علاقات » خليجي

سلطنة عمان .. واحة باردة في محيط ملتهب

في 2018/08/01

مبارك الفقيه- خاص راصد الخليج-

تتحضّر سلطنة عمان للاحتفال بعيدها الوطني في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وتتويج 47 عاماً من التقدّم والإزدهار في ظل قيادة السلطان قابوس بن سعيد، وكانت السلطنة أحيت في 23 يوليو / تموز الماضي "يوم النهضة المباركة" الذي يوافق ذكرى تولّي السلطان الحكم في البلاد، مستعيدة خطابه التاريخي الأول الذي ألقاه عام 1970 حين وعد بإقامة الدولة العصرية، وأخذ بيد العمانيين نحو بناء دولتهم الجديدة بتؤدة وهدوء بعيداً عن الصراعات والمخاضات العسيرة التي عاشتها، ولا تزال، المنطقة بشكل عام ودول الخليج بشكل خاص.

اكتفاء ذاتي وقرار مستقل

ما الذي يجعل من سلطنة عمان تحتل هذا الموقع؟ وكيف تستطيع أن تحجز لنفسها مكاناً متمايزاً وسط الجلبة الكبيرة التي تعيشها المنطقة؟ وكيف يقارب السلطان قابوس الملفات المشتعلة داخلياً وخارجياً؟ في البدء لا بد من الإشارة إلى أن سلطنة عمان ليست طارئة في تاريخها، لا على مستوى الكيان وكذلك على مستوى الحكم والامتداد والانتشار، فتاريخها الامبراطوري زاخر بالشواهد على ذلك فضلاً عن ميزتها في إنجاب الشخصيات القيادية التي تكفل للكيان العماني استقلاله والحفاظ على مقدّراته الحيوية، وبالتالي فإن سلطنة عمان ليست منقطعة عن تاريخها بل متصلة بحاضرها ومتطلعة إلى مستقبلها، وتعتمد على ذخرها الشعبي الذي يكفل تماسك طبقات المجتمع في ظل الأنظمة الإدارية والمالية المتّبعة والمشاريع العمرانية والإنمائية التي تجعل من السلطنة دولة مكتفية عموماً، على الرغم من الأزمة الاقتصادية التي تأثرت بها البلاد، وهو ما يجعل قرارها ملك يدها.

عمان والربيع العربي

ومنذ اندلاع حوادث ما سمّي بـ "الربيع العربي"، بقيت سلطنة عمان بمنأى عن الزلازل والهزات التي ضربت عدداَ من الدول العربية، واستطاعت من خلال سياسة مدروسة الحفاظ على توازنها على حبال التطوّرات المتأرجحة والإمساك باستقرارها الداخلي أمنياً واقتصادياً، دون أن تتخلّى عن محورية موقعها الخارجي في دائرة الصخب السياسي والميداني الذي عصف بالمنطقة منذ العام 2011 حتى اليوم، واستطاع السلطان قابوس احتواء التظاهرات الاحتجاجية - المدعومة إماراتياً - ضد النظام العماني، وكما فهم هو الرسالة الخليجية، كان لاستيعاب هذه الاحتجاجات الأثر في إيصال رسالة إلى الأخوين الجارين أن السلطنة منيعة على التقلّبات، والأجدى أن تكون العلاقة بين الأخوة علاقة تكامل وتفهّم وليست علاقة هيمنة وتهجّم.

وسطية بلا حياد

وفي المقابل لعبت السلطنة أدواراً كثيرة على مستوى الوساطات العربية والدولية، وحافظت على علاقاتها المستقرّة مع كل الأطراف سواء تلك المنسجمة فيما بينها أو تلك المتحاربة أو المتموضعة على طرفي نقيض. وعلى الرغم من تموضعها في موقع وسطي غير محايد، فهي نأت بنفسها عن الحلف الغربي - العربي المعادي لسوريا ورفضت التصويت على إيقاف عضوية سوريا في الجامعة العربية، ولم تغرق نفسها في مستنقع الخلافات الخليجية - الخليجية ولم تنخرط في قرار مقاطع وحصار دولة قطر من قبل دول المحور السعودي - الإماراتي، ولم تشارك قوات التحالف في الحرب على الجبهة اليمنية، ولكنها أبقت تواجدها السياسي في الأزمة، وفي الوقت نفسه أعربت عن استعدادها للانضمام إلى التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب بقيادة السعودية.

خارج المستنقع

هذا النجاح في الاستقرار الذي حققه الحكم في سلطنة عمان لم يكن أبداً في بيئة هادئة، لا سيما في ظل التباين مع الأخ السعودي الأكبر والجار الإماراتي الطموح، فقد واجهت مسقط الكثير من التحدّيات التي هدفت إلى دفعها باتجاه الانسياق وراء سياسة موّحدة، والسير في قطار القرار السعودي - الخليجي والمصري إزاء الملفات الشائكة، فبعد إعلان قطع العلاقات مع قطر، وإغلاق المنافذ الجوية والبحرية والبرية، سارعت عُمان إلى فتح خطين ملاحيين بين ميناء حمد ومينائي صحار وصلالة لكسر الحظر البحري، وهذا الإجراء أثار غضب الرياض، فضلاً عن أن السلطنة أقفلت أيضاً بشكل شبه تام أي استفادة عسكرية ولوجستية من أراضيها لشن أي هجوم على اليمن من الجهة الشرقية، وبذلك تم تحييد السلطنة عن تحويلها إلى موقع عسكري وقاعدة انطلاق حربية في حرب اليمن، لا بل استفادت من مكانتها ووجودها خارج لعبة الخصوم لتلعب دور الوسيط بين الغرب والحوثيين تمهيداً للوصول إلى اتفاق لإنهاء الحرب، وهو ما لم يرق للرياض وانعكس ذلك في المواقف الإعلامية التي هاجمت الدور العُماني.

عكس التيار

أما على صعيد الموقف من إيران فقد بات يعتبره الخليجيون ملفاً مصيرياً لا بد من حسم الأمور حوله، لما له من تداعيات على مستقبل المنطقة في ظل اقتراب الإعلان عن صفقة القرن وتسوية القضايا العالقة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والعلاقة مع "إسرائيل"، ولكن عُمان لم تقطع جسور التواصل مع إيران حتى مع كونها خصماً عتيداً لهذه الدول، مستفيدة من العلاقات التاريخية والعلاقات التجارية وأواصر التاريخ الإنساني والديني، وبذلك بقيت سلطنة عمان محافظة على قراراتها المبدئية دون تغيير، وهو ما يجعلها تسير بعكس التيار، مع ما يفرضه هذا السير من قدرة على الصبر والصمود والكثير من الحنكة وتدوير الزوايا الحادة وامتصاص الصدمات.