علاقات » خليجي

اختراق "قنا".. قرصنة فشلت بقلب نظام الحُكم في قطر

في 2018/05/24

الخليج أونلاين

عام مضى على اختراق وكالة الأنباء القطرية "قنا" والذي كان شرارة بداية أزمة خليجية، لا تزال تداعياتها مستمرة حتى اليوم، وشكلت ضربة لأمن مجلس التعاون الخليجي في الصميم.

واستخدمت دول حصار قطر (السعودية، الإمارات، البحرين، مصر) عمليّة الاختراق والفبركات لتبرير تحريضها وهجومها على الدوحة، وصولاً إلى قطع العلاقات في 5 يونيو من ذاك العام، كما فرضت عليها حصاراً بحرياً وجوياً، وحاكت المؤامرات السياسية والاقتصادية التي تستمرّ فيها حتى اليوم.

ورغم نفي السلطات القطرية، في اللحظة ذاتها، التصريحات المفبركة وتأكيدها أنه تم اختراق الوكالة، فإن وسائل إعلام سعوديّة وإماراتية ومصرية واصلت بث الأخبار المفبركة، مع جلب محللين ومعلقين لتأكيدها ورسم السيناريوهات التي مهدت للأزمة الخليجية وحصار قطر بعدها بأيام.

فقد كان مدير مكتب الاتصال الحكومي، الشيخ سيف بن أحمد آل ثاني، أعلن على الفور في الرابع والعشرين من مايو 2017، أن "موقع وكالة الأنباء القطرية تم اختراقه من قبل جهة غير معروفة إلى الآن، وتم نسب تصريح لأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بعد حضور سموه تخريج الدفعة الثامنة للخدمة الوطنية".

- خيوط المؤامرة تفضح الإمارات

وعلى أثر الاختراق، بدأت الدوحة تحقيقاتها بمشاركة مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي الـ(إف بي آي).

وفي 20 يوليو 2017، قالت وزارة الداخلية القطرية إنها تحتفظ بأدلة كثيرة تؤكد اختراق موقع "قنا"، وإنها تؤجل الإفصاح عنها؛ حتى لا تؤثر على عملية التحقيق، وأن الأدلة الحالية تتيح تحريك دعوى قضائية ضد الضالعين في عملية الاختراق، وأنه تم البدء في ذلك بعد تحويل الأمر إلى النيابة العامة.

وأواخر أغسطس 2017، كشفت صحيفة "يني شفق" التركية اعتقال الأمن التركي خمسة متهمين بالتورط في عملية اختراق الوكالة القطرية.

وقالت الصحيفة المقربة من الحكومة التركية: إن "معلومات قدمتها دولة قطر إلى أنقرة، قادت إلى اعتقال المجموعة المذكورة، بعد تسليم السلطات القطرية الأمن التركي المعرفات (IPAddress) التي استُخدمت في عملية الاختراق".

جابر سالم الحرمي، الكاتب والصحفي القطري، قال إن التحقيقات الدولية الأمريكية والبريطانية أثبتت ضلوع الإمارات في عملية اختراق الوكالة؛ لتكون مدخلاً لحصار قطر.

ولفت الحرمي، في حديث لـ"الخليج أونلاين"، إلى أنه في هذه المرحلة تجري ملاحقة المتورطين في الاختراق، موضحاً أنه "سيتم رفع قضية الاختراق وكل القضايا التي نتجت عن حصار قطر إلى محكمة الجنايات الدولية والمنظمات الدولية"، مبيناً أن قناة "العربية" السعودية استبقت ملاحقتها بالانسحاب من هيئة الأخبار البريطانية، وهي لم تلتزم بالنفي القطري الرسمي للفبركات واستمرت في بثها.

صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية كانت قد أكدت، يوم 24 يناير 2018، وقوف الإمارات وراء عملية اختراق الوكالة القطرية، وقالت إن الأمر تم بعلم ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.

ولاحقاً، أكد مسؤولون أمريكيون صحة التقارير التي أشارت إلى مسؤولية الإمارات عن عملية القرصنة.

ونقلت قناة "إن بي سي" الأمريكية، عن مسؤولين في وكالة الاستخبارات الأمريكية، أن متعاقدين خاصين استخدمتهم الإمارات هم من اخترقوا الوكالة القطرية.

وعبّر الحرمي عن أسفه لـ"انحدار الإعلام الخليجي في دول الحصار إلى مستويات تخلَّى فيها عن كل القيم والمبادئ والمهنية والأخلاق الصحفية، في حين اكتسب الإعلام القطري خلال عام الحصار مكانة عالية دولية؛ نظراً إلى عدم انحداره لمستويات الإساءة، وظل رفيعاً ولم ينجر إلى ما أرادت دول الحصار أن تجره إليه من "انحطاط اللهجة والخطاب".

- قلب نظام الحكم

وعقب اختراق وكالة الأنباء القطرية "قنا" وبث أخبار كذّبتها الدوحة، وفرض الحصار الاقتصادي على قطر، ظهرت مساعي دول المقاطعة، في محاولة الانقلاب على نظام الحكم بقطر، وهو ما جدّد تأكيده وزير الدولة القطري لشؤون الدفاع، خالد بن محمد العطية، لصحيفة "واشنطن بوست"، في فبراير 2018، حيث قال: "إن السعودية والإمارات خطّطتا لغزو قطر، وإنهما جرَّبتا أموراً شتّى؛ من إثارة القبائل إلى استخدام المساجد ضد قطر، ثم محاولة الحصول على بعض الدمى للإطاحة بقادة قطر".

لكن سلوك قطر وُصف بـ"الحكيم" في التعامل مع حادثة الاختراق؛ بالتوجه إلى تقديم شكوى رسمية لمجلس الأمن الدولي، من خلال المندوبة الدائمة لدولة قطر لدى الأمم المتحدة، السفيرة الشيخة علياء أحمد بن سيف آل ثاني.

وفي المقابل، فإن النوايا الانقلابية على النظام بقطر كشف عنها أمير دولة الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، أمام الرأي العام العالمي، عندما زار واشنطن، في سبتمبر 2017، والتقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقال في تصريحات صحفية: إن "الوساطة الكويتية لحل الأزمة الخليجية نجحت في وقف التدخل العسكري بقطر".

يقول جابر الحرمي: إن "التدخل العسكري كان مخططاً له لحد الوصول إلى استخدام العنف والقتل لتغيير النظام في قطر، وهذا أمر ليس بالغريب على دول الحصار، التي سبق أن خططت لانقلاب فاشل عام 1996م، ومساعيها لإنشاء نظام استبدادي؛ بسبب سياسات قطر التي انحازت إلى الربيع العربي والشعوب وحرياتها".

ولفت إلى أن "الحصار الفاشل هدف إلى تغيير سياسات قطر وفرض الوصاية عليها، والإقدام على عمل يجعلها تتراجع عن كل هذه المكانة التي حققتها على مستوى الشعوب العربية لدعمها تطلعاتها في الحرية والكرامة، في الوقت الذي وقفت فيه ، الحصار مع الثورات المضادة ودعمت الأنظمة الاستبدادية".

وكشفت صحيفة "واشنطن بوست" في يناير 2018، أن الأيام الأولى من الحصار كانت تتضمن عملاً عسكرياً من قِبل السعودية والإمارات، إلا أن المخاوف من هذا السيناريو زالت بعد نحو سبعة أشهر، مؤكدة أن وزير الخارجية الأمريكي السابق، ريكس تيلرسون، حذر حينها كلاً من السعودية والإمارات من مغبة الإقدام على مثل هذا العمل، وهو ما كرره لاحقاً ترامب في اتصال مع القادة السعوديين.

ومع كل ما ترتبط به الدوحة مع دول الحصار من وشائج وعلاقات اجتماعية واقتصادية وقبلية، عزمت "المملكة الجديدة"، بقيادة الملك سلمان بن عبد العزيز، ونجله الحاكم الفعلي للبلاد "محمد"، بدعم من إمارة أبوظبي بقيادة محمد بن زايد، وحكومة المنامة، على إعادة سيناريو محاولة الانقلاب على النظام في قطر، لكن هذه المرة بشن حملة عسكرية تُنهي حكم الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وهو ما أحبطه رد الفعل القطري والجهود الدبلوماسية.