علاقات » خليجي

أبوظبي تغمض عيناً عن حصار قطر وتفتح أخرى على "البندق"

في 2018/03/14

الخليج اونلاين-

رغم ما أبدته دول حصار قطر من "فجور في الخصومة" منذ بداية الأزمة في يونيو الماضي، فإن المصلحة الاقتصادية الاستراتيجية لأبوظبي كانت كفيلة بإجبارها على "تجميد" هذا الحصار برهة من الزمن لتوقيع اتفاقية نفطية، ما أوقعها في حرج مع نظرائها في الحصار من جهة، ومع شعبها من جهة أخرى.

فمنذ أن فرضت دول رباعي الحصار، (منها أبوظبي)، حصاراً جوياً وبرياً وبحرياً على الدوحة، ومنعت دخول المنتجات الغذائية والاستهلاكية على الشعب القطري، كانت المطالب تتصاعد من أجل أن تقوم الدوحة بإجراء مماثل، وتقطع الغاز الذي يغذي نحو 40 في المئة من الطاقة بالإمارات، إلا أن ذلك لم يتم، رغم أن احتياج أبوظبي لقطر أكثر من احتياج الدوحة للإمارات، بحسب وكالة "رويترز".

ورغم حالة الإرباك التي أحدثها الحصار، فإن قطر أوجدت بدائل سريعة، من خلال فتح خطوط شحن جديدة مع سلطنة عُمان وتركيا والهند والكويت وغيرها، وأعلنت الجهات المختصة عن دعم وتثبيت أسعار الكثير من السلع والخدمات الضرورية، وتدشين شبكة عالمية للشحن البحري بين ميناء حمد الدولي وموانئ محلية وإقليمية ودولية.

- قطر لا تتعامل بالمثل

وسط حزمة إجراءات "تعسفية" اتخذتها دول الحصار، مع تسخير آلتها الإعلامية لتشويه صورة قطر، لا سيما الإعلام الإماراتي، حافظت دولة قطر على جميع التزاماتها واتفاقياتها الإقليمية والدولية، خصوصاً ما يتعلق بتزويد الإمارات بالغاز والموارد النفطية، رغم أن الإمارات قد بادرت بقطع روابطها البحرية والبرية والجوية مع دولة قطر.

وتقول وكالة "رويترز"، في تقرير نشرته بعد اندلاع الأزمة الخليجية بيوم واحد، إن الإمارات رغم مشاركتها في قطع روابطها كافة مع الدوحة، فإنها لم تستطع أن تقطع خطاً واحداً؛ ألا وهو خط أنابيب دولفين الذي ينقل الغاز الطبيعي من قطر إلى أبوظبي.

ونقلت الوكالة عن مصدرين من الإمارات، أنه لا توجد أي خطط لإغلاق الأنابيب، في حين أكد أحدهما أن "ذلك لن يحدث". أما شركة دولفين للطاقة المحدودة، ومقرها أبوظبي، وهي التي تدير خط أنابيب الغاز بين الإمارات وقطر، فقد رفضت التعليق على الأمر.

وعن هذا الموضوع، تؤكد وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية أنه "عندما يتعلق الأمر بشحنات الغاز الطبيعي، فالإمارات تحتاج قطر أكثر مما تحتاجها قطر".

فالغاز الذي يصل إلى أبوظبي من الدوحة، تعتمد عليه العاصمة الإماراتية في توليد نحو 40% من طاقتها الكهربائية، ومن دون هذا الشريان القطري من الطاقة، فإن ناطحات السحاب المتلألئة في دبي ستكون مظلمة، إلا في حالة استبدال الإمارات الوقود القطري بغاز طبيعي مسال أكثر تكلفة، بحسب ما ذكرته الوكالة الأمريكية.

وترسل قطر -التي تمتلك ثالث أكبر احتياطيات الغاز عالمياً- نحو ملياري قدم مكعبة من الوقود يومياً من خلال خط أنابيب بحري يبلغ طوله 364 كيلومتراً (226 ميلاً). وينقل خط الأنابيب "دولفين" الغاز الطبيعي إلى الإمارات من حقل الشمال القطري، ويلبي نحو 30% من احتياجات البلاد، التي تستخدمه في توليد الكهرباء، ويمتد الخط أيضاً إلى سلطنة عُمان.

وأكد الرئيس التنفيذي لشركة "قطر للبترول" الحكومية، سعد شريدة الكعبي، في مقابلة مع قناة "الجزيرة"، بُثت يوم 18 يونيو 2017: "قطر لم تقطع الغاز عن الإمارات رغم وجود بند يُعفيها من التزاماتها التعاقدية بتوريد الغاز، متعلق بحالة (القوة القاهرة)، التي من ضمنها الحصار"، مضيفاً أن استمرار تدفق الغاز جاء "مراعاة للشعب الإماراتي، وأن قطر لا تتعامل بعقودها فقط، وإنما بأخلاقها".

- "تجميد" الحصار مؤقتاً

ووسط هذا الكم الهائل من الانتهاكات للأعراف والقيم الدبلوماسية والاجتماعية والحقوقية التي مارستها حكومة أبوظبي ضد الدوحة، يبدو أن الإمارات قد "جمَّدت" الحصار على قطر للحظات، لتوقِّعَ اتفاقاً نفطياً يهدف إلى تطوير حقل "البندق" المشترك بين البلدين، بعد انتهاء الاتفاقية القديمة 8 مارس 2018.

وجددت "قطر للبترول" -أكبر مصدِّر للغاز الطبيعي المسال عالمياً- اتفاقية امتياز مع المجلس الأعلى للبترول في أبوظبي (نيابة عن حكومة أبوظبي)، وشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، والشركة المتحدة للتنمية البترولية المحدودة (يابانية)، وشركة البندق المحدودة (المشغِّلة)، يوم الثلاثاء 13 مارس 2018، بهدف مواصلة تطوير وتشغيل حقل البندق النفطي البحري المشترك.

واتفاقية الامتياز الجديدة تحل محل الاتفاقية الأصلية لاستغلال حقل البندق، ووقِّعت بين حاكم أبوظبي وشركة دارسي للاستكشاف المحدودة (مارس عام 1953)، ثم وُقِّعت اتفاقية أخرى بين البلدين في مارس 1969، تنصّ على أن حقل البندق مملوك مناصفةً بينهما، بحسب بيان لشركة قطر للبترول، نُشر على موقعها الإلكتروني، تابعه "الخليج أونلاين".

واللافت أن الاتفاقية أعقبت كشف قناة "الجزيرة"، من خلال برنامج "ما خفي أعظم"، جميع أسرار محاولة انقلاب دول الحصار على النظام القطري منذ عام 1996، وأكدت الوثائق المنشورة تورُّط الإمارات والسعودية والبحرين ومصر في محاولة قلب النظام على أمير قطر السابق، حمد بن خليفة آل ثاني.

ورغم ذلك؛ لم تؤجل أبوظبي توقيع الاتفاق لا سيما وأن مصالحها تتعارض مع الحصار. لكن العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لقطر للبترول، المهندس سعد شريدة الكعبي، أكّد حرص شركته على الوفاء بالتزاماتها انسجاماً مع سمعتها العالمية كشركة نفط وطنية موثوق بها، وكمزوّد عالمي للطاقة يمكن الاعتماد عليه تحت كل الظروف وفي جميع الأحوال.

وعبَّر الكعبي عن سعادته لتوقيع اتفاقية الامتياز، التي تضمن استمرار تطوير وتشغيل حقل البندق النفطي سنوات مقبلة، كما عبَّر عن شكره للشركاء اليابانيين على أدائهم المتميّز أكثر من 4 عقود، وجهودهم في التشغيل الآمن والصديق للبيئة.

وتقوم شركة البندق بتشغيل وإدارة حقل البندق، وهي شركة تم تأسيسها عام 1970، ومملوكة بنسبة 100% للشركة المتحدة للتنمية البترولية المحدودة، وهي شركة يابانية مملوكة بدورها من قِبل المساهمين اليابانيين؛ كوزمو (45%)، وشركة جيه إكس نيبون (45%)، وشركة ميتسوي (10%).

واكتُشف حقل البندق البحري المشترك بين قطر وأبوظبي عام 1965، وبدأ إنتاجه الفعلي عام 1975، ويتم تصدير النفط الخام البحري من حقل البندق إلى اليابان والأسواق الآسيوية الأخرى.

ويبدو أن الإعلان القطري الرسمي عن الاتفاقية مع أبوظبي بشأن تمديد اتفاق البندق، قد أحرج الإمارات، ما جعلها تبحث عن مخرج لذلك، حيث نقلت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية عن "مصدر مسؤول" -لم تكشف عن هويته- قوله إن الاتفاقية لم تمنح قطر امتيازاً، دون أن ينفي توقيع الاتفاق.

وبالعودة إلى تسعة أشهر سابقة؛ كشفت التحقيقات الدولية بشأن اختراق وكالة الأنباء القطرية، يونيو الماضي، وبث أخبار زائفة على لسان أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بأن أبوظبي وراء عملية الاختراق، التي أشعلت الأزمة الخليجية.

وجاءت حملات التشويه والتعرض للرموز لاحقاً وربط قطر بـ"الإرهاب"، من خلال سلسلة من الادعاءات، التي تؤكد الدوحة أن دول الحصار لم تقدم أي دليل عليها لحد الآن منذ اندلاع الأزمة في يونيو 2017.