علاقات » خليجي

القمة الخليجية القادمة.. أين؟

في 2018/10/09

حمد العامر- الأيام البحرينية-

مأزق كبير تواجهه القمة (39) للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون المرتقبة نهاية هذا العام، فبعد اعتذار سلطنة عُمان عن عدم تمكنها من استضافة القمة بسبب الحالة الصحية لجلالة السلطان قابوس -وهو اعتذار يستند على النظام الأساسي للمجلس والموقَّع في أبوظبي (25 مايو 1981م)- هل ستحتضنها عاصمة دولة المقر (الرياض)؟.
مما لا شكّ فيه أن المأزق الذي يواجه القمة الخليجية القادمة ما كان ليكن لولا الأزمة القطرية التي زلزلت مجلس التعاون، وجعلته يعيش حالة ارتباك لم يشهدها تاريخه، فالخلافات الحادّة بين الأشقاء آخذة في التصاعد والاتساع، والتوتر غير الطبيعي أصبح هو السمة السائدة في العلاقات بين دول المجلس، خصوصاً مع التبعات الخطيرة جداً لتعنّت القيادة القطرية ومكابرتها وإصرار أركان الحكم القطري الحالي على عدم إنهاء الأزمة والتمادي في تعقيدها إلى حَدّ فاق كل التوقعات، والذي يمكن تلخيص أهم محطاته في الآتي:
قيام قطر فور تفجّر الأزمة بتفعيل اتفاقها الدفاعي مع تركيا الذي أرسلَت أنقرة بموجبه قوات عسكرية تركية إلى الدوحة، وتعزيز علاقاتها الأمنية مع إيران بدعوتها لقوات من الحرس الثوري الإيراني لحماية أمن عدد من الشخصيات القطرية المهمة والأجهزة والمؤسسات الحيوية في قطر، وهو ما أثار غضب دول المجلس، فالأزمة في حقيقتها هي أزمة (سياسية وأمنية) لا علاقة لها إطلاقاً بأي جانب عسكري يستدعي اللّجوء لقوات خارجية وخرق أساسات منظومة مجلس التعاون والضرب بعرض الحائط كافة الاتفاقيات الأمنية والعسكرية والدفاعية الموقَّعة في إطار المجلس!
عدم استجابة قطر للوساطة الكويتية لحلّ الأزمة، والذي يرتكز على تنفيذ المطالب الثلاثة عشر التي قُدِّمت إليها منذ (يونيو 2017م)، رغم أنها ليست بجديدة بل مُضمَّنة في اتفاق الرياض والاتفاق التكميلي وآلياته التنفيذية الموقعان في (نوفمبر 2014م) من قِبَل أصحاب الجلالة والسمو القادة ومن بينهم سمو أمير دولة قطر، ما جعل الاتفاق محل التزام أدبي من قِبَل دولة قطر لتنفيذ بنوده الهادفة للتوصّل إلى حل جذري للمشاكل الناتجة عن التصرفات القطرية غير المقبولة وغير المسؤولة التي تعرّض أمن دول الخليج واستقرارها للخطر الشديد، كونها هي المُستهدَفَة من التخريب ونشر الفوضى من قِبل أفراد وتنظيمات إرهابية مقرها الدوحة أو مدعومة من قِبلها لتنفيذ المخطط القطري المُحكم لتغيير أنظمة الحكم في دول الخليج ابتداءً من مملكة البحرين وليس انتهاءً بمخطط الإطاحة بالنظام الملكي السعودي عبر التآمر مع الرئيس الليبي الراحل معمَّر القذافي لاغتيال الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود عام (1997م)، وهي المؤامرة التي كشفها الرئيس الليبي بتسريبه للتسجيلات الموثَّقة إلى القيادة السعودية قبل الإطاحة به واغتياله على يد مجموعة موالية لقطر ومموَّلة منها.
ومع ذلك، فإن جميع التقارير المتخصصة تؤكِّد أنه منذ تفجر الأزمة يوم (5 يونيو 2017م) وإعلان المملكة العربية والسعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية قطع علاقاتها مع قطر وإغلاق كافة منافذها البرية والبحرية والجوية بسبب (الجهود القطرية الممنهجة لتقويض أمن واستقرار البحرين ومصر) كما ذكر وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش في مقابلته على قناة (BBC) بتاريخ (24 سبتمبر 2018م)، فإن الدول المقاطِعَة -كمملكة البحرين ومصر- أصبحت أكثر أمناً واستقراراً، وسجَّلت تطوراً ونمواً اقتصادياً أفضل، كما تسير الخطط الاقتصادية في جمهورية مصر العربية في طريقها الصحيح لبناء اقتصاد قوي ومتين حتى وإن كان الأمر يتطلَّب مزيد من الوقت والجهد والدعم.
لذلك، ومع تعنّت دولة قطر، فإنه من غير الممكن تراجع الدول المقاطِعة عن موقفها الحازم تجاه السياسات القطرية الطائشة، ويظل مكان وتوقيت انعقاد القمة الخليجية (39) في غياهب المجهول، خصوصاً عند تحليل المواقف الآتية:
سلطنة عُمان: من الناحية البروتوكولية لا يمكن لسلطنة عُمان تحمّل انخفاض مستوى التمثيل المتوقع لدول المجلس في القمة في حال انعقادها على أرض السلطنة، ففي ظل تفاقم الأزمة القطرية، فإنه من المؤكَّد أن يكون مستوى التمثيل كما كان في (قمة الكويت) في (ديسمبر 2017م)، حيث وصل تمثيل الدول المقاطِعة فيها إلى مستوى وزراء الخارجية، فيما عدا مملكة البحرين التي مثَّلها سمو نائب رئيس مجلس الوزراء الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، إضافة إلى ذلك فإن عُمان لا تستطيع القبول بخروج (قمة مسقط) دون قرارات تُنهي الأزمة القطرية وتدعم العمل الخليجي المشترك وتعزّز المواطنة الخليجية، خصوصاً وسط حالة الجمود التي عاشتها الأمانة العامة للمجلس والتي انعكست على تأخير تنفيذ الكثير من المشاريع الخليجية المشتركة ذات الطبيعة التكاملية؛ لذلك وكعادتها ومنعاً للحرَج اتخذت سلطنة عُمان من مرض السلطان قابوس مبرراً للاعتذار عن عدم استضافة القمة.
المملكة العربية السعودية: بعد التداعيات الخطيرة للأزمة القطرية، والإساءات البالغة التي تتعرَّض إليها القيادة السعودية من قبل القنوات الفضائية القطرية وحسابات التواصل الاجتماعي التابعة لها، إلى جانب تهديد أمن السعودية بقيام دولة قطر بطلب تعجيل تصديق البرلمان التركي على الاتفاقية العسكرية الموقَّعة بين البلدين والتي تمّ بموجبها نشر (5000) جندي تركي على الأراضي القطرية وإقامة قاعدة عسكرية قريبة من خط الحدود السعودية القطرية الذي يمتدّ نحو (32 كيلومتراً)، مما يؤكد النية القطرية العدوانية المبيتة لتغيير النظام والإطاحة بحكم الأسرة المالكة، فإنه لا يمكن أن تقبل السعودية استضافة القمة القادمة والتي تتطلَّب برتوكولات معروفة، خصوصاً ما يتعلَّق منها باستقبال أمير قطر في المطار والجلوس معه في الجلسة الافتتاحية!
دولة الكويت: لم يكن موضوع (الأزمة القطرية) محل نظر القمة الكويتية الأمريكية التي عُقدت في واشنطن سبتمبر الماضي، ولا خلال الزيارة الرسمية التي قام بها ولي عهد المملكة العربية السعودية إلى الكويت في (30 سبتمبر 2018م).
الإدارة الأمريكية: ليس هناك ما يُقلق الإدارة الأمريكية من استمرار الأزمة القطرية إلى الأبد، فقد استطاعت تأمين مصالحها الاستراتيجية في منطقة الخليج بإقناعها أطراف الأزمة بفصل (الأزمة السياسية) عن (التعاون الأمني الاستراتيجي مع الولايات المتحدة)، باعتبار أن الطرفين (الخليجي والأمريكي) هما أهم ركائز التحالف الجديد ضد إيران، خاصة بعد اجتماع رؤساء أركان دول مجلس التعاون ومصر والأردن والقيادة المركزية للجيش الأمريكي الذي عُقد في الكويت بتاريخ (12 سبتمبر 2018م) وناقش سبل ضمان أمن واستقرار المنطقة في إطار التحالف العربي الأمريكي ضد الأطماع والتهديدات الإيرانية، ومن بينها إسقاط النظام من الداخل من خلال الإجراءات الأمريكية الاقتصادية المتوقعة في شهر نوفمبر القادم، والتي سيتم بموجبها فرض عقوبات على صادرات إيران النفطية وعلى قطاعها المصرفي وإلغاء الصفقات والمشاريع النفطية للشركات الأمريكية والأوروبية الكبرى المتعاملة معها، وما سيتبع ذلك من هبوط في سعر العملة في السوق المحلية، وعند الوقوف أمام هذه النقطة تحديداً، نجد أن تناقض الوضع باحتضان قطر لأكبر القواعد العسكرية البرية الأمريكية في المنطقة، مقابل علاقاتها الاقتصادية والأمنية الحميمة مع إيران، وتعاونها العسكري القوي مع تركيا، يجعل من الصعوبة تصوّر الآلية التي ستتعاون بها الولايات المتحدة الأمريكية مع دولة قطر في إطار (التحالف العربي الأمريكي ضد إيران)، إذ كيف سيتم تبادل المعلومات الاستخباراتية السرية بين دول التحالف وقطر في ظل الواقع المُعقَّد والشائك! إلا أن التفسير الممكن لذلك هو (دبلوماسية الممكن) التي تَقلب الأمور رأس على عقب!
وعودٌ على بدء، فإن مرور (16 شهراً) على الأزمة القطرية دون حل ليس بالأمر الهيِّن على القيادة القطرية التي تدفع ثمناً باهظاً نتيجة تعنّتها ومكابرتها وتعزيز علاقاتها السياسية والعسكرية مع إيران وتركيا، وتماديها بعدم التزامها بتنفيذ المطالب المُتفق عليها، مما سوف يزيد من انفصالها عن منظومة (مجلس التعاون) الذي تُشير كل القراءات إلى أنه قد يمضي دونها خلال الفترة القادمة، والمؤسف حقيقةً أن تفكّك المجلس وانهياره، ورضوخ قطر لحماية القوات الأجنبية (التركية والإيرانية)، وإشعال الفوضى الأمنية والسياسية في المنطقة عموماً، ينصبّ مباشرةً في مصلحة إيران التي يشهد الواقع على أنها العدو الأكبر للعرب، والساعية على مدى التاريخ إلى بسط سيطرتها على المنطقة باستخدام كافة الوسائل وبالتعاون والتنسيق مع كافة القوى المتوافقة معها في الأهداف والمصالح.