علاقات » خليجي

السعودية والإمارات بعد 5 سنوات: ما يكسبه الاقتصاد تخسرهُ السياسة

في 2018/06/25

عادل مرزوق- البيت الخليجي-

في الثالث من يوليو 2013 أطاح الفريق أول عبد الفتاح السيسي بالرئيس المصري المُنتخب محمد مرسي، عطّل وزيرر الدفاع آنذاك ورئيس الجمهورية اليوم أحكام الدستور، وكلّف رئيس المحكمة الدستورية عدلي منصور برئاسة البلاد. في هذا اليوم أيضاً ولد على خارطة الإقليم المضطرب والمُتحارب تحالفٌ جديد بين السعودية والإمارات مسجلاً في ظهوره الأول نجاحاً استثنائياُ في مصر، تشكل في انقلاب عسكري مدعوم برافعة شعبية وازنة.

في السادس من يونيو 2018 ترأس ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الاجتماع الأول لمجلس التنسيق السعودي الإماراتي؛ وهو ما تمخض عن توقيع 44 مشروعا استراتيجيا مشتركا تحت مظلة “استراتيجية العزم” التي سيعمل عليها 350 مسئولا و139 جهة حكومية وسيادية وعسكرية من البلدين.

خمس سنوات مضت على ولادة التحالف السعودي الإماراتي رافقتها مُتغيرات محلية واقليمية عدة. تغييرات دراماتيكة في مؤسسة الحكم في السعودية أطاحت بالأميرين مقرن بن عبدالعزيز ومحمد بن نايف بن عبدالعزيز لتستقر الأمور في يونيو 2017 مع تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد. الحرب على اليمن في مارس 2015. وأخيراً، الأزمة الخليجية التي شارك فيها التحالف السعودي الإماراتي كل من البحرين ومصر؛ الهدف كان قطر؛ اللاعب الإقليمي البارز منذ 1996م، بدأ التحالف بقطع العلاقات السياسية والاقتصادية مع قطر في يونيو 2017، وحصارها وكادت الأزمة أن تصل الى تخوم التدخلات العسكرية كما أكد الوسيط الكويتي في واشنطن.

 

الذراع الرابحة

يمثل مجلس التنسيق السعودي الإماراتي المعلن مؤخراً تكاملاً بين اقتصاد السعودية والإمارات بقيمة تزيد عن تريليون دولار، للبلدين صادرات بقيمة تقترب من 700 مليار دولار في حين يبلغ حجم الواردات ما يقارب 550 مليار دولار. يضاف لذلك استثمارات مالية وصناديق سيادية هي الأكبر عالمياً أهلت البلدين الى لعب دور استثنائي في المنطقة، وبما يصل الى التأثير على صناعة القرار في العاصمة الأمريكية واشنطن حيث يؤكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن سياساته الخارجية تتحرك وفق معادلة اقتصادية واضحة ومُعلنة.

استطاع التحالف حتى الآن ومن خلال الذراع المليارية للعاصمتين الرياض وأبوظبي المحافظة على استقرار الحكم في مصر وهي الحليف الأهم عربياً. كما وفر المال السياسي اختراقات وازنة على أكثر من صعيد، وقبالة أكثر من عاصمة من عواصم القرار في المنطقة؛ في العراق من خلال التحالف مع السيد مقتدى الصدر في مواجهة طهران، وفي السودان حيث نجحت في احراز تقدم محدود على نفوذ الدوحة على الخرطوم.

ولئن كان الصعود السياسي المدعوم بالملاءة الاقتصادية الاستثنائية لتحالف السعودية والإمارات قد أمن وأتاح لكل من الرياض وأبوظبي فضاءات أرحب للتدخل في الملفات الإقليمية سياسياً وعسكرياً على حد سواء؛ إلا أنه صعود لم يستطع حتى الآن حسم أي من الملفات المفتوحة؛ لا تزال صنعاء عصيّة على قوات الرئيس هادي منصور والقوات الإماراتية والسعودية المُساندة. ولا تزال إيران تحافظ وتعزز من نفوذها الجيوسياسي في كل من سوريا والعراق واليمن، وأخيراً، لا تزال الدوحة تدير أزمتها السياسية مع دول الحصار بنجاح محققةً اختراقات دبلوماسية وسياسية وازنة رغم الخسائر المالية التي تكبدتها، الأهم من ذلك، أنها تتكأ على داعمين اقليميين كبار قبالة الرياض وأبوظبي؛ الحليف الاستراتيجي (تركيا) والحليف الجديد (إيران)؛ يضاف لذلك أن الدوحة لا تزال أحد أهم اللاعبين السياسيين وعلى الأرض في كل من ليبيا وتونس؛ حيث حاولت كل من الرياض وأبوظبي دون جدوى الظفر بانتصار جديد قليل الكُلفة، بالغ الأثر.

 

السعودية الجديدة

تؤثر التغييرات التي طرأت على مؤسسة الحكم في السعودية على التحالف السعودي الإماراتي بشكل استثنائي ما بين الإيجابي تارة، والسلبي تارة أخرى. ورغم عديد الآراء/ الإدعاءات التي تتحدث عن أن أبوظبي تلعب دوراً محورياً في عملية إعادة تشكيل وصناعة الدولة السعودية في حلتها الجديدة إلا أن هذا التغيير دون أن يكون لأبوظبي دور فيها كان منتظراً؛ اليوم أو غدا. الطارئ الفعلي في هذا التغيير هو شكله، أدواته، وحدته؛ هي ماهيته، حدوده، ومجالاته، لا وجوده كحدث متوقع ولازم.

ولئن كان الأمير الشاب محمد بن سلمان قد نجح في تقديم نفسه بوصفه القائد لمرحلة التجديد والتحديث وعصرنة المملكة العجوز، خصوصاً مع الإصلاحات الجريئة ومنها؛ فك الإرتباط التاريخي بالمؤسسة الدينية الوهابية، السماح بقيادة المرأة للسيارة ودخولها ملاعب كرة القدم، فتح دور السينما واقامة الحفلات الغنائية على نطاق واسع، إلا أن هذه الإصلاحات اقترنت أيضاً بتلك الشدة والحدة المعهودة في تعامل أجهزة الدولة الكلاسيكية مع ملفات أخرى، في مقدمة هذه الملفات الحريات السياسية، حرية الرأي والتعبير، والعمل الحقوقي في البلاد.

وفيما تبدو أبوظبي أكثر ارتياحاً في حسابات الداخل ما خلا بعض التحديات المتعلقة بضمان الحريات السياسية والحقوقية للإماراتيين من ذوي التوجهات الإسلامية (الإخوان المسلمين)، تؤثر حسابات الداخل السعودي المعقدة والمتشابكة والمتضاربة بشكل كبير وواضح في توجيه التحالف السعودي الإماراتي، ترتيب أولوياته، تحديد مساراته، وتبني خياراته.

تعنون عديد الدراسات والمقالات المتخصصة ما يحدث في السعودية باعتباره انزياحاً بالدولة نحو خيار أكثر ليبرالية وانفتاحاً. ما يُعكر صفو هذه الأحكام هو أن ما يظهر على السطح حتى الآن هو تغيير يفتقد للنظرية الوازنة التي يتكأ عليها والتي تؤسس لهذا الانتقال؛ لا في مظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية وحسب بل وبما يشمل الحياة السياسية في البلاد، عديد الأسئلة يمكن طرحها هنا عن الاصلاحات المُنتظرة على دستور البلاد، العمل السياسي وتوسيع المشاركة السياسية، وصولاً الى ضمان حرية الرأي والتعبير. إن غياب النظرية السياسية الواضحة والمفهومة لما يحدث في السعودية، كان سبباً رئيسياً في تحول سياسات الإصلاح الى سياسات مترددة ما بين الإنفتاح وكسر التابو من جهة، والإنكفاء والتراجع تحت عنوان المحافظة على الخصوصيات التاريخية والدينية والثقافية من جهة أخرى. ما بين الإنفتاح الإجتماعي وتوسيع حريات المرأة تارة، والتلكؤ في اقرار المشاركة السياسية واعتقال الناشطات الحقوقيات تارة أخرى.

الصورة ليست قاتمة في مجملها إذ يُحسب لمرحلة التغيير في السعودية الإلتفاف المُجتمعي حولها، وتفاعل شريحة الشباب – 58.5% من السعوديين تقل أعمارهم عن 30 سنة وبإضافة الذين تقل أعمارهم عن 44 عاما ترتفع النسبة إلى 80.8% – التي تعتبر رافعة اجتماعية وازنة لهذا التغيير.

ما تحتاجه السعودية لتجاوز هذا الارتباك في صيغتها وولادتها الجديدة هو برنامج إصلاح سياسي/ اجتماعي/ اقتصادي جريء وواضح، وبما لا يتجاوز أو يتعالى على الإصلاحات السياسية في نظام الحكم بما يضمن مشاركة سياسية حقيقية ومؤثرة لمواطنيها في صناعة قرارها الداخلي والخارجي، على حد سواء.

 

رسالة التحالف المفقودة

نستطيع استعارة تعقيدات الداخل السعودي وحالة الإرتباك فيه لتقييم مُخرجات/ مُنجزات السنوات الخمس الأولى لولادة التحالف السعودي الإماراتي؛ رسالةً، هدفاً وطموحات.

فيما تحقق الذراع المالية لهذا التحالف مكاسب عدة واختراقات هامة إقليميا ودولياً، تُتسبب مُتناقضات وخلافات (الهدف والرسالة والطموحات) بين كل من الرياض وأبوظبي في تضارب الخيارات والمراهنات السياسية بين البلدين في مناطق الصراع والتدخل. وهو ما جعل التحالف على الدوام عاجزاً عن ترجمة مكاسب الذراع المالية والاقتصاد الكبير للتحالف إلى مكاسب حقيقية ونفوذ معاش على الأرض.

نماذج التضارب وفقدان النظرية ووحدة الهدف عديدة؛ تريد أبوظبي في اليمن التعويل على الجماعات السلفية وعناصر الحراك الجنوبي في ظل شيطنتها لجماعة الإخوان المسلمين. قبالة ذلك تعتقد الرياض أن الإخوان المسلمين خيار جيد ومناسب للمراهنة عليه ودعمه قبالة الحوثيين، تستبعد الرياض بوضوح إعادة التحالف مع الجماعات السلفية المُرتبطة بتنظيم القاعدة؛ بشكل مباشر أو غير مباشر.

في سوريا؛ تسعى أبوظبي إلى تطبيع العلاقات العربية ولو تدريجياً مع سوريا فيما تُحافظ الرياض على مواقفها الحادة تجاه النظام السوري وداعمه الإيراني. وتزداد الأمور بين الرياض وأبوظبي تعقيداً وضبابية في ملف الصراع الخليجي الإيراني، حيث ترمي السعودية بثقلها الاقتصادي والدبلوماسي نحو مواجهة أكثر سخونةً وحدةً مع إيران، فيما تدعم بنوك وموانئ الإمارات الإقتصاد الإيراني باعتبارها البوابة البديلة التي تدير من خلالها طهران تجارتها ومعاملاتها التجارية الدولية.

تعنون الإمارات سياساتها الإقليمية كدولة علمانية صرفة تقف قبالة مشروع قطر الذي يراهن على الإنتقال الديمقراطي في دول المنطقة بالرهان على جماعات الإسلام السياسي، وهي عنونة ترتبك السعودية في التوافق معها والرهان عليها، خصوصاً وأن الرياض تراهن على عنوان الحرب الطائفية في صراعها مع إيران بشكل مباشر. المفارقة الأكثر غرابة، في الوقت الذي تلقي فيه السعودية بثقلها كاملاً في الصراع مع طهران تتلكأ أبوظبي في تدويل ملف الجزر الثلاث التي تقول أن إيران تحتلها!

في الخلاصة؛ في الوقت الذي يبدو فيه التحالف السعودي الإماراتي بعد 5 سنوات ومع تدشين 44 مشروعاً في مجلس التنسيق بين البلدين متماسكاً وقوياً في لغة المال والأعمال، تعجز كل من الرياض وأبوظبي عن إجابة أسئلة أكثر أهمية ومحورية؛ لماذا هذا التحالف؟ ماذا يريد؟ ولماذا تقتصر نجاحاته على شاشات الإعلام عبر عقود صفقات التسليح والمدن الاقتصادية دون أن ينجح السلاح أو المال في تغيير أي من توازنات القوة والنفوذ على الأرض؟