علاقات » خليجي

حصار قطر يظهر نفاق الإمارات والسعودية

في 2018/06/25

ذا إيكونوميست- ترجمة شادي خليفة -

«في البداية، كان الجميع يعتقد أن الأمر كان نوعا من المزاح، لكن بعد 4 أو 5 أيام، تلقينا اتصالا قال إنه كان علينا العودة إلى البحرين، أو سيتم سحب جوازات سفرنا»..

هنا تحكي «العنود الجلاهمة»، وهي طالبة في الـ22 من عمرها تدرس الطب، كيف أن الصدع بين الدول الملكية في الخليج هدد بتفريق عائلتها، حيث إن والدتها تعمل طبيبة قطرية وهي مطلقة من والدها، وهو عسكري بحريني.

وبموجب القواعد الأبوية في الخليج، تتمتع هي وشقيقان لها بجنسية والدهما، لكنهم يعيشون مع أمهم في الدوحة، عاصمة قطر، ويعتبرون أنفسهم قطريين.

ولم يكن لأي من هذا الأمر أهمية كبيرة عندما كان بإمكان مواطني الخليج السفر بحرية داخل مجلس التعاون الخليجي.

وتشرح العنود: «لم تكن الحدود المادية موجودة بالنسبة لنا حيث تشترك بلداننا في الكثير من القبائل المشتركة»، لكن في يونيو/حزيران 2017، قامت 4 بلدان، وهي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر، بحظر كل تعامل مع قطر فجأة وقطعوا جميع الروابط البرية والجوية والبحرية، وأمر بعضهم مواطنيهم بالعودة إلى ديارهم.

ويعد هذا النزاع أخطر شقاق في مجلس التعاون الخليجي منذ إنشائه عام 1981، وتشعر أمريكا بالقلق من أن العداء بين حلفائها يضر بجهودها لزيادة الضغط الاقتصادي والسياسي على إيران.

ويتم شن الحملات العدائية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقنوات التليفزيون، والصحف، وجماعات الضغط في الغرب.

وقد هددت دولة الإمارات أي شخص يعبر عن تعاطفه مع قطر بالسجن لمدة تصل إلى 15 عاما، ومع انتشار الحرب الباردة في الخليج، كثيرا ما تبرز النزاعات، من ليبيا إلى القرن الأفريقي، بين قطر والإمارات، حيث يدعم البلدان المجموعات المتنافسة.

وفي الداخل، أثار النزاع نزعة قومية، وفي السيارات والحوائط في الدوحة، حتى على ناطحات السحاب، يتم إظهار الأمير «تميم» في موقف بطولي، مع شعار «تميم المجيد».

وفي دولة الإمارات، تنتشر صور الشيخ «زايد»، المؤسس الراحل للاتحاد، في كل مكان، للاحتفال بالذكرى المئة لميلاده.

وقد بدأت قطر تبحث عن مسارها المستقل منذ التسعينات، ومع تعداد لا يكاد يتجاوز 300 ألف مواطن، فإنها تعد أصغر دول مجلس التعاون الخليجي سكانا، ولكنها أغنى إمارة من حيث دخل الفرد، بسبب حقول الغاز الواسعة.

وفي سياستها الخارجية المذهلة، تستضيف أكبر قاعدة جوية أمريكية في المنطقة، والعديد من الإسلاميين.

وكانت سياستها الداخلية مليئة دائما بالأحداث الساخنة، ففي عام 1972، تم خلع الأمير المؤسس من قبل ابن عمه، الذي تمت الإطاحة به بدوره عام 1995 على يد ابنه «حمد بن خليفة»، وقام الأمير المخلوع بانقلاب مضاد فاشل عام 1996، وسط شكوك حول مساعدات إماراتية وسعودية، وتخلى الشيخ «حمد» عن السلطة عام 2013 لصالح ابنه، «تميم بن حمد».

ويقول السعوديون والإماراتيون إن الشيخ «حمد» لا يزال يحكم من وراء الستار، وأنه لم يغفر لهم أبدا محاولة إزاحته، وفي تسجيل مسرب لمحادثة هاتفية مفترضة عام 2008 مع «معمر القذافي»، الديكتاتور الليبي الذي تم قتله في وقت لاحق خلال الربيع العربي، كان الشيخ «حمد» يتوقع أن تنقسم القيادة السعودية «الفاسدة».

وعلى مر السنين، سعت قطر للتأثير من خلال تشجيع الجماعات الإسلامية، وحاولت الإمارات تضخيم دورها عن طريق ربط نفسها عن كثب بالسعودية، وقد وقع هذا الشهر الحليفان 20 اتفاقية اقتصادية وعسكرية؛ حيث تعهدا بخلق شراكة «استثنائية» قد تحل محل «مجلس التعاون الخليجي».

وفي حين تم إصلاح انقسام مماثل عام 2014، فإن ما يبدو هذه المرة هو الانهيار الحتمي للمجلس، وأحد الأسباب هو ظهور «محمد بن سلمان» في السعودية، وقد يكون انتخاب «دونالد ترامب» سببا آخر.

ولدى الإمارات والسعودية علاقات وثيقة مع «غاريد كوشنر»، صهر «ترامب»، وربما، حسب رأي البعض، أعطى ترامب «اللجنة الرباعية»، المناهضة لقطر، الضوء الأخضر في قمة الرياض قبل أسبوعين من الأزمة.

وفي وقت لاحق، قال «ترامب»: «خلال رحلتي الأخيرة إلى الشرق الأوسط، قلت إنه لا يمكن أن يكون هناك تمويل للفكر الراديكالي، وقد أشار القادة إلى قطر».

ومنذ ذلك الحين، طالب «ترامب» زعماء الخليج بتسوية نزاعهم بسرعة، ولقد تقدمت إيران بسرور للمساعدة في تخفيف الحصار المفروض على قطر، ومع سعي جميع الأطراف للضغط على إدارة «ترامب»، كان المسؤولون الأمريكيون يعملون مع قطر.

وقد أصدرت دول الحصار 13 طلبا، تشمل قطع العلاقات مع إيران و«الإخوان المسلمون»، وكان أبرز المطالب أن تغلق قطر قناة الجزيرة، التي حطمت تقاريرها الصارمة صورة الصحافة العربية الموجهة لتجميل النظام.

وعندما زار «حسني مبارك» الشبكة عام 1999، أي بعد مرور عامين فقط على إطلاقها، تساءل مستنكرا: «هل تخرج كل هذه الجلبة من علبة أعواد الكبريت هذه؟»، وبعد 12 عاما، ساعدت علبة أعواد الكبريت هذه على نجاح الثورة التي أطاحت به.

وعلى مر السنين، تم اعتبار «الجزيرة» منبر قوة لحرية التعبير ولسان حال للإسلاميين، وقد كره المسؤولون الأمريكيون تقاريرها عن الحروب في أفغانستان والعراق.

وترفض «موستيفا سواج»، المديرة العامة بالنيابة، الادعاءات بأن القناة مسؤولة عن الربيع العربي، قائلة: «يعد هذا عدم احترام للشعب العربي، لقد سئم الناس الأوضاع في بلادهم».

ويعتقد النقاد أن «قناة الجزيرة»، خاصة القناة التي تصدر باللغة العربية، قد أصبحت لسان حال الحكومة القطرية، ولقد كانت تغطيتها مخيبة للآمال للجماعات الجهادية السورية المعارضة وقد تجاهلت إلى حد كبير التكلفة الإنسانية للحرب في اليمن، وتجاهلت كذلك الانهيار الداخلي في الخليج.

وقد يفسر هذا السبب في أن المسح السنوي للشباب العربي الذي أصدرته شركة «أصداء بيرسون مرستلر»، وهي شركة علاقات عامة، يجد أن «قناة الجزيرة» أصبحت واحدة من مصادر الأخبار الأقل ثقة.

وهناك الكثير من النفاق في الاتهامات الموجهة ضد قطر، فبالنسبة لاتهامها بأنها قريبة جدا من إيران، نجد أن الكويت وعمان يرتبطان بعلاقات جيدة مع الملالي، وفي دعمها لـ«الإخوان المسلمون»، نجد أن الإسلاميين يبرزون في البرلمانات الكويتية والبحرينية، وبالنسبة لتدخلها في شؤون البلدان الأخرى نجد أن الإمارات داعمة للانفصاليين في اليمن والصومال.

وقد يستمر الخلاف لأجل غير مسمى، إذا استمر الأبطال الرئيسيون أغنياء بما يكفي لتحمل الضربات، وقد عانت قطر بعض الألم الاقتصادي، ولكنها تعمل على تطوير صناعات جديدة، وتخوض طفرة في البنية التحتية قبل كأس العالم لكرة القدم التي تستضيفها عام 2022.

وتشعر دول الخليج الأخرى بالقلق، وقد انقسم مجلس التعاون الخليجي، الذي تم إنشاؤه للموازنة بين الجيران الأكبر والأصغر، وتعزيز التكامل الاقتصادي، وربما لا يمكن إصلاحه.

ويتساءل «شفيق غبرة» من جامعة الكويت: «إذا تمكنوا من القيام بذلك مع قطر، فلماذا لا يصل الأمر إلى الكويت وعمان؟» ويشير إلى خطر أن تدير الدول «أنظمة الرجل الواحد».

ولقد كان الرئيس العراقي الراحل «صدام حسين» مفتونا بالتكنولوجيا والتعليم، لكنه غزا كل من إيران والكويت، كما يقول، «ولم يتمكن أحد أن يقول له إنه يقود العراق إلى كارثة».