علاقات » خليجي

كيف نجت "سويسرا الشرق" من تداعيات الصراعات بالمنطقة؟

في 2018/04/19

حنين ياسين - الخليج أونلاين-

نجحت سياسةُ سلطنة عمان، أو "سويسرا الشرق" كما يفضل البعض تسميتها، القائمةُ على النأي بالذات عن الصراعات والتحالفات العالمية والإقليمية، في تجنيب السلطنة الكثير من العواقب السياسية والتبعات الاقتصادية.

ورغم تأثر اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي بشكل كبير بسلسلة الأزمات المتصاعدة في المنطقة؛ بدءاً بالحرب على جماعة الحوثيين باليمن وليس انتهاء بالأزمة القطرية، فإن اقتصاد عُمان، التي بقيت على الحياد، حافظ على استقراره وحقق معدلات نمو جيدة نسبياً، بل واستفاد من بعض جوانب تلك الأزمات.

وكانت عُمان الدولة الخليجية الوحيدة التي لم تنضم إلى التحالف العربي، بقيادة المملكة العربية السعودية، الذي بدأ عمليات عسكرية ضد الحوثيين، منذ مارس 2015، وما زالت متواصلة حتى اليوم.

كما لم تشترك سلطنة عمان، إضافة إلى الكويت، في مقاطعة وحصار السعودية والبحرين والإمارات ومصر لدولة قطر منتصف العام الماضي، بل عملت عقب الأزمة على تعزيز علاقتها السياسية والتجارية مع الدوحة.

وفي أوائل يونيو من العام الماضي، قررت السعودية والإمارات والبحرين ومصر مقاطعة قطر دبلوماسياً وتجارياً، وفرض حصار بري وجوي عليها، بحجة دعمها للإرهاب، وهي التهمة التي نفتها الدوحة بشدة، ورفضت أيضاً أي مساس بسيادتها.

وتعكس المؤشرات والتوقعات الاقتصادية العمانية للعامين الماضي والحالي، الفائدة العظمى التي حققتها السلطنة من استراتيجيتها السياسية الحيادية.

فقد ارتفع الناتج المحلي الإجمالي لسلطنة عُمان بنسبة 10.1% في الربع الثالث من العام 2017، ليصل إلى 20 ملياراً و336 مليون ريال (53 مليار دولار)، مقارنة مع 18 ملياراً و464 مليون ريال بنهاية العام 2016 (48.5 مليار دولار)، بحسب المركز الوطني العماني للإحصاء والمعلومات.

وحافظت السلطنة على توقع عجز موازنتها للعام 2018 كما كان في 2017، رغم ارتفاع نفقاتها، فقد تضمنت موازنتها للسنة الحالية إنفاقاً بقيمة 12.5 مليار ريال (32.5 مليار دولار) ارتفاعاً من 11.7 مليار ريال (30.43 مليار دولار) بـ2017.

ومن المتوقع، بحسب الموازنة، أن تكون الإيرادات 9.5 مليار ريال (24.71 مليار دولار) ارتفاعاً من 8.7 مليارات ريال (22.63 مليار دولار) في ميزانية عام 2017، وهو ما يجعل العجز المتوقع هذا العام ثلاثة مليارات ريال (7.80 مليارات دولار)، أي ما يعادل العجز الذي كان متوقعاً بميزانية العام الماضي.

وفي تقرير صادر عن البنك الدولي نهاية العام الماضي، حلت سلطنة عمان في المرتبة الأولى عربياً وخليجياً للسنة الثانية على التوالي، والحادية والثلاثين عالمياً بمؤشرات تيسير بدء الأنشطة الاستثمارية والاقتصادية.

كما جاءت السلطنة في المرتبة الأولى خليجياً بمؤشر التجارة عبر الحدود، وفق تقرير للمكتب الوطني العماني للتنافسية.

وحلت عُمان، بحسب ذات التقرير، في المرتبة السادسة على مستوى العالم بمؤشر تأثير الضرائب على حوافز العمل، كما جاءت بالمركز الأول خليجياً بمؤشر عدد الإجراءات اللازمة لبدء نشاط اقتصادي.

السلطنة جاءت أيضاً في المرتبة الثانية والستين بتقرير التنافسية العالمية لعام 2017-2018، الذي صدر في سبتمبر الماضي، متقدمة بذلك أربعة مراكز مقارنة بالمركز السادس والستين بالعام الماضي. ويعُنى مؤشر التنافسية العالمية بقياس العوامل التي تسهم بدفع عجلة الإنتاجية والازدهار لـ(137) دولة حول العالم.

وعلى صعيد القطاع السياحي توقعت شركة "كوليرز إنترناشونال"، المتخصصة في مجال الدراسات التسويقية والاستشارات العقارية، بتقرير أصدرته بتاريخ 12 مارس الماضي، أن يزداد عدد السياح الأجانب الوافدين إلى سلطنة عُمان بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ نحو 13% بين عامي 2018 و2021.

وأعلنت العديد من سلاسل الفنادق الكبرى مؤخراً، إطلاق مشاريع جديدة في العاصمة العمانية مسقط، ليرتفع عدد الغرف الفندقية من 10924 غرفة بالعام 2017، إلى 16866 غرفة في العام 2021.

ولا تقتصر المؤشرات الاقتصادية الجيدة على الأعوام السابقة، فالاقتصاد العماني على موعد مع أداء أفضل في العام الجاري.

ويظهر ذلك من خلال تقرير نشره صندوق النقد الدولي في أكتوبر 2017، توقع فيه تسجيل نمو اقتصادي فعلي بسلطنة عمان قدره 3.7% في 2018. ويعتبر هذا الرقم مميزاً بالظروف العادية، فضلاً عن التحديات الحالية المرتبطة بظاهرة انخفاض أسعار النفط، وهو ما يتطلب الحد من النفقات متى كان ممكناً.

إضافة إلى ذلك، يتوقع صندوق النقد هبوط مستوى عجز الموازنة العامة بالسلطنة من 18.6% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2015، إلى 14.3% بنهاية 2018، ما يعد تطوراً اقتصادياً مهماً.

وإذا كان تأثير إعلان السعودية والإمارات والبحرين ومصر مقاطعة دولة قطر، منتصف العام الماضي، سلبياً إلى حد كبير على دول الحصار، فإن سلطنة عُمان التي نأت بنفسها عن هذه الأزمة كانت أحد المستفيدين منها.

وكشف مؤتمر إدارة الموارد الأولية، الذي عقد في مسقط الشهر الماضي، أن حجم التبادل التجاري بين سلطنة عمان وقطر ارتفع بنسبة 42% خلال عام 2017.

ووفق بيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات في سلطنة عمان، فقد قفزت الصادرات العمانية إلى قطر من 97.122 مليون ريال عُماني (252.59 مليون دولار) عام 2016 إلى 325.4 مليون ريال (846.29 مليون دولار) حتى سبتمبر 2017.

وكشفت إحصاءات المركز أن قطر تحتل مرتبة متقدمة بقائمة دول الاستثمار الأجنبي المباشر حتى الربع الثاني من 2017، بحجم استثمارات مباشرة بلغ 457.5 مليون ريال عُماني (1.189 مليار دولار) مقابل نحو 116.4 مليون ريال (302.73 ملايين دولار) قبل عام.

وتعليقاً على هذه المؤشرات، قال الأكاديمي والخبير الاقتصادي، حسين البناء: إن "سياسة سلطنة عمان الواقعية والحكيمة، القائمة على الحياد والنأي بالذات عن الصراعات والتحالفات العالمية والإقليمية، قد نجحت في تجنيب السلطنة الكثير من العواقب السياسية والتبعات الاقتصادية للأزمات والصراعات بالمنطقة".

وأضاف البناء لـ"الخليج أونلاين"، أن "سياسة الحياد العمانية كان لها دور رئيس في استقرار المؤشرات الاقتصادية بالسلطنة، وجنبتها عواقب التذبذب والضبابية في الأسواق المالية نتيجة المواقف السياسية المنحازة".

وتابع: "لم تهدر القيادة العمانية الأموال في الحروب والصراعات، ووجهتها للجوانب التنموية، وبذلك جنبت البلاد المخاطر الأمنية والسياسية، وعملت على تنمية اقتصادها وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية".

وحول آثار الأزمة الخليجية على الاقتصاد العماني، ذكر البناء أنه على الرغم من حجم الأزمة التي تعصف بدول مجلس التعاون الخليجي إثر الحصار المفروض على دولة قطر فإن سلطنة عمان ما زالت تشهد حالة من الاستقرار والنمو المستدام في النشاطات ذات الطابع الاقتصادي.

وأشار إلى أن سياسة السلطنة منعتها من الذهاب بعيداً في مقاطعة من شأنها الإضرار بروح الأمة ومصالحها المشتركة، الأمر الذي جنبها الكثير من المتاعب والمخاطر الاقتصادية والعواقب السياسية.

وقال المختص الاقتصادي: "لقد نمت وتعززت العلاقات السياسية والاقتصادية بين قطر وعُمان على أثر الأزمة الخليجية، فالدوحة أصلاً ترتبط بجملة اتفاقيات اقتصادية واستثمارية مع السلطنة، من أبرزها اتفاقية الشراكة الاقتصادية عام 2011، التي تعزز الاستثمار والتجارة وتطوير قطاع النقل والمواني بين البلدين".

ولفت إلى أن الأزمة الخليجية ساهمت بمضاعفة حجم التبادل التجاري بين الدوحة ومسقط ليتجاوز مع نهاية 2017 المليار دولار.

وحول قراءته لمستقبل الاقتصاد العماني، رأى البناء أنه "برغم تسجيل عجز في الموازنة العامة خلال العام الجاري، واتباع إجراءات تقشفية للإنفاق، فالسلطنة قادرة على استعادة الزخم لنموها الاقتصادي، خاصة بظل الزيادة بسعر برميل النفط الخام، وفي ضوء واقع الاقتصاد العُماني القادر على استيعاب المستجدات والفرص".

ومن المرجح أن تحقق السلطنة في غضون الأعوام الثلاثة المقبلة انتعاشاً اقتصادياً ملحوظاً وجاذباً للاستثمار ومعززاً لمفهوم الاستدامة، وذلك كنتيجة لامتداد أسعار النفط وتعزيز الإيرادات الضريبية، وضبط الإنفاق العام، وازدهار الاستثمار والتجارة مع قطر، إضافة لسياسة تنويع مصادر الدخل، والاستثمار في قطاع الغاز.