علاقات » خليجي

هل يدفع «ترامب» الخليج إلى سباق تسلح نووي؟

في 2018/03/05

ترجمة أسامة محمد - بيل لو - منتدى الخليج الدولي-

اعترف تقرير الوضع النووي الذي أطلقه البنتاغون في 2 فبراير/شباط 2018، بعزم الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» على تحديث وتعزيز ترسانة الأسلحة النووية الأمريكية القوية بالفعل، وتقول الوثيقة إن العالم أصبح مكانا أقل أمانا عن آخر مرة أطلق فيها التقرير في 2010.

وقالت الوثيقة: «هناك الآن مجموعة غير مسبوقة من التهديدات، التي تتضمن التهديدات التقليدية والكيماوية والبيولوجية والفضائية والتهديدات السيبرانية، بالإضافة إلى الجهات الفاعلة غير الحكومية، وقد أدت هذه التطورات لزيادة الريبة والمخاطر».

وفي هذا العالم الجديد الذي يراه التقرير خطرا؛ فإنه يتبنى أن أمريكا لم يعد لديها خيار آخر إلا أن تعزز قوتها النووية، وقد يؤدي هذا لعواقب غير مقصودة، بإطلاق سباق للتسلح النووي ذي آثار كبيرة في الخليج والشرق الأوسط.

ظروف مواتية

وفي هذا السياق يجب النظر في ثلاثة عوامل، الأول هو ترسانة الأسلحة الإسرائيلية التي لديها 80 رأسا نوويا، وفقا لإحصاءات معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام.

الثاني هو تهديدات «ترامب» المستمرة بالانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة، والتي يشار إليها عادة باسم «الاتفاق النووي الإيراني»، والعامل الثالث، هو التقارب المتزايد بين السعودية و(إسرائيل)، والذي يرتكز على اعتقادهم المشترك بأن إيران هي التهديد الأكبر في المنطقة.

وإذا انسحب «ترامب» من الاتفاق وانضم إلى السعودية و(إسرائيل) في رفع مستوى العدوانية ضد إيران، فإن ذلك سيجعل المتشددين في طهران يدفعون حتمياً نحو اقتناء أسلحة نووية، وعلى الرغم من اختلاف الآراء؛ فإنه يبدو أن هناك إجماعا حول قدرة إيران على الحصول على نسختها الخاصة من «زر ترامب الكبير» في سنة واحدة.

وهنا، لابد أن السعودية، التي تقوم حاليا بمفاوضات مع شركات روسية وأمريكية لتطوير منشآت نووية للأغراض السلمية (مثلما تزعم إيران)، ستسعى لمنافسة إيران بلا شك.

اللاعبون مرشحون للزيادة

ربما ستتوجه السعودية إلى باكستان، بوصفها الدولة النووية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة، وهي دولة قريبة من السعودية، وفي الواقع، فإن نجاح باكستان في التطوير للأسلحة النووية في 1998، يعزى إلى المساعدة المالية القوية من السعودية، وفي 2013، كشفت بي بي سي، أن الرؤوس النووية الباكستانية كانت متاحة للسعودية إذا اقتضت الحاجة.

وفي مثل هذا الوقت من تصاعد انعدام الأمان في المنطقة، فإن تسلح دولة في الشرق الأوسط، قد يجعل العدد يقفز من واحدة إلى ثلاثة بسرعة.

أحد هؤلاء الثلاثة هي (إسرائيل)، التي لطالما قالت إن الخيار النووي لن يكون إلا خيارا أخيرا في حال واجهت حرب إبادة، لكن السعوديين والإيرانيين قد يرون هذه الأسلحة خيارا هجوميا، خاصة في ظل تنافسهما على الهيمنة الإقليمية.

لدى كلا البلدين سجل حاليّ من العدائية المتزايدة، في ظل تورط الإيرانيين عسكريا في سوريا والعراق ودعم تمرد «الحوثي» في اليمن، كما أن السعودية تحت قيادة الملك وابنه ولي العهد قد تبنوا سياسة خارجية عسكرية تستعرض العضلات، وهذا ملحوظ بشكل خاص في اليمن.

ولكن هذه السياسات حققت قليلا من الأرباح في أفضل الأحوال، ويبدو أن الانقسام والمعاناة الشديدة لأهل اليمن لن تغير من مسار الرياض.

نكوص في جهود الكبح

في هذا الوقت الحرج، يقوم تقرير الوضع النووي بعكس عقود من الجهود الناجحة التي قامت بها الإدارات الأمريكية المتعاقبة للحد من المخزونات النووية في الاتحاد السوفيتي وأمريكا، وكبح جماح الانتشار في أماكن أخرى في العالم.

يغض التقرير النظر عن مخاوف إشعال سباق تسلح نووي، ويحاجج مؤلفو الدراسة بدلا من ذلك بالقول إن «قدرات الولايات المتحدة النووية المرنة والقابلة للتكيف، مطلوبة الآن لحماية الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها، وأن هذا سيعزز الاستقرار الاستراتيجي».

وبالنظر إلى أن الولايات المتحدة لديها 6.800 رأس نووية، فإن الدراسة تقول إنها لا تريد زيادة في العدد الكلي وإنما تعتقد بضرورة تجربة مجموعة من الخيارات النووية الجديدة إلى جانب تعديل تلك الموجودة بالفعل، وتقدر القيمة المطلوبة لذلك بين 1.5 ترليون دولار و2 تريليون دولار، لإنفاقها في السنوات الـ25 المقبلة.

من الجدير بالذكر أن «كيث باين»، وهو أحد مؤلفي الدراسة الرئيسيين، هو صقر مؤيد للأسلحة النووية بشكل ملحوظ، فقد قال في مقال له في الثمانينات إن الولايات المتحدة عليها أن تكون مستعدة للتضحية بـ20 مليون مواطن في حرب نووية، وهذه التضحية في رأي «باين»: «تتلاءم مع النجاة الوطنية والتعافي».

من الجدير بالذكر أيضا أن «دونالد ترامب» القائد العام للقوة العسكرية الأقوى في العالم قد هدد كوريا الشمالية بشكل متكرر بالانتقام النووي، ففي أغسطس/آب 2017، تحدث بشكل متفاخر للصحفيين في نيوجيرسي، عن «إطلاق قوة لم يشهدها العالم» على ديكتاتور كوريا الشمالية «كيم جونغ أون»، وهي اللغة التي كانت لتدان بشكل واسع قبل رئاسة «ترامب»، بوصفها غير مسؤولة جنائيا، ولكنها أصبحت الآن بشكل ما، شائعة.

وفي الصباح الباكر من يوم 3 يناير/كانون الثاني 2018، قال «ترامب» في تغريدة له رداً على بيان لرئيس كوريا الشمالية: «أنا أيضاً لدي زر نووي، لكنه أكبر بكثير وأقوى من زره، وزرّي يعمل».

ويبقى الشيء الأكثر احتمالا هو حدوث سباق تسلح نووي عالمي والذي سيضم بالتأكيد دول الخليج.

سباق تسلح في الأفق

وما سيحفز هذا، أكثر من وثيقة الوضع النووي، هو حقيقة أن الصينيين والروس ناهيك عن الكوريين الشماليين مستمرون في تحسين قدراتهم النووية، ويمتلك الروس حوالي 7000 رأس نووية، أما الصين فتمتلك 270 رأسا، وويمتلك الكوريون الشماليون بين 10 و20، وفقاً لما ذكره معهد ستوكهولم.

والروس لا يلتزمون باتفاقية واحدة على الأقل من معاهدات الحد من الأسلحة التي تم التوصل إليها (مثل المعاهدة التي وقعها رونالد ريغان وغورباتشوف في 1987)، ولهذا فإن البنتاجون والرئيس لديهما تصور أن أمريكا التزمت بالاتفاقيات بأمانة، بينما روسيا والصين تذهبان في الاتجاه الآخر، وتزيدان مخزونهما، ويبدو أن التقرير الذي يعكس وجهة نظر الرئيس يقول بوضوح: «الرجل اللطيف ولّى زمنه».

هذا النهج النووي المتشدد، هو خروج جذري عن السياسة السابقة، يحدث في وقت لا يوجد فيه لدى الإسرائيليين أو السعوديين أي مزاج للفتات تصالحية تجاه إيران، وبدلاً من هذا، فإنهما يقتربان من مواجهة مع الإيرانيين يعززها تصور أن أمريكا «ترامب» تقف في ظهرهما.

وفي نفس الوقت فإن طهران، التي حققت مكاسب جيوسياسية إقليمية كبيرة ليست في مزاج مناسب للتراجع، والنتيجة الإجمالية لخطاب «ترامب» النووي هو تقوية الصقور في البلدان الثلاثة.

وفي النهاية، قد تحقق أهداف تقرير الوضع النووي للبنتاغون الأمان للولايات المتحدة، لكن فعلها لذلك سيفتح الباب لسباق تسلح نووي، يسحب إيران والسعودية له بشكل مثير للقلق، مع آثار خطيرة للغاية على الخليج والشرق الأوسط الكبير.