد وتأثير اعلامي وفكري في تونس والعالم العربي على المستوى الدولي لزيارة المملكة للحضور والمشاركة في الندوات والملتقيات والمؤتمرات والمناسبات الرسمية.

إحدى الصحف التونسية يبدو انها كانت عصية على الشراء فنشرت تقارير اعتبرتها السفارة السعودية مسيئة للمملكة ورفعت بها برقية الى الرياض تقول ان الصحيفة نشرت اساءة لا تليق بمكانة المملكة وان هناك انفلاتا اعلاميا كبيرا في تونس بعد الثورة.

وحرصا على التواصل مع النظام الجديد تواصلت اللقاءات بين سفراء السعودية والمسؤولين في تونس حيث أبرق السفير السعودي في كوريا الجنوبية للخارجية يخطر الامير سعود الفيصل بلقاء جرى بينه وبين الدكتور رفيق عبد السلام وزير الخارجية التونسي استعرضا فيه الاوضاع في تونس وتطرقا الى العلاقات التونسية الايرانية وان الرئيس الايراني طلب اكثر من مرة زيارة تونس إلا انهم يؤجلون الزيارة على الرغم من العروض الايرانية باستعدادهم لتقديم مساعدات لتونس.

حضور تركي

رصدت البرقيات ما اعتبرته نفوذا تركياً في تونس وان هناك استراتيجية تركية للتوسع في تونس ورفعت الاستخبارات بذلك مذكرة الى خادم الحرمين الشريفين وقالت ان الحكومة التركية تسعى الى توسيع نشاطاتها في جميع المجالات بتونس ورصدت في هذا الصدد نشاطات سياسية ودينية واقتصادية وثقافية. وقالت ان هناك قبولا من جانب الاحزاب لتجربة العدالة والتنمية التركية لما تتمتع به من مصداقية في تقديم البرامج التنموية والنتائج الملموسة في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وان هناك مطالبات تونسية لأن تحذو الحكومة حذو تركيا كنموذج في الادارة الاسلامية الحديثة وان هناك انبهارا تونسيا بالتجربة التركية وان تركيا تستغل هذه المناسبة في هذا التوقيت بعد رفض الاتحاد الأوروبي انضمام تركيا الى الاتحاد.

اكتشافات نفطية

أعطت السعودية اهتماما بالغا بأنباء الاكتشافات النفطية الجديدة في تونس ورصدت السفارة السعودية في تونس هذه الاكتشافات التي قدرت بأنها كفيلة بتأدية ما على تونس من ديون خارجية.

وسعت السعودية الى استجلاء حقيقة احتياطات تونس من النفط عبر اكثر من مصدر منها سفيرها في البحرين الذي أبرق للخارجية بما يفيد بانه قام بزيارة الى سفير تونس في المنامة الذي أبلغه بأنه تلقى في نفس يوم المقابلة فاكسا منحه صورة منه يتضمن بأن شركة اجنبية اكتشفت حقولا بترولية موجودة في تونس وانه سيبدأ انتاج وتصدير النفط العام القادم (1434) وانه منحه الفاكس بصورة ودية نظرا للعلاقات الودية بين تونس والسعودية.

للاطلاع على كتاب "البرقيات السرية لوزارة الخارجية السعودية".. اضغط هنا