علاقات » خليجي

السعودية والإمارات في مرمى الاتهام بالتأثير على الانتخابات الأمريكية

في 2018/05/21

الخليج الجديد-

«كوشنر في جيبي».. لم تكن العبارة السابقة -التي كشف موقع «ذي إنترسبت» الأمريكي أن ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» قالها بفخر لرفيقه ولي عهد أبوظبي «محمد بن زايد»- تدل على مجرد وجود تطابق في الرؤى بين أمراء الخليج الجدد وأركان الإدارة الأمريكية الحالية حيال قضايا المنطقة، لكنها أشارت إلى وجود شئ ما يتجاوز مجرد التحالف، نتحدث هنا، ربما، عن استراتيجية سعودية إماراتية صيغت ملامحها (مسبقا) للوصول إلى هذه النقطة.

وقائع وأحداث متوالية تصب في هذا الاتجاه، كاشفة عن تدخل محتمل للسعودية والإمارات في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، لتدخل ملفات الرياض وأبوظبي إلى مائدة المحقق الخاص في قضية التدخلات الأجنبية المحتملة بالانتخابات التي أفرزت «دونالد ترامب» رئيسا، الذي تسبب في زلازل أصابت منطقة الشرق الأوسط بأزمة خليجية، فضلا عن التوتر في القدس والأراضي الفلسطينية.

المثير أن تلك الزلازل حوت دورا رئيسيا ومحوريا للسعوديين والإماراتيين، وأظهرت اصطفافا متبادلا بينهم وبين «واشنطن ترامب»، عبر مبادلة الأموال بالنفوذ، ليشي كل شئ بأن وصول الرجل إلى البيت الأبيض وافق هوى الرياض وأبوظبي.

بداية الدخان

بداية الدخان كان في سبتمبر/أيلول 2017، حينما طالبت مستشارة الأمن القومي الأمريكي السابقة «سوزان رايس»، محققين بكشف هوية من وصفتهم بمسؤولين كبار في إدارة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» التقوا ولي عهد أبوظبي «محمد بن زايد» في نيويورك، في ديسمبر/كانون الأول 2016، وذلك قبل أن يؤدي «ترامب» اليمين الدستورية كرئيس للولايات المتحدة.

أبرز المجتمعين في هذا الاجتماع، بحسب تقرير نشرته شبكة «سي إن إن»، آنذاك، بالإضافة إلى «بن زايد» كان صهر الرئيس ومستشاره الحالي، «غاريد كوشنر»، وكبير مستشاريه الاستراتيجيين، حينها «ستيف بانون»، بالإضافة إلى «مايكل فلين»، الذي عمل لفترة مستشارا للأمن القومي لـ«ترامب».

واعتبرت «رايس» أن لقاء «بن زايد» المذكور مثل تضليلا لإدارة الرئيس السابق «باراك أوباما»، لأن الأخيرة لم تبلغ الإدارة الأمريكية بزيارة بن زايد كما جرت العادة».

وإذا كان اجتماع «بن زايد» مع أركان إدارة «ترامب»، قبل أدائه اليمين الدستورية، اعتبر محاولة لإقامة علاقات قبل وقتها مع إدارة أمريكية لم تتول مهامها رسميا بعد، فإن ما أثير بعد ذلك يشير إلى أن الإمارات والسعودية باتا متورطتين في محاولة «فرض» فوز «ترامب» بالانتخابات، بما يشكل تدخلا أجنبيا في سيرها، وهو الأمر الذي لا يزال محل تحقيق داخل أروقة القضاء والمخابرات في واشنطن.

«جورج نادر» الغامض

الواقعة الأبرز المتعلقة بهذا الشأن، كانت بعد توقيف مكتب التحقيقات الفيدرالي رجل أعمال أمريكي من أصل لبناني يدعى «جورج نادر»، بعد وصوله إلى مطار دالاس بالولايات المتحدة، في يناير/كانون الثاني 2018.

بعد توقيف «نادر» تم إخضاعه لاستجواب حول علاقته بمسؤولين إماراتيين، أبرزهم «بن زايد» والذي يعمل مستشارا خاصا له براتب ضخم.

وأظهرت التحقيقات أن «نادر» كان أحد المخططين والمرتبين للاجتماع الذي جمع «بن زايد» بمسؤولين بإدارة «ترامب» في ديسمبر/كانون الأول 2017 بنيويورك، وآخر تم في يناير/كانون الثاني 2018 في جزيرة سيشل، والأخير هذا أمره أمثر غرابة.

وبحسب تحقيقات أمريكية، فإن اجتماع سيشل تم ترتيبه من قبل «محمد بن زايد»، وشارك فيه مستشار قانوني مقرب من الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين»، ومدير شركة «بلاك ووتر» للتعهدات الأمنية (أكاديمي) «إريك برينس»، وأحد المستشارين غير الرسميين لفريق «ترامب».

من جانبها، قالت «نيويورك تايمز» إن «جورج نادر» (58 عاما) تردد على البيت الأبيض أكثر من مرة خلال الأشهر الأولى لإدارة «ترامب» والتقى مقربين منه، منهم «بانون» و«كوشنر» لمناقشة السياسة الأمريكية في منطقة الخليج قبيل زيارة «ترامب» إلى السعودية في مايو/أيار 2017، وفق مطلعين على اللقاءات.

المأزق الأكبر

هل هذا كل شئ، لا، فقد كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» منذ ساعات عن «المأزق الأكبر» الذي قد يحيط بالسعودية والإمارات خلال التحقيقات التي لا تزال دائرة حاليا عن التدخل الأجنبي المحتمل بالانتخابات الأمريكية.

وبحسب الصحيفة، فإن المحقق الخاص «روبرت مولر» يحقق حاليا، وباستفاضة، في اجتماع تم عقده ببرج «ترامب» في 3 أغسطس/أب 2016، أي قبل الانتخابات بنحو 3 أشهر، وضم كل من الابن الأكبر لـ«ترامب»، واللبناني الأمريكي «جورج نادر» بصفته مستشارا لمسؤولين إماراتيين، و«جويل زامل»، وهو رجل أعمال استرالي يمتلك شركة متخصصة في الحملات على مواقع التواصل الاجتماعي مقرها (إسرائيل)، وكان الاجتماع بترتيب «إريك برينس»، المقاول الأمني الخاص والرئيس السابق لشركة «بلاك ووتر».

وبحسب الصحيفة، فإن شركة «زامل» متخصصة في جمع المعلومات وتشكيل الرأي من خلال وسائل الإعلام الاجتماعية، وقد وظفت مؤخرا عددا من ضباط المخابرات الإسرائيلية السابقين.

وقالت الصحيفة إن «زامل» تحدث عن قدرة شركته على إعطاء ميزة كبيرة لحملة «ترامب» الانتخابية، وأنه وضع استراتيجية للعمل على ذلك الأمر، تكلفت ملايين الدولارات، قائمة على عدة محاور، أبرزها استخدام مئات الآلاف من الحسابات المزيفة على مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لترشيح «ترامب».

وأضافت أنه لم يعرف على وجه الدقة هل تم تنفيذ تلك الخطة أو لا، لكن الأكيد أن الاجتماع تم، وأن «جورج نادر» كان وكيلا عن أمراء خليجيين عرضوا تمويل أية وسيلة لضمان فوز «ترامب»، وأنه تم تحويل نحو مليوني دولار بالفعل لـ«زامل».

التطور الأخير يمكن اعتباره «ذروة سنام الأمر» حيث يشير إلى أن التدخل الإماراتي السعودي لم يبدأ بعد نتائج الانتخابات وقبل تولي «ترامب» المسؤولية رسميا، لكنه بدأ قبيل الانتخابات نفسها، وهو ما يمكن أن يتم بموجبه وضع أبوظبي والرياض رسميا، بجانب موسكو، كجناة تضيق عليهم الدائرة في قضية تعتبرها الأجهزة المعنية في واشنطن، قضية أمن قومي من العيار الثقيل.

الكشف الأخير أظهر أيضا جوانب جديدة من حقيقة العلاقة بين إدارة «ترامب»، وولي عهد السعودية «محمد بن سلمان»، وأبوظبي «محمد بن زايد»، وتؤكد أن معادلة الأموال مقابل النفوذ لم تبدأ بعد فوز «ترامب»، لكنها بدأت قبل تصويت الأمريكيين له أساسا، وتضرب أيضا مصداقية ذلك التصويت، باعتبار أن حملة نفذت لتوجيه الناخبين إلى اختيار «ترامب» بشكل غير قانوني أو عادل.

الدائرة تضيق

الدائرة ضاقت للغاية حول «ترامب» ومعه كل من روسيا والسعودية والإمارات، وإذا كان «ترامب» حاول التملص من المأزق الروسي بالتوجه نحو إقرار مزيد من العقوبات وتقليص العلاقات مع موسكو، فإنه من غير المستبعد أن تكون تبعات تورط الرياض وأبوظبي في قضية الانتخابات عبارة عن انفراط شديد الوطأة للعقد الوثيق والذي لا يزال مبرما بين «ترامب» وكل من «بن سلمان» و«بن زايد».

تبقى (إسرائيل) هي كلمة السر الكبرى في مدى إمكانية صمود هذا العقد، وتجاوز المأزق الحالي، وتشير الأحداث إلى أن مصلحتها العليا تقتضي استمراره، وإهالة التراب على قضية التدخل الأجنبي في الانتخابات الأمريكية برمتها، فـ«ترامب» قد أعطاها أكثر مما كانت تتوقع في وقت قصير بمسألة القدس، والسعودية والإمارات تجهز لوضع أختامها على صفقة القرن التي ستصفي القضية الفلسطينية تماما وتنقل (تل أبيب) إلى مرحلة جديدة كليا.