علاقات » خليجي

تفاصيل إجهاض «تيلرسون» مخططا سعوديا إماراتيا لغزو قطر

في 2018/08/02

إليكس إيمونز- ذا إنترسبت- ترجمة فتجي التريكي -

قبل 13 ساعة فقط من قراءة وزير الخارجية الأمريكي السابق «ريكس تليرسون» لنبأ إقالته عبر تغريدة للرئيس «دونالد ترامب» على موقع «توتير»، كان الوزير قد فعل شيئا لم يكن الرئيس راغبا في قيامه به، وبعد مكالمة هاتفية مع نظيره البريطاني، أدان «تيلرسون» هجوم الأعصاب القاتل على العميل الروسي في بريطانيا قائلا إنه «لديه ثقة تامة في تحقيقات المملكة المتحدة وتقييمها بأن روسيا كانت مسؤولة على الأرجح».

وكانت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض «سارة ساندرز» قد وصفت الهجوم بأنه «طائش، وعشوائي، وغير مسؤول»، لكنها امتنعت عن إلقاء اللوم على روسيا، مما دفع العديد من وسائل الإعلام إلى التكهن بأن «تيلرسون» تمت إقالته بسبب هجومه على روسيا.

لكن في الأشهر التي تلت رحيله، أشارت التقارير الصحفية بقوة إلى أن دولا بعينها كانت تمارس الضغط أكثر من أي جهة لإقالة «تيلرسون» وهي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، حيث كان البلدان يشعران بالإحباط بسبب محاولات وزير الخارجية إنهاء حصارهما لقطر، وقد أشار تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن سفير الإمارات في واشنطن كان يعلم أن «تيلرسون» سوف تتم إقالته قبل 3 أشهر من إقالته فعليا في مارس/أذار الماضي.

وعلمت «إنترسبت» من مصادرها أن غضب السعودية والإمارات على «تيلرسون» كان سببا رئيسيا لإقالته، وفي صيف عام 2017، قبل عدة أشهر من بدء حلفاء الخليج في الضغط من أجل الإطاحة به، تدخل «تيلرسون» لوقف خطة سرية تقودها السعودية وتدعمها الإمارات لغزو قطر وفقا لمعلومات أدلى به عضو حالي في مجتمع الاستخبارات الأمريكي واثنان من المسؤولين السابقين في وزارة الخارجية.

خطة الغزو

في الأيام والأسابيع التي تلت قيام السعودية والإمارات والبحرين ومصر بقطع علاقاتها مع قطر وإغلاق حدودها البرية والبحرية والجوية مع الإمارة، قام «تيلرسون» بسلسلة من المكالمات الهاتفية مع السعوديين طلب فيها وقف اتخاذ أي إجراء عسكري ضد قطر، وقد تحدث الصحف عن تلك المكالمات آنذاك لكنها قالت إنها كانت جهدا للوساطة الدبلوماسية لحل الأزمة ولم تشر إلى محاولة لمنع أي عمل عسكري.

خلال تلك المكالمات، حث «تيلرسون» العاهل السعودي الملك «سلمان بن عبدالعزيز» ونجله، ولي ولي العهد (آنذاك) «محمد بن سلمان» ووزير الخارجية «عادل الجبير» على عدم مهاجمة قطر أو تصعيد الأعمال العدائية ضدها، كما حث «تيلرسون» وزير الدفاع الأمريكي «جيمس ماتيس» على التواصل مع المسؤولين العسكريين في السعودية لشرح مخاطر مثل هذا الغزو في ظل استضافة قطر لقاعدة العديد مقر القيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط وموطن أكثر من 10 آلاف جندي أمريكي.

وفي وقت لاحق من الشهر نفسه تمت ترقية «محمد بن سلمان» ليصبح ولي العهد ووريث العرش في السعودية.

وتسبب ضغط «تيلرسون» في تراجع «بن سلمان» الحاكم الفعلي للسعودية عن مهاجمة قطر خشية أن يضر الغزو بعلاقات السعودية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة، لكن تدخل «تيلرسون» تسبب في إغضاب ولي عهد أبوظبي «محمد بن زايد» وفقا لمسؤول استخباراتي أمريكي ومصدر مقرب من العائلة المالكة الإماراتية.

وكشف عملاء مخابرات قطريون يعملون داخل المملكة العربية السعودية الخطة في أوائل صيف عام 2017  وفقا لمسؤول استخباراتي أمريكي،  وجاء تدخل «تيلرسون» بعد أن أبلغته الحكومة القطرية والسفارة الأمريكية في الدوحة،  وبعد عدة أشهر، أكدت تقارير استخبارية من الولايات المتحدة وبريطانيا وجود هذه الخطة.

تم تصميم الخطة من قبل الأمراء السعوديين والإماراتيين وكان من المنتظر دخولها حيز التنفيذ بعد أسابيع، وشملت عبور القوات السعودية الحدود البرية مع قطر بدعم عسكري من الإمارات قبل أن تتقدم 70 ميلا نحو الدوحة محيطة بقاعدة العديد الأمريكية وبعدها تقوم القوات بالسيطرة على العاصمة القطرية.

وفي 20 يونيو/حزيران، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية «هيذر نويرت» للصحفيين إن وزير الخارجية «أجرى أكثر من 20 مكالمة واجتماعا مع ممثلين خليجيين وغيرهم من الجهات الإقليمية والوسيطة»، بما في ذلك 3 مكالمات هاتفية واجتماعين مع «عادل الجبير»، وأضافت: «كلما مر الوقت، كلما زاد الشك حول الإجراءات التي اتخذتها السعودية والإمارات».

نزعات تدخلية

وتطرح خطة الغزو أسئلة حول النزعات التدخلية من جانب اثنين من أقرب حلفاء الولايات المتحدة وأكبر عملاء الأسلحة الأمريكية، وفي الأعوام الأخيرة، أظهرت الإمارات والسعودية استعدادا لاستخدام القوة العسكرية لإعادة تشكيل السياسة في الخليج بداية من التدخل في البحرين لقمع انتفاضة الربيع العربي عام 2011، إلى حربهما الدامية التي تستمر منذ أكثر من 3 أعوام على اليمن.

وقال «روبرت مالي»، الرئيس والمدير التنفيذي لمجموعة الأزمات والمستشار البارز السابق لشؤون الشرق الأوسط للرئيس السابق «باراك أوباما»، إنه تم إخباره في صيف عام 2017  من قبل المسؤولين القطريين أن بلادهم تعرضت لتهديد بالغزو.

وأضاف «مالي»: «ليس هناك شك في أن كبار المسؤولين القطريين الذين تحدثت إليهم كانوا مقتنعين -أو على الأقل تصرفوا كما لو كانوا مقتنعين- بأن السعودية والإمارات كانتا تخططان لهجوم عسكري على بلادهم تم إيقافه نتيجة للتدخل الأمريكي».

وجاءت مساعي «تيلرسون» لاحتواء الصراع في الخليج متناقضة مع الإشارات القادمة من البيت الأبيض، حيث أيد «ترامب» الحصار بشكل كامل، ووصفه بأنه بداية النهاية لرعب الإرهاب.

ووفقا لأحد التقارير الإخبارية، شعر «تيلرسون» بالإحباط من البيت الأبيض لتقويض جهوده ورجح بعض مساعديه أن الملاحظات التي ألقاها «ترامب» حول الأزمة كتبت بواسطة سفير دولة الإمارات في واشنطن «يوسف العتيبة» الذي يتمتع بعلاقة قوية مع صهر «ترامب» ومستشاره «جاريد كوشنر».

في ذلك الوقت، كان «كوشنر» يتولى تمثيل الإدارة الأمريكية مع دول الخليج، وكان المسؤولون السعوديون والإماراتيون يفضلون التعامل معه بدلا من مؤسسات الدفاع أو الاستخبارات الأمريكية، وتواصل «كوشنر» مباشرة مع ولي العهد في كل من السعودية والإمارات باستخدام خدمة الرسائل المشفرة في تطبيق «واتس آب».

حافز مالي

ويتوقع بعض المراقبين الخليجيين أن الحافز للغزو المخطط له ربما كان ماليا في جزء منه على الأقل، ويعتمد تمويل نظام الرفاه في السعودية على أسعار النفط المرتفعة، التي تراجعت في عام 2014 ولم تنتعش تماما، ومنذ وصول الملك الحالي إلى السلطة في عام 2015، أنفقت البلاد أكثر من ثلث احتياطياتها البالغة 737 مليار دولار، وفي العام الماضي دخل الاقتصاد السعودي في حالة ركود مؤلمة، وردا على ذلك بحثت الحكومة عن طرق لجمع الأموال، بما في ذلك عن طريق بيع أسهم في شركة النفط المملوكة للدولة «أرامكو».

وقال «بروس ريدل»، وهو زميل بارز بمعهد بروكينغز وضابط في وكالة الاستخبارات المركزية لمدة 30 سنة، في محاضرة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي: «هذه الطريقة غير قابلة للاستمرار، في السنوات الثلاث الماضية منذ صعد الملك سلمان إلى العرش، تم بالفعل إنفاق ثلث احتياطيات السعودية، لست بحاجة إلى أن يكون لديك ماجستير في إدارة الأعمال من مدرسة وارتون لمعرفة ما يعنيه هذا بعد 6 سنوات من الآن».

وإذا نجح السعوديون في الاستيلاء على الدوحة، فمن المحتمل أن يكونوا قادرين على الوصول إلى صندوق الثروة السيادية في البلاد الذي يبلغ حجمه 320 مليار دولار، وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، بعد أشهر من انهيار الخطة، قام ولي العهد السعودي بجمع واعتقال العشرات من أقاربه في فندق ريتز كارلتون الرياض وأجبرهم على التوقيع على تنازلات عن مليارات الدولارات من أصولهم الخاصة، وبررت الحكومة الاعتقالات باعتبارها حملة مكافحة للفساد، لكنها سمحت للدولة باسترداد المليارات من الأصول لاستخدامها من قبل الحكومة.

وابتداء من خريف عام 2017، بدأ أمراء التاج في الرياض وأبوظبي بالضغط على البيت الأبيض لإقالة «تيلرسون»، بحسب مصدر مقرب من العائلة المالكة الإماراتية ومصدر آخر قريب من العائلة المالكة السعودية.

لم يكن لدى أي من المسؤولين الحاليين أو السابقين الذين قابلتهم صحيفة «إنترسبت» معلومة مؤكدة عن سبب رحيل «تيلرسون»، لكن أحد المصادر أشار إلى توقيت الإقالة التي قبل أسبوع من وصول ولي العهد السعودي إلى واشنطن في زيارة معلنة حيث كان من المقرر أن يناقش خلالها أزمة قطر ومبيعات الأسلحة.

كما أشارت أربعة من المصادر التي قابلتها «إنترسبت» إلى حملة مستمرة من جانب الإمارات لمحاولة إثارة قطر من أجل تصعيد الأزمة، وواصلت قطر الشكوى من انتهاكات مجالها الجوي من قبل الطائرات الإماراتية، موضحة بالتفصيل اتهاماتها في خطاب إلى «الأمم المتحدة» في وقت سابق من هذا العام.

وتشمل مضايقات دولة الإمارات لقطر أيضا إهانات عامة فجة قدمتها القيادة الإماراتية ضد العائلة المالكة القطرية، تنبع هذه الأحاديث من حساب «تويتر» مزعوم لـ«حمد المزروعي»، وهو مسؤول استخباراتي إماراتي رفيع المستوى وذراع يمنى لولي عهد أبوظبي «محمد بن زايد»، وغالبا ما يقوم حسابه بتغريد محتوى جنسي يهدف لإهانة الشيخة «موزا بنت ناصر» والدة أمير قطر.

وقد أدى محتوى وجرأة تغريدات «المزروعي» إلى تكهنات في وسائل الإعلام القطرية بأن الحساب يتم التحكم به فعليا من قبل ولي عهد أبوظبي نفسه.