علاقات » خليجي

ستراتفور: دول الخليج الصغيرة تكافح ضد الهيمنة السعودية الإماراتية

في 2018/11/16

ستراتفور- ترجمة شادي خليفة -

طوال عقود، قامت الولايات المتحدة بحماية الدول الصغيرة في الخليج من سلسلة من التهديدات منها السوفييت، والثورة الإيرانية، و"صدام حسين". لكن بعد الربيع العربي، برز تحدٍ جديد لاستقلال هذه الدول من جانب جارتيها، السعودية والإمارات. وباستخدام غطاء الاستراتيجية الأمريكية المعادية لإيران، تهدف الرياض وأبوظبي إلى جعل بقية دول مجلس التعاون الخليجي مجرد أتباع. وانضمت البحرين منذ فترة طويلة إلى الأتباع، لكن قطر أبت أن تكون كذلك، وهي حقيقة أدت، إلى جانب أسباب أخرى، إلى فرض حصار على الدوحة التي رفضت اتخاذ إجراءات صارمة ضد معارضي السعودية والإمارات. وفي الوقت نفسه، تتطلع السعودية والإمارات أيضا إلى الكويت وعُمان؛ حيث تنظران إلى سياستهما المستقلة كتهديد لهما.

لكن المفتاح لنجاح هذه الاستراتيجية هو الضامن الأمني ​​للمنطقة الولايات المتحدة. ولفترة وجيزة، اعتقد السعوديون والإماراتيون أن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" أصبح "في جيوبهم" عندما دعم الأخير حصارهم لقطر بشكل مؤقت الصيف الماضي. غير أن هذا الإجراء شجع الدوحة فقط على تذكير واشنطن بقوة بقيمتها كشريك استراتيجي، في حين بدأت الكويت ومسقط أيضا أخذ الحذر باتخاذ طريق مستقل إلى البيت الأبيض، خشية أن يتعرضا أيضا لتبعات غضب الرياض وأبوظبي. وتعد هذه الإجراءات جزءا من استراتيجية "دول الخليج الصغيرة" الطويلة، وهي الاعتماد على قوة خارجية للحفاظ على التوازن، وبالتالي ضمان صمود الدول الأصغر في مواجهة العدوان من القوى الأكبر في المنطقة. وهي استراتيجية مجربة ومختبرة، وبالنسبة للكويت وقطر وعمان، فهي تجدي الآن مرة أخرى.

الحفاظ على الاستقلال

ولطالما أغفلت القوى الإقليمية في كثير من الأحيان، أو تجاهلت، الحافة الشرقية للجزيرة العربية، حيث لم تلاحظ فائدة تذكر في السيطرة على مواقع صيد اللؤلؤ المتناثر والصيد على السواحل. وفي بعض الأحيان، سعت القوى الإقليمية في إيران وبلاد ما بين النهرين أو الأناضول إلى توسيع السيطرة على المنطقة فقط لمنع أي جهة أخرى في المنطقة من السيطرة عليها. واستمرت هذه العملية لقرون، من الإمبراطورية الأخمينية في بلاد فارس إلى الحروب العديدة بين العثمانيين والصفويين.

لكن ميزان القوة هذا انتهى عام 1820، عندما دخل البريطانيون الخليج العربي لتأمين طرق التجارة المربحة في المنطقة، وما وراء ذلك، للسيطرة على جوهرة تاج الإمبراطورية، الهند. وتبنت المملكة المتحدة استراتيجية مختلفة في إدارة الخليج، وأقامت المحميات بدلا من المستعمرات، وأعطت مساحة محلية للنخب لبناء مؤسساتها الخاصة، واعتماد التقاليد القبلية المحلية، مع الاعتماد على القوى الخارجية للحفاظ على سلامتهم.

وبعد فترة وجيزة من بداية القرن العشرين، اختفت الإمبراطوريات الصفوية والعثمانية، مما سمح للسعودية الجديدة بالظهور، وتوسيع سيطرتها على معظم شبه الجزيرة العربية. وبدون تدخل خارجي، كان من المرجح أن تحتل هذه القوة المتنامية جيرانها الصغار، الكويت والبحرين وقطر والإمارات وسلطنة عمان. لكن حكام الحافة الشرقية للجزيرة العربية، اقتربوا من بريطانيا العظمى للحفاظ على استقلالهم. وظهرت أهمية هذه القوة الحمائية خلال أزمة "البريمي" عام 1952، عندما حاولت المملكة انتزاع السيطرة على بقعة تعد الآن ولاية من ولايات سلطنة عُمان. وحينها، أثارت أبوظبي وعُمان شبح تدخل عسكري بريطاني محتمل لإقناع السعوديين بالانسحاب قبل بدء الأعمال العدائية؛ ما أدى إلى بقاء المنطقة خارج السيطرة السعودية.

واستمرت هذه الاستراتيجية بعد انسحاب المملكة المتحدة من المنطقة عام 1971، وترك موقعها للولايات المتحدة، التي رغبت في الحفاظ على إمدادات الطاقة وإبعاد الاتحاد السوفييتي عن الخليج. ومنذ وصول الولايات المتحدة إلى المنطقة، أبرزت كل من قطر والكويت وعمان قيمتها لواشنطن من خلال تقديم نفسها كشريك دبلوماسي أو اقتصادي أو سياسي. ولعبت الكويت دور الوسيط خلال حرب اليمن والنزاعات داخل مجلس التعاون الخليجي، في حين عرضت قطر ثقلها الاقتصادي في غزة، وعملت مع الولايات المتحدة للإطاحة بـ"معمر القذافي" في ليبيا ودعم المعارضين المناهضين للحكومة في سوريا. واستضافت عُمان المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة التي أسفرت في النهاية عن خطة العمل المشتركة الشاملة التي أجهضها "ترامب" لاحقا.

لكن بعد أن بدأ الحصار ضد الدوحة عام 2017، أدركت كل من الكويت وسلطنة عمان أن التهديد لا يزال ممكنا من قبل جيرانهما الأكبر حجما، إذا لم تتدخل الولايات المتحدة. ونتيجة لذلك، انتقلت الدول الثلاثة إلى إيجاد طرق لعرض قدراتهم الفريدة من نوعها التي تناسب المصالح الأمريكية للحفاظ على استقلالها الخاص.

محاولات التركيع

وبدلا من التوسع الإقليمي، تسعى الرياض وأبوظبي في نهاية المطاف إلى تحقيق الأمن السياسي؛ خوفا من أن تؤدي الحركات المعارضة القائمة في الدول المجاورة إلى الإضرار بالنظام في البلدين. وبناء على ذلك، قامت الدولتان بتشديد حربهما بشكل متزايد على جماعة الإخوان المسلمين في منطقة الخليج، في الوقت الذي ترغبان فيه أيضا في جعل مجلس التعاون الخليجي أكثر اتحادا وتماسكا.

ومباشرة بعد فرض الحصار على قطر، ضغطت الدوحة على إدارة "ترامب" لتقويض الادعاءات السعودية الإماراتية بأنها تدعم الإرهاب. وعلى هذا الصعيد، كانت الروابط العسكرية والدبلوماسية لقطر مع الولايات المتحدة، والمتمثلة بآلاف الجنود الأمريكيين المتمركزين في قاعدة العُديد الجوية في الخليج، مفيدة. لكن قطر قضت عام 2017 ومعظم عام 2018 في وضع نفسها كموزع مفيد للمساعدات في الأماكن التي لم تعد الولايات المتحدة ترغب في دفع فاتورتها. وبعد اندلاع الاحتجاجات في الأردن، الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة، حول مشروع قانون ضريبة الدخل المدفوع بحملة التقشف، دخلت قطر بسرعة باستثماراتها للمساعدة في استقرار ميزانية الأردن. ووفرت بسهولة الأموال التي تحتاجها غزة للحفاظ على الوضع الاقتصادي هناك للحد الذي يمنع حرب جديدة بين حماس و(إسرائيل). وفي كلتا الحالتين، عززت السيولة القطرية في النهاية مصالح الولايات المتحدة.

وكان الحصار يمثل ضغوطا مباشرة أقل ضد الكويت، لكن البلاد ما زالت تواجه اتهامات سعودية وإماراتية بأن برلمانها يسمح للإخوان المسلمين بمزيد من المناورة. وقد استاءت الرياض كثيرا من عجز أمير الكويت عن قمع الإسلام السياسي بسبب دستور البلاد وبرلمانها، وبسبب عدم تمكنه من قطع جميع العلاقات مع طهران بسبب الروابط بين العديد من النخب الشيعية في الكويت وإيران. وبعد أن فشلت السعودية والكويت في حل نزاع طويل الأمد حول حقول النفط في المنطقة المحايدة بين البلدين، أطلقت الرياض حملة قصيرة على تويتر ضد جارتها الصغيرة.

لكن على غرار قطر، عززت الكويت أيضا من خطوطها المالية مع الأردن خلال أزمتها الاقتصادية الصيفية، وبذلك استعرضت قوة مساعداتها لتذكير واشنطن بأنها أيضا حليف مهم في تخفيف الأعباء الاستراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

كما بدأت عمان في إدراك الجهود السعودية والإماراتية للحد من استقلاليتها، خاصة بعد أن شرعت أبوظبي، الشريك التجاري الرئيسي لعمان، في تشديد الرقابة على الحدود ومضايقة الشركات العمانية العاملة في الإمارات. وبسبب افتقارها إلى السيولة النقدية مقارنة بقطر أو الكويت، لعبت مسقط بدلا من ذلك بورقة دبلوماسية هائلة الشهر الماضي بدعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" إلى السلطنة لمناقشة محادثات السلام الفلسطينية. وربما لم تسفر المحادثات عن تقدم دبلوماسي كبير، لكنها أظهرت السلطان في العلن، وكذلك في وسائل الإعلام الرسمية العمانية، مع رئيس وزراء إسرائيلي قريب من البيت الأبيض الحالي. والأكثر من ذلك، أعلنت سلطنة عُمان أنها ترحب بقاعدة عسكرية بريطانية جديدة، وهي الأولى منذ عام 1971، في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني، لتثبت مرة أخرى قيمتها الاستراتيجية للولايات المتحدة، التي تسعى إلى شركاء لتخفيف مسؤولياتها الأمنية. وأثبتت عمان مدى ملاءمتها كمكان دبلوماسي ومركز عسكري لكل من الولايات المتحدة وحلفائها، وهو سبب كاف لأن ترغب أمريكا في استمرار استقلالها.

تحالفان أمريكيان

وفي نهاية المطاف، سيؤدي هذا الموقف إلى تبني الولايات المتحدة مقاربة ذات مستويين مع دول مجلس التعاون الخليجي. من ناحية، ستطلب الدعم من المحور السعودي الإماراتي الحازم في معارضة إيران. ومعا، ستجذب الدول الثلاث الدعم من (إسرائيل) التي تستفيد من تهديد إيران بزيادة التقارب مع السعودية والإمارات. ولكن مع سعي السعوديين والإماراتيين لتحقيق أهدافهما الإقليمية ضد الدول السنية الأصغر، الكويت وقطر وعمان، فإن الثلاثي الأخير سيعمل على إبراز القوة الناعمة في الأماكن التي توجد فيها مصالح أمريكية، والتي لا تستطيع الولايات المتحدة ممارسة نشاطها فيها بقوة.

وعليه، يمكن للولايات المتحدة الاستعانة بجهود هذا المحور غير الرسمي. وعلى سبيل المثال، فإن لبنان، البلد التي يواجه اقتصاده أزمة ديون، والذي قد يعاني من آثار العقوبات التي تفرضها واشنطن على حزب الله، يعتبر نقطة اشتعال قد تكون فيها الأموال الكويتية أو القطرية مفيدة. والأمر مماثل في الأردن، حيث من شبه المؤكد أن تعود الأزمة الاقتصادية. وهناك دور للكويت وقطر وعُمان في الأراضي الفلسطينية، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى منع نشوب حرب بين حماس و(إسرائيل)، وإبقاء اقتصاد غزة واقفا على قدميه، وإحلال بعض الحياة في عملية السلام المحتضرة. وفي أماكن أخرى، يمكن لإعادة إعمار العراق، فضلا عن اليمن التي خربتها الحرب، خاصة مع اكتساب الأزمة الإنسانية مكاسب سياسية في الكونغرس الأمريكي، الحصول على بعض المساعدات من هذه الدول. وأخيرا، يمكن أن تلعب أيا من الدول الثلاث دورا في المحادثات الإيرانية الأمريكية، وإذا حدث مثل هذا فسيعد إنجازا دبلوماسيا، حتى لو كانت مثل هذه النتيجة تبدو غير محتملة إلى حد بعيد في ظل الإدارة الحالية.

وسيبذل اللاعبون الكبار في الخليج قصارى جهدهم لجذب جيرانهم الأكثر استقلالية إلي مدارهم. لكن مع صغر حجم الكويت وقطر وعُمان، فإن استراتيجيتهم المثمرة في تقديم خدمة لا تقدر بثمن للقوى الخارجية ستحافظ على استقلاليتهم. وفي النهاية، من المرجح أن يقاوم الخليجيون المحايدون التدخل السعودي والإماراتي بنجاح مرة أخرى.