علاقات » خليجي

صفقة الإندبندنت.. السعودية تواجه «الجزيرة» بـ«دبلوماسية دفاتر الشيكات»

في 2018/07/24

مودرن دبلوماسي-

كيف نواجه تفوق «الجزيرة»؟ سؤال بدأ طرحه على طاولة القرار السعودي منذ عام 1996م، وهو العام الذي شهد بزوغ نجم القناة القطرية لتصبح الفضائية العربية الأولى في تغطية الشأن السياسي عبر عروضها الحوارية الخارجة عن ما هو مألوف للعقل العربي، الذي تعود على نمط إعلام الدعاية الموجه من جانب الأنظمة الشمولية.

ظل السؤال بلا إجابة عملية لـ16 عاما كاملة، قبل أن يطلق «وليد بن إبراهيم آل إبراهيم»، صهر الملك السعودي الراحل «فهد بن عبدالعزيز» قناة «العربية» عام 2012 على خلفية الأثر الضخم الذي خلفته تغطية «الجزيرة» لثورات الربيع العربي، وهو ما اعتبره صانع القرار السعودي «تهديدا استراتيجيا» يجب العمل على وقفه، حسبما يرى الكاتب المختص في شؤون الخليج العربي، «جيمس دورسي».

وبحسب تقرير نشره بدورية «مودرن دبلوماسي»، يعزو «دورسي» التأخر السعودي إلى حالة الاعتياد والتأقلم على نمط تقليدي في علاقة السلطة الملكية المطلقة بوسائل الإعلام، الأمر الذي لم يدفعها لإدراك مدى الثقل الذي يمثله نجم «الجزيرة» رغم مرورها بإخفاق إعلامي مشابه أمام وسائل الإعلام الغربية قبل 6 سنوات من إنشاء القناة القطرية، وتحديدا إبان غزو نظام الرئيس العراقي الراحل «صدام حسين» للكويت.

حينها منعت السلطات السعودية الإعلام السعودي من الإبلاغ عن الغزو، ثم اضطرت إلى رفع الحظر عن أخباره بعد مرور 3 أيام تأكد فيها تحول وسائل الإعلام الغربية إلى مصدر المعلومات الأول لدى المواطن السعودي، خاصة شبكة CNN.

مخطط إعلامي

لكن هل نجحت «العربية» في وقف تفوق «الجزيرة»؟ يرى «دورسي» أن الإجابة هي: لا، خاصة أن القناة القطرية تحولت بمرور الوقت إلى شبكة عالمية تمثل مشروعا إعلاميا يشمل غير الناطقين باللغة العربية، وهو ما يفتقده المشروع الإعلامي السعودي إلى حد كبير.

وإزاء ذلك، خططت الرياض لفرض مشروعها عبر استدعاء نموذج «دبلوماسية دفاتر الشيكات» من السياسة إلى الإعلام، عبر محاولات متعاقبة لشراء وسائل إعلام غربية.

وبحسب وثائق مسربة عام 2015، فإن المخطط السعودي استهدف مواقع ومحطات إخبارية في أوروبا والشرق الأوسط، لتلميع صورة نظام المملكة الجديد، بقيادة الأمير «محمد بن سلمان».

في هذا السياق، يقرأ «دورسي» الإعلان عن عقد الشراكة بين المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق ودار نشر صحيفة «إندبندنت» البريطانية لإنشاء 4 خدمات إخبارية جديدة عبر الإنترنت.

ذراع الشراكة

المجموعة السعودية هي ذراع الرياض لتنفيذ مشروعها الإعلامي المناهض لتفوق «الجزيرة»، وهي المالكة لصحيفتي «عرب نيوز»، الصادرة بالإنجليزية، و«الشرق الأوسط» الصادرة باللغة العربية، ولذا جاءت «شراكة الإندبندنت» في إطار استكمال المنظومة السعودية عبر تركيز الخدمات الإخبارية الجديدة على اللغات: الفارسية، والتركية، والأردية.

أما «الإندبندنت» فهي المملوكة لرجل الأعمال الروسي «ألكسندر ليبديف»، ويديرها ابنه «إيفغني ليبديف»، المقيم في بريطانيا، والذي أوقف طبعتها الورقية و أبقى فقط على نسختها الإلكترونية على إثر تعرضها لأزمة مالية.

دبلوماسية الشيكات

ومن هذه الخلفية التقط مالك «دفاتر الشيكات» الفرصة، حسبما يرى «دورسي»، عبر توجيه المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق باتجاه الشراكة مع المؤسسة البريطانية العريقة.

وباعتبار الدور الوظيفي للمجموعة، جاء ترؤس الأمير «بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود» لها عام 2015، وتعيينه مؤخرا وزيراً للثقافة في السعودية، وهو من تصدر عناوين الصحف الغربية في العام الماضي حينما دفع 450 مليون دولار أمريكي ثمناً للوحة «المخلص» التي رسمها «ليوناردو دافنشي».

لم يكن الأمير «بدر» ممثلا لنفسه في صفقة اللوحة الشهيرة، حسبما أكدت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، بل «وكيل عن أصيل» هو ولي العهد السعودي، الأمير «محمد بن سلمان».

وإلى جانب طريقة الشراكة مع «الإندبندنت»، يعتمد المخطط السعودي، بحسب تقرير «دورسي»، على ضخ الأموال بوسائل إعلام متعثرة من جهة، وشراء الآلاف من الاشتراكات من جهة أخرى.

حصار الجزيرة

غالبا ما كانت الدوافع التاريخية للمخطط السعودي مرتبطة بمقارعة إيران، باعتبارها خصم المملكة اللدود، لكن تصعيد الرياض ضد الدوحة مؤخرا، وقيادتها لحملة حصار ضدها، جعل من إضعاف نفوذ شبكة «الجزيرة» المستهدف الأول لمشروعها الإعلامي، بحسب التقرير.

وفي هذا الإطار، حظرت السعودية قناتي «الجزيرة» و«beIN»، في ذات الوقت الذي غضت فيه الطرف عن قناة القرصنة «beoutQ».

ومن المقرر أن يتم إنتاج الجزء الأكبر من محتوى الشراكة مع «الإندبندنت» من قِبل صحفيين يتبعون المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق في لندن وإسلام آباد وإسطنبول ونيويورك، على أن تساهم الصحيفة البريطانية فقط بالمقالات المترجمة من موقعها باللغة الإنجليزية.

فهل ينجح المشروع السعودي في جذب «الإندبندنت» إلى ساحة «أذرعه»؟ أم تفرض مهنية المؤسسة العريقة نفسها على رأس المال؟ مستقبل الشراكة كفيل بالإجابة.